مرت الذكرى الـ(38) ليوم الأرض بهدوء بينما ارتفع صوت الجرافات التي تواصل البناء في المستوطنات وتجرف شجر الزيتون، مشاركة هزيلة في الفعاليات التي دعت لها قوى
فلسطينية مختلفة، بينما سارت الحياة على طبيعتها، المحلات لم تغلق أبوابها، وانشغل المواطنون في حياتهم اليومية، في مؤشر اعتبره كثيرون تغيرا في المشهد الفلسطيني.
ونوه عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني، خالد منصور، إلى أن حجم التفاعل كان متباينا من منطقة لأخرى. وأوضح، "التفاعل بالإجمال لا يتناسب مع أهمية المناسبة التاريخية والظروف الصعبة التي تعيشها أرضنا الفلسطينية المحتلة، والتي هي تعتبر أصعب من الظروف التي كانت في العام 1976 من حيث الهجمة
الاستيطانية، ومن حيث جرائم المستوطنين التي باتت منظمة أكثر.
ولكن الأهمية الخاصة تكمن في إصرار
إسرائيل على تفضيل الاستيطان على السلام وكذلك انحياز أمريكا لإسرائيل وعدم الضغط عليها لإيقاف الاستيطان".
وقال في حديث مع "عربي 21": "للأسف حجم الفعاليات الكفاحية التي فيها احتكاك مباشر ومواجهات مع جيش الاحتلال أقل مما يجب، وكانت معظم الفعاليات متركزة على أعمال تطوعية لزراعة الزيتون أو مهرجانات خطابية، وعلى أهمية هذه الأشكال إلا أنه كان يجب أن يكون هذا اليوم يوم غضب ضد المحتلين ومستوطنيهم، فالمفروض أن يجري في مثل هذا اليوم إعطاء المقاومة الشعبية زخما أكبر وإظهارها كسلاح قوي يربك المحتلين ويستنزف معنويات جيشهم، لكن ومن أجل أن تكون المقاومة الشعبية أكثر جدوى لا بد من بناء جبهة متحدة تنسق وتوحد جهود كافة القوى والأطر، ومطلوب من القوى أن تنفذ ما تقوله في برامجها من تبنيها لنهج المقاومة الشعبية وأن تحشد كل طاقاتها وإمكانياتها البشرية والمادية لإعطاء المقاومة الشعبية دفعة قوية إلى الأمام".
وطالب منصور بتوضيح مفهوم المقاومة الشعبية، داعيا إلى "عدم التلاعب بتسميتها وتوصيفها بالسلمية، ويجب وقف التنسيق مع الارتباط الإسرائيلي لأنشطة المقاومة الشعبية".
بدوره قال الإعلامي أمين أبو وردة إن حجم المشاركة كان ضعيفا جدا في مختلف مناطق الضفة بل يمكن القول أنه أضعف السنوات في التفاعل مع هذه المناسبة.
وأضاف في حديث مع "عربي 21": "الفعاليات كثيرة وبأشكال متنوعة لكنها لم تنفذ، إذ كان بالإمكان تنظيم فعاليات ثقافية واجتماعية وزيارة المدارس وإحضار ضيوف إلى المدارس، وعرض أفلام بالإعلام المحلي، وتنظيم معارض صور ومهرجانات، لافتا إلى رفض الجماهير المشاركة بفعاليات منسقة مع الاحتلال؛ ففي سنوات سابقة وفي ظل الاحتلال كانت الفعاليات أقوى وأكثر تنظيما، كما رأى أن الجماهير فقدت شهيتها للمشاركة بالأنشطة الجماهيرية والوطنية".
البحث عن الأسباب
وطالب عضو لجنة التنسيق الفصائلي في محافظة نابلس، عماد الدين شتيوي، إعطاء المناسبات الوطنية حقها وخصوصا حينما يتعلق الموضوع بالأرض الفلسطينية، وما تواجهه من مخاطر حقيقية، في ظل إمعان الاحتلال بالمصادرة والاستيطان وتوسيع الجدار.
وتابع في حديث مع "عربي 21": "إضافة إلى المخططات التي يواجهها أبناء شعبنا في فلسطين المحتلة عام 48 وكلنا شاهدنا الحركة الجماهيرية الواسعة لمخطط برافر والذي تحطم على صخرة صمود أبناء شعبنا في 48 وكنا معهم، وقتها أجرينا العديد من الفعاليات التضامنية، واليوم تزداد الأوضاع السياسية سخونة وخطورة في ظل إمعان حكومة الاحتلال في تنفيذ سياساتها العدوانية".
وكشف شتيوي أن "لجنة التنسيق الفصائلي أصدرت بيانا دعت فيه الجماهير والفعاليات الوطنية في مختلف المواقع للبدء بتنظيم فعاليات جماهيرية مناهضة لسياسة مصادرة الأراضي وتركيزها في المناطق الفلسطينية التي تعاني من هذا العدوان، وكان من المفترض وجود فعالية في قرية بورين جنوب نابلس دعت إليها مختلف الفعاليات الوطنية وفي مقدمتها المحافظة إلى أنها لم تكلل بالنجاح بسبب ظروف نسعى للوقوف على حقيقتها وما هي الأسباب التي دعت إلى تأجيلها. وستعقد لجنة التنسيق الفصائلي اجتماعها لمناقشة هذا الموضوع وبالتأكيد ستعلن عن فعاليات أخرى إكراما لهذه المناسبة الوطنية الكبيرة وما تفرضه الحالة الوطنية والسياسية على الأرض بوجوب تصعيد نهج المقاومة الشعبية للاستيطان والجدار وضد السياسات العنصرية لحكومة الاحتلال الفاشية".
بدوره قال أستاذ الصحافة في جامعة النجاح أيمن المصري في حديث مع "عربي 21": "حجم التفاعل الرسمي والشعبي من سيء إلى أسوأ في الأعوام الماضية، والفعاليات التي أقيمت في طول البلاد وعرضها لا تقارن بحجم هذا اليوم في الذاكرة الفلسطينية المعاصرة. في فترة الثمانينيات والتسعينيات وانتفاضة الأقصى كان لهذه الذكرى وقع خاص يتمثل بالمظاهرات والمسيرات الحاشدة والغاضبة؛ أما الآن فالوضع محزن وكأن الأرض لا تعني شيء لنا".
وأرجع المصري السبب في ذلك إلى حالة الإحباط العام السائدة في فلسطين على كافة المستويات، والانحدار الشديد في الثقافة الوطنية للأجيال الجديدة، وطغيان العوامل المادية ولقمة العيش على ما سواها من مبادئ وتراث وثقافة وأرض.
مشروع "تهويد الجليل" كان البداية
وتعود أحداث
يوم الأرض الفلسطيني لعام 1976 بعد أن قامت السلطات الإسرائيلية بمصادرة آلاف الدونمات من الأراضي العربية ذات الملكية الخاصة أو المشاع في نطاق حدود مناطق ذات أغلبية سكانية تحت غطاء مرسوم جديد صدر رسميا في منتصف السبعينات، أطلق عليه اسم مشروع "تطوير الجليل" واعتبره الفلسطينيون وقتها "تهويد الجليل".
وكان السبب المباشر لأحداث يوم الأرض هو قيام الاحتلال بمصادرة 21 ألف دونم من أراضي عرابة وسخنين ودير حنا وعرب السواعد وغيرها في منطقة الجليل في فلسطين التي احتلت عام 48 (وهي القرى التي تعرف بمثلث الأرض) وتخصيصها للمستوطنات في سياق مخطط تهويد الجليل، وعلى إثر هذا المخطط قررت لجنة الدفاع عن الأراضي عقد اجتماع لها في الناصرة بالاشتراك مع اللجنة القطرية لرؤساء المجالس العربية، وفيه تم إعلان الإضراب العام الشامل في 30 آذار احتجاجا على سياسية المصادرة، وكان الرد الإسرائيلي عسكريا إذ اجتاحت قواته مدعومة بالدبابات والمجنزرات القرى الفلسطينية والبلدات العربية وأخذت بإطلاق النار عشوائيا فسقط الشهيد خير ياسين من قرية عرابة، وبعد انتشار الخبر صبيحة اليوم التالي 30 آذار انطلقت الجماهير في تظاهرات عارمة فسقط خمسة شهداء آخرين وعشرات الجرحى.