العلاقات بين القاهرة والخرطوم متوترة، فمع أن كثيرا ممن هربوا من الانقلاب وصلوا إلى ليبيا إو إلى لندن، إلا أنه يعتقد بأن مئات بل آلاف الإخوان المسلمين هربوا إلى الخرطوم.
الطريق إلى
الحدود السودانية مليئة بنقاط التفتيش ولكن طول الطريق 2000 كم ولم يستطع رجال السيسي تغطيتها تماما، ولكن اعتقال رئيس الوزراء هشام قنديل وسجنه وتعذيبه المزعوم، تبين أن الرحلة فيها مخاطرة كبيرة.
ويبدو أن السودان تقوم بالتزاماتها الدولية، فيما عدا حالتين لم يواجه أي من الإخوان الفارين الترحيل إلى
مصر، بل على العكس اشتروا بيوتا وأنشأوا أعمالا لهم ويرسلون أبناءهم إلى المدارس المحلية.
ومع أن لندن تعتبر مركزا للإتصالات، وبراري ليبيا توفر مكانا آمنا، إلا أن للخرطوم مكانة تاريخية بالنسبة لإسلاميي مصر.
فقد لعبت السودان دورا رئيسيا في الإمتداد الإسلامي من الخمسينيات إلى التسعينيات، وكانت البلد الأول الذي صدّر إليه الإخوان فكرهم. فقد عمل حسن الترابي على أسلمة السودان لعقود.
وقد وجهت أصابع الإتهام للجبهة الوطنية الإسلامية والترابي في محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك عام 1995، وكانت الجماعة الإسلامية بدعم من أيمن الظواهري خططت للهجوم الذي كان مفروضا أن يتم خلال مؤتمر قمة منظمة الوحدة الأفريقية في أديس أبابا.
وتمكنت الجماعة من إرسال أسلحة إلى العاصمة الأثيوبية من الخرطوم على متن طائرة سودانية، وعندما فشلت المحاولة هرب بعض المخططين لها إلى السودان وبعضهم الآخر سجن في مصر، وخرجوا من السجن مع حلول الربيع العربي.
الزيارة التي قام بها وجدي غنيم الشيخ القطري- المصري الذي تربطه علاقات قوية بالإخوان للخرطوم، كانت سببا في إثارة
اللغط في مخيم السيسي في القاهرة، وكان أكثرها خبثا القول باحتمال تحول الخرطوم إلى قاعدة للإرهاب، وأن زيارة غنيم جاءت لتخطيط هجمات على الأراضي المصرية.
ولكن مصادر من داخل الإخوان قالت إن مرسي كان مهتما بالقضاء على التطرف وليس هناك ما يشير إلى أن اسلوب غنيم الخطابي الحاد ضد الانقلاب سيصل إلى أكثر من جهاد سلمي ضده.
ومع أن غنيم خرج من تنظيم الإخوان قبل سنوات، إلا أنه لا تزال تربطه علاقات قوية بهم في مصر، وهو يحاكم غيابيا مع مرسي، وقال مسؤول كبير في الحركة لـ "الميدل إيست مونيتور" إن الشيخ لعب دورا استشاريا لحكومة مرسي وعادة ما حذر من وقوع انقلاب وشيك.
ومع أن غنيم ينتقد بشدة في الإعلام الغربي ويتهم بأنه محرض على العنف إلا أن الإخوان يصرون على أن دعوته "للجهاد ضد أعداء مرسي" في شهر تموز/ يوليو العام الماضي هي دعوات سلمية تتماشى مع الاستراتيجية الحالية من العصيان المدني السلمي.
وقال محمد خيرت وهو محلل سياسي يعيش في القاهرة ومؤسس لمدونة الشارع المصري إنه متشكك تجاه ما سمي بالخطط الإرهابية: "إن الانتقال إلى الخرطوم وتخطيط هجمات سيشكل انحرافا لجماعة الإخوان عن سياستها المعلنة وسيشكل موتا لها على مستوى العلاقات العامة، وعندها لن تتردد بريطانيا ولا أمريكا في تصنيف الحركة منظمة إرهابية".
وأضاف خيرت إن أعضاء الحركة وبالذات الشباب لن يؤيدوا مثل هذا التوجه.
كما أن وجود التمويل القطري يمنع أي توجه نحو العنف برأي "إريك ريفز"، الخبير بالسياسة السودانية، حيث أشار إلى زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، واجتماعه بالرئيس البشير وإعلانه عن حزمة مساعدات للإقتصاد السوداني بمقدار مليار دولار، وجاءت زيارة الأمير بعد زيارة غنيم بفترة قصيرة "وواضح أن هذا كان من قبيل الصدفة".
يقول "ريفز" إن القطريين طموحون، ويذكر وساطة الدوحة في أزمة دارفور "وسيخسرون أي دعم غربي إذا تورطوا في أي أعمال إرهابية"، وقال إنهم لديهم نقاط ضعف كثيرة فمثلا "المقاطعة المصرفية من أمريكا وحدها وبالتأكيد بدعم من الاتحاد الأوروبي ستشل البلد تماما".
ومما يزيد من تعقيد العلاقات قضية سد النهضة الذي تعتزم أثيوبيا بناءه مما سبب خلافا بين مصر وأثيوبيا وهو خلاف تميل فيه السودان مع جارها الجنوب الشرقي مع أنها تقول انها تلعب دور الوسيط.
وكانت الخرطوم أغضبت القاهرة بقبول نتائج الإستشارة التي قامت بها الحكومة الأثيوبية بشكل رئيسي، وعرضت إرسال مهندسين يشاركون في بناء السد. ورحبت أثيوبيا بالمبادرة.
وتتخوف السلطات المصرية أن يتسبب المشروع في تراجع كميات المياه التي تصلها، حيث أن 85% من مياه نهر النيل تأتي من أثيوبيا وبشكل أساسي من الأمطار التي تسقط في المناطق المرتفعة، ويعتمد أكثر من 90% من المصريين على المياه من النهر.
وبحسب "إريك ريفز" فإن انقسام السودان إلى دولتين عقد قضية النيل بالنسبة للدبلوماسيين المصريين، عندما أستقل الجنوب أصبح على القاهرة التعامل مع سودانين، وهذا ما لم يكن يريدونه.
وأشار "ريفز" إلى أن كلام السيسي عن عمل عسكري ضد مشروع سد النهضة لا بد وأن يعقد الأمور إقليميا بالنسبة للخرطوم، "السودانيون بحاجة إلى حلفاء وهم يدركون أن تحالفهم مع بعض الجيران سيتسبب بمشاكل مع غيرهم".
والمنتقدون في السودان يقولون إن القاهرة تستغل قوتها لحرمان الدول الموجودة في أعالي النيل مما يكفيها من المياه، بينما تستخدم مصر ما تحتاجه من مياهه. وقد أعلن أحد مرشحي الرئاسة في مصر أنه سيعلن الحرب مباشرة ضد أثيوبيا إذا نجح في الإنتخابات.
يقول "ريفز" :"يشارك النيل الأزرق بحوالي 75% من مياه النيل، ولذلك فإن التهديدات المصرية بعمل عسكري ستخلق مشاكل بالنسبة للخرطوم في التفاوض مع بقية بلدان المنطقة".
وبهذه
التوترات كخلفية تم التوصل إلى تحالف عسكري يقوم بتسيير دوريات حدودية مشتركة للعمل في سيناء، ويبدو أن الدوريات المشتركة محدودة جدا مما يشير إلى أنه اتفاق على الورق ليس إلا.
(ميديل إيست مونيتور)