عاد الإخوان المسلمون بقوة إلى المشهد السياسي الأردني، عبر
نقابة المعلمين، إحدى أكبر النقابات المهنية في البلاد، بعد أن اكتسحوا انتخابات النقابة، وفازوا بنسبة تزيد عن ثلثي مقاعد الهيئة المركزية، والذين بدورهم سينتخبون مجلس النقابة، بمن فيه النقيب ونائبه، إضافة إلى 13 عضوا آخر، ولئن كانت هذه الانتخابات وهي الثانية التي تجري في النقابة التي أسست مع هبوب رياح الربيع العربي، التي يفوز فيها الإسلاميون، إلا أن هذا الفوز كان له دلالة أخرى، بعد حملات تهميش ومطاردة تنظيم الإخوان في غير بلد عربي، وبقيت اللافتة الأثرية التي ترتفع على أحد أقدم المباني في وسط العاصمة الأردنية عمان، إلى بدايات القرن الماضي، التي تحمل عبارة "جماعة الإخوان المسلمين" هي الوحيدة من نوعها التي تحمل اسم كبرى الحركات الإسلامية في الوطن العربي، وأم الجماعات الإسلامية، في الوقت الذي توارت هذه الجماعة خلف لافتات أخرى، أو أعلنتها السلطات المختلفة جماعة محظورة، أو حتى "إرهابية".
وبعد نحو سبعة عقود من العمل العلني، يطل التلويح بإعلانها جماعة محظورة، برأسه بين حين وآخر عبر تسريبات صحفية ومقالات توصف بأنها "تحريضية" تنشرها الصحافة الأردنية شبه الحكومية، الأمر الذي يعيد كل مرة للواجهة سؤالا ظل مطروحا على الدوام في الساحة الأردنية حول شكل العلاقة بين الجماعة والنظام، خاصة بعد استيلاء الجيش على الحكم في مصر، والانقلاب على الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي، والتداعيات التي شهدتها الساحة المصرية مستلهمة تجارب إقصاء واستئصال الجماعة في غير بلد عربي، ويبدو أن الإجابة عن السؤال لم يطل انتظارها طويلا، فقد نقل مسؤول حكومي رفيع المستوى عن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني قوله أنه لن يفعل مع الإخوان ما لم يفعله والده الملك الحسين بن طلال، الملك عبد الله – كما يضيف هذا المسؤول لـصحيفة "عربي 21"- كان يرد على ثلاثة اقتراحات طرحت في اجتماع لمجلس السياسات، الذي يحضره عادة كبار رجال الدولة الأردنية السياسيين والأمنيين، الأول يقضي بالبدء بحملة لملاحقة جماعة الإخوان المسلمين، وإعلانها جماعة خارجة عن القانون، استثمارا للحالة المصرية "المواتية" على حد تعبير صاحب الاقتراح، والثاني استمرار التعامل مع الجماعة وفق موروث الماضي، باعتبارها جزءا من مكونات المجتمع الأردني، أما الخيار الثالث، والكلام للمسؤول الأردني الرفيع الذي كان حاضرا للاجتماع ويؤثر عدم كشف اسمه، فيقضي بالمزاوجة بين الاقتراحين، لإبقاء الجماعة في حالة إنهاك دائم، فلا تستطيع التقاط أنفاسها فتؤثر أكثر في المجتمع، ولا تغيب تماما فتضطر للنزول تحت الأرض، وما عزز هذا التوجه ما قاله العاهل الأردني في مقابلة موسعة مع صحيفة "الحياة" اللندنية أخيرا، حين قال إن الإخوان "جزء من الطيف السياسي كباقي القوى السياسية العديدة الموجودة في الأردن" و "هم لم يخرجوا من المشهد حتى يعودوا، وما حدث خلال السنوات الماضية أنهم اعتمدوا المقاطعة أساساً لعملهم السياسي، وهذا الأسلوب كشف عن حسابات خاطئة وأضر بمصداقيتهم، ومشاركتهم أو مقاطعتهم هو شأنهم في نهاية المطاف".. تصريحات العاهل الأردني، وهي ليست الوحيدة من نوعها، فقد سبق وكررها في مناسبات أخرى، نالت ترحيبا شديدا من قيادات الحركة الإسلامية، التي التقطت الرسالة "المريحة" ورأت فيها"رسالة تطمين" عززت ما وصلها من توجهات حكومية عبر وسطاء رسميين، حرصوا على إيصال رسالة الملك للجماعة.
وامتلأت الصحافة الأردنية بترحيبات القيادات الإسلامية بالموقف الملكي، التي طوت بشكل جلي خيار الإقصاء والملاحقة والاستئصال، وإن حرص الموقف الرسمي وفق المسؤول الأردني، على عدم فتح حوارات خاصة مع جماعة الإخوان المسلمين، وترك الباب مفتوحا أمامها للمشاركة في الحياة السياسية دون أي تفاهمات خاصة، أو صفقات.
ويقول أمين سر جماعة الإخوان المسلمين محمد عقل في هذا الصدد، إن الجماعة تفضل أن تتم عودتها من حالة "الحرد السياسي" عبر الدعوة إلى حوار وطني شامل، وفي رد عقل عن سؤال لصحيفة "عربي21" حول عدم مبادرة الجماعة للقيام بهذا الحوار وانتظار "دعوة" من "الآخرين" لتنظيمه، قال إنه يتمنى أن يكون هذا الأمر مطروحا للحوار الداخلي خلال هذه الفترة، في إشارة كما يبدو إلى ميل إخواني شديد للخروج من حالة "الركود" الذي تعانيه الجماعة، وانتظارها لأي مبادرة تعينها على العودة إلى المشاركة في الحياة السياسية بشكل فاعل.
ويبدو أن انتخابات نقابة المعلمين، ومن بعدها انتخابات مجلس طلبة الجامعة الأردنية، كانت فرصة سانحة للعودة إلى حالة "الفاعلية" على الساحة الأردنية، بل إن طبيعة تحالفات الجماعة مع القوى المختلفة في هذه الانتخابات حملت رسالة شديدة القوة، عن مستوى التغير في ذهنية الجماعة، حيث حرصت على تشكيل تحالفات مع القوى الفاعلة في المجتمع، كما يقول عقل، فالإخوان لم يفوزوا وحدهم في هذه الانتخابات، بل إنهم خلافا لما يقال عنهم، أعادوا "إنتاج الوحدة الوطنية" على حد تعبير عقل، ويقول إن أهمية انتخابات نقابة المعلمين، كونها انتخابات هيئة وسيطة، بين النخبة والشعبية، وقد شارك فيها كل بيت أردني عبر نحو 800 ألف معلم، شاركوا في التصويت.
ووفق المعلومات التي حصلت عليها صحيفة "عربي21" من المصادر الرسمية، فالناجحون الـ 237 ليسوا كلهم من أبناء الحركة الإسلامية، بل هم تحالف يضم الإخوان إضافة لمن هم قريبون منهم ويشاركونهم في أفكارهم، والملاحظ هنا إن الإخوان لم يستأثروا بالمشهد، فالتحالفات شكلت وحدة وطنية عموديا وأفقيا، وتطبيقا للسياسة الأردنية الرسمية، التي تراوح بين التعامل مع جسم الحركة الإسلامية كجزء من الطيف السياسي، وبين محاولة تحجيمها بطريقة غير خشنة، لم تصل التدخلات الرسمية في انتخابات النقابة إلى الصندوق، بل كانت في مرحلة تشكيل جسم منافس، ويلاحظ مراقبون هنا، أن الإخوان وصلوا عبر استراتيجية التحالف هذه إلى مناطق كانت مغلقة عليهم خاصة في مناطق البادية ذات النفوذ القبلي والعشائري، حيث تمكن الإخوان من النجاح فيها عبر تحالفاتهم مع القوى الموجودة، وهي مناطق لم يكونوا ينجحون فيها في الانتخابات النيابية.
وفي المحصلة، فقائمة "المعلم" التي حازت حصة الأسد، ليست قائمة إخوانية بحتة، وربما لا يزيد عدد الإخوان فيها إلا بنسبة النصف، أو أكثر قليلا، فهي قائمة تحالف وتشارك، حملها الإخوان وعملوا على إنجاحها، وفق المعلومات التي توفرت لصحيفة "عربي21".
ويقول أمين سر جماعة الإخوان إن الرسالة الأهم داخليا، التي بعثت بها انتخابات نقابة المعلمين، إن هناك حالة حرد وطنية، فالنظام "حردان" من الإخوان والإخوان "حردانون" حسب تعبيره، ويمكن –كما يضيف- أن تشكل هذه الانتخابات دعوة لحالة حوار وطني، فالإخوان مكون أساسي من مكونات المجتمع، ولا يمكن استئصالها، رغم جهود التشويه الخارجي والداخلي، إضافة إلى أن الانتخابات، كما يقول عقل، كانت استفتاء على شعبية الإخوان، وقدرتهم على الحشد، والتأثير، والفوز في أي انتخابات حرة.
وكانت الجماعة قاطعت الانتخابات النيابية الأخيرة، التي جرت في كانون الثاني / يناير الماضي احتجاجا على ما يسمى في الأردن قانون الصوت الواحد، كما قاطعت الانتخابات البلدية التي جرت أخيرا.
أما نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين زكي بني ارشيد، فيرى في سياق حديث لصحيفة "عربي21" أن بوسع الجماعة التعاطي بمرونة مع استحقاقات المرحلة الراهنة، ويلمح إلى أن التغيرات التي حصلت في الساحة العربية، خاصة في مصر وسوريا تلقي بظلالها على الساحة الأردنية.
ويمكن القول أن ثمة وقائع جديدة على الأرض حدّت من طموحات الجماعة، وأعادتها على نحو أو آخر إلى ما قبل مرحلة الثورات العربية، ومما يعزز هذا الاعتقاد، استعداد الجماعة للمشاركة في اي انتخابات برلمانية مبكرة، شريطة توفر ما يكفي من نزاهة وشفافية، وبغض النظر عن ماهية القانون الذي تجري وفقه الانتخابات.
ويستذكر مراقبون هنا أن الإخوان المسلمين سبق وشاركوا بالانتخابات البرلمانية وفق قانون الصوت الواحد، التي جرت في 8/11/1993 وأفرزت المجلس النيابي الثاني عشر الذي نجح فيه 16 نائبا من حزب جبهة العمل الاسلامي وهو الواجهة السياسية لحركة
الاخوان المسلمين. وفي انتخابات المجلس النيابي الخامس عشر التي جرت في 20/11/2007 وفق قانون الصوت الواحد وتعديلاته حصلت
الحركة الاسلامية على 6 مقاعد فقط، وكانت هذه هي آخر انتخابات برلمانية تشارك فيها الجماعة، بعدما قيل عن تزوير كبير شاب العملية برمتها، حيث قاطعت كل الانتخابات التي جرت في الأردن حتى اليوم.
النائب الأردني خليل عطية، الذي يعد أحد المنافسين الرئيسيين للإخوان في الدائرة الانتخابية الأولى في عمان، والنائب السابق لرئيس مجلس النواب الحالي، يرى أن على الإخوان اليوم أن يعودوا إلى مواقعهم في الحياة السياسية الأردنية، لأن من يريد أي إصلاحات سياسية أو تشريعية أو حتى دستورية عليه أن يعمل تحت قبة البرلمان.
ويؤيد عطية أن تنخرط الجماعة في جميع مؤسسات الدولة، وأن يخصص لأعضائها مقاعد في مجلس الأعيان، وهو الغرفة الثانية في البرلمان الأردني ويعينه الملك، وعدد أعضائه نصف عدد أعضاء الغرفة الأولى "النواب"، ولا يرى عطية أي مانع من أن تخصص الدولة الأردنية مقاعد معينة للإخوان في السلك الدبلوماسي والمحافظين وغير ذلك من مراكز عليا، كونهم مكونا أساسيا من النسيج الاجتماعي الأردني.
ولا يخفي المسؤول الحكومي في النهاية رغبة دوائر صنع القرار في الأردن في إعادة دمج الإخوان في
العملية السياسية، دون تقديم أي "تنازلات" معتبرا أن مجرد عدم استبعادهم من المشاركة في هذه العملية اليوم يعد مكسبا كبيرا، في ظل عملية الاستهداف الكبرى التي تواجهها الجماعة في غير بلد عربي، فيما يبدو أن بعض قادة الحركة الإسلامية التقطوا الرسالة، وبدأوا يعيدون حساباتهم من جديد، وفق هذه الرؤية، حفاظا على بقاء تلك اللافتة القديمة مرفوعة على أحد أقدم مباني وسط عمان القديم، علما بأن ثمة عمليات "تجديد" محدودة لها تجري بين فينة وأخرى، في مواجهة عوامل الطقس من حت وتعرية.