بعد أن اعتادت غالبية الأنظمة العربية حظر الحركات الإسلامية ذات التوجهات الراديكالية، المتبنية لمنهج انقلابي تروم من خلاله تقويض أركان السلطات القائمة، توسعت في الشهور الأخيرة دوائر ممارسة الحظر الرسمي لتشمل جماعة الإخوان المسلمين التي كانت توصف من قبل بالمعتدلة وتعلن عن تبنيها الدائم لمنهج وسطي، يسعى للإصلاح عبر الوسائل الممكنة والهوامش المتاحة سلميا.
كانت قرارات الحظر سابقا مسلطة على رقاب حزب التحرير الإسلامي، ومجموعات السلفية الجهادية، فنشاطاتها كانت تقع تحت طائلة المساءلة القانونية باعتبارها أحزابا وجماعات غير مرخصة ومحظورة، بحسب ما تظهره وقائع وسجلات محاكم أمن الدولة في كثير من البلاد العربية.
التحول في الموقف من الإخوان المسلمين، جاء في خضم تطورات الأحداث بعد انقلاب المؤسسة العسكرية المصرية في 3 تموز/يوليو 2013 على الرئيس المصري المنتخب الدكتور محمد مرسي، فعلى إثر تفجير مبنى مديرية أمن الدقهلية في 24 كانون الأول/ديسمبر 2013، الذي أودى بحياة ستة عشر مصريا، وأكثر من مائة وثلاثين جريحا، قرر مجلس الوزراء المصري في اجتماعه المنعقد في اليوم التالي "إعلان جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية وتنظيمها تنظيما إرهابيا..".
لم يقتصر قرار حظر الجماعة، واعتبارها جماعة إرهابية على مصر فقط، فقد تبعتها في ذلك دولة الإمارات العربية، ولحقت بهما المملكة العربية السعودية في شهر مارس الماضي، بإدراج الجماعة ضمن قائمة الجماعات والتنظيمات المحظورة، واعتبارها جماعة إرهابية، وامتد الأمر ليصل إلى بريطانيا بعد أن أمر رئيس وزرائها، ديفيد كاميرون، "بإجراء تحقيق عاجل حول أنشطة جماعة الإخوان المسلمين المصرية، وسط مخاوف من أنها تخطط للقيام بأنشطة متطرفة بالمملكة المتحدة".
أمام تلك القرارات الحاظرة للجماعة، والمدرجة لها على قائمة الجماعات والمنظمات الإرهابية، ما هي الأسباب والدوافع الحقيقية الكامنة وراء تلك القرارات؟ وما هي تأثيراتها وانعكاساتها على الجماعة وجودا وحضورا وفاعلية؟ وما هي الخيارات والبدائل المتاحة لمواجهة تلك التحديات التي فرضتها قرارات الحظر؟
قرارات الحظر: ما هي الأسباب والدوافع؟
أرجعت السلطات المصرية أسباب حظرها لجماعة الإخوان واعتبارها جماعة إرهابية، إلى اتهامها بالمسؤولية عن حوادث تفجيرات طالت مقرات رسمية مختلفة، فمجلس الوزراء المصري في اجتماعه المنعقد في 25 كانون الأول/ديسمبر 2013، الذي أعلن فيه عن قراره القاضي باعتبار الإخوان جماعة إرهابية، اتهم الجماعة بمسؤوليتها المباشرة عن تفجير مديرية أمن الدقهلية.
وفي مؤتمره الصحفي عقب اجتماع مجلس الوزراء، قال الدكتور حسام عيسى نائب رئيس الوزراء وزير التعليم العالي إن "مصر رُوعت بالجريمة البشعة التي ارتكبتها جماعة الإخوان المسلمين بتفجير مديرية أمن الدقهلية، وسقوط شهداء ومصابين أكثرهم من الشرطة والباقين من المدنيين المُسالمين من أبناء المنصورة وذلك في إعلان واضح من جماعة الإخوان أنها لا تعرف غير العنف منذ نشأتها حتى أحداث الاتحادية والتعذيب في رابعة العدوية، ومحاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر واغتيال السادات.
وأضاف: "كل هذا بالإضافة إلى جرائم حرق الكنائس وصولا إلى حادث المنصورة، وذلك لإيقاف مسيرة الشعب المصري نحو الديمقراطية بدءًا من الدستور الجديد، والذي يُمثل المرحلة الأولى في خريطة الطريق".
رؤية مغايرة للرواية الرسمية المصرية
في رؤية مغايرة تماما للرواية الرسمية المصرية، يرى المحلل السياسي الأردني، رئيس تحرير وكالة الأناضول التركية في اسطنبول، محمد عقل أن قرارات حظر جماعة الإخوان، جاءت في سياق خطة تستهدف محاصرة الإخوان وإفشال تجربتهم الأخيرة في مصر، على إثر تصدر الجماعة للمشهد السياسي في مصر، بعد فوزهم بمنصب رئيس جمهورية أكبر دولة عربية، والذي اعتبره عقل بمثابة تسونامي سياسي اجتاح العالم أجمع دون سابق إنذار وترصد، بكل تداعياته التي أحدثت خلطا لكل الأوراق السياسية في المنطقة والعالم.
ويشير عقل إلى أن ظهور الإخوان وتصدرهم بعد فوز الرئيس محمد مرسي، كان له انعكاساته السلبية المقلقة على دول عربية كانت وما زالت تعتبر نفسها الممثل الشرعي والوحيد للإسلام، كما إن ظهور الإخوان وسطوع نجمهم أبهر أعين صناع القرار الدولي، وأربك حساباتهم في ظل خروج غير مطمئن من أفغانستان والعراق، إضافة إلى تخوفهم من إمكانية تحوله إلى تهديد حقيقي للنظام الدولي الأحادي مستقبلا، لكل ذلك تحركت قرون الاستشعار الغربية وعالجت الحالة بالضربة القاضية، لكن هذه المرة بصورة غير مباشرة وفق ما يراه عقل.
يتابع رئيس تحرير وكالة الأناضول حديثه لـ "عربي 21" قائلا: التمويل الخليجي كان حاضرا ومؤثرا، وكذلك التخطيط الغربي، وقد ساعدا بشكل رئيسي وأساسي في الإطاحة بإخوان مصر، وحتى لا تكون هزات ارتدادية طُلب من الانقلابيين التعامل مع الإخوان بمنتهى القسوة والوحشية، فكانت الضحايا بالآلاف على مبدأ (فشرد بهم من خلفهم)، ولما لم يتحقق لهم ما أرادوه، كان لا بد من اللجوء إلى آخر العلاج وهو الكي، المتمثل بشيطنة الإخوان وحظرهم ووضعهم على قوائم الجماعات الإرهابية.
دوافع السعودية في قرارها
لكن ما هي سياقات ودوافع إقدام المملكة العربية السعودية على اعتبار الإخوان جماعة إرهابية؟ يلفت الأكاديمي السعودي، أستاذ الفقه وأصوله في جامعة أم القرى بمكة المكرمة، الدكتور محمد السعيدي إلى أن موقف السعودية في هذا الشأن لا يُمكن تفسيره دون مراجعة كاملة لمواقف السعودية من الإخوان عبر تاريخهم، ومواقف الإخوان من السعودية.
يؤكد السعيدي في حديثه لـ "عربي 21" أن العلاقة بين السعودية والإخوان كانت علاقة ممتازة، ارتكزت من جهة المملكة على مبدأ نصرة الأخ المظلوم والوقوف معه، لذلك وقفت السعودية مع حسن البنا رحمه الله، وأنقذته من محاولة اغتيال كانت مدبرة له من قبل الحكومة المصرية في أوائل الأربعينات، وقامت المملكة كذلك بإيواء الإخوان المصريين وتمكينهم من التعليم العام والجامعي، والعمل الخيري، بل بلغ مرشدهم مأمون الهضيبي منصب مستشار في وزارة الداخلية للحقوق.
يتابع الأكاديمي السعودي حديثه مذكرا بمواقف السعودية في دعم الإخوان ومؤازرتهم في ليبيا والعراق وسوريا، وتأمينها لملاذات آمنة لكبار رجالاتهم وعامة أعضاء جماعتهم، لكن مع كل ذلك وقف الإخوان ضد المملكة العربية السعودية في جميع القضايا التي احتاجتهم المملكة فيها، ووقفوا في كل تلك القضايا مع أعداء الإسلام وأعداء الإخوان أيضا بحسب السعيدي.
في معرض استدلاله على وقوف الإخوان ضد المملكة في القضايا التي احتاجتهم للوقوف معها، أورد السعيدي جملة من المواقف والأحداث، كموقف سيد قطب وسعيد حوى رحمها الله وغيرهما من مفكري الإخوان الذين لم يستثنوا حكام المملكة من أحكام التكفير التي أصدروها في تكفير حكام المسلمين الذين لا يحكِّمون الشريعة، كما انتقد مواقف الإخوان في كثير من الملفات (كالثورة الإيرانية، والحرب ضد الحوثيين، وحزب الله اللبناني وغيرها) لأنها من وجهة نظره كانت ضد المملكة في مواقفها.
يرى السعيدي أن الخطاب الإخواني بعد تولي الإخوان لرئاسة مصر وما تبعها من أحداث كان بمجمله عدائيا وتحريضيا ضد السعودية، خصوصا خطابات رابعة العدوية، وهو ما انعكس على الداخل السعودي المتعاطف مع الإخوان، والذي أنتج بحسب السعيدي خطابا تحريضيا ضد الحكومة السعودية في الكتابات الشعبية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي استدعى اتخاذ خطوة قوية وجريئة لإيقافه، فجاء بيان وزارة الداخلية السعودية، لمواجهة "الخطاب العدائي التعبوي الداخلي" من جهة، وللمساهمة في "تقوية صوت الخطاب السعودي الوطني" من جهة أخرى.
من جهتها أصدرت الجماعة بيانا أظهرت فيه استغرابها الشديد من القرار السعودي، وأكدت فيه على منهج الجماعة "في نشر الفكر الإسلامي الصحيح دون غلو أو تطرف"، "وأن العلاقة بينها وبين شعوبها، وبين القوى السياسية المختلفة بما فيها النظام هي علاقة نصح وليست علاقة تكفير أو تخوين، ولا تنظر الجماعة إلى الدولة أنها كافرة أو مرتدة...".
تأثيرات قرارات الحظر وتحدياته
كيف ستؤثر قرارات الحظر على الجماعة؟ وما هي البدائل والخيارات التي ستلجأ إليها الجماعة لمواجهة تحديات ما بعد الحظر؟ أوضح المحامي المصري والناشط في الدفاع عن الإخوان ومناهضي الانقلاب، خالد أبو زيد أن الإخوان يعيشون هذه الأيام حياة صعبة وقاسية، فبالإضافة للقتل والحبس، فهم يعانون من محاربتهم في أرزاقهم، فمن يتغيب منهم عن عمله بسبب الحبس يفصل فورا.
وعن نوعية القضايا التي تولى الدفاع فيها قال لـ"عربي 21" : أما القضايا فهي ملفقة، والنيابة لبست ثوب الانقلاب، وتزيت بالزي العسكري، والقضاء لها ظهير، لدي قضية المتهم فيها صبي حبس سبع سنوات بتهمة حيازة طبلة، وأخرى لتصوير إضراب، والباقي تظاهر بدون ترخيص وانتماء لجماعة إرهابية.. والأدلة ليست موجودة.
في السياق ذاته رأى الباحث السياسي المصري محمد جلال القصاص أن قرار الحظر سيحصر عمل الجماعة ضمن إطار العمل السري بعيدا عن مؤسسات الدولة، وحركة المجتمع اليومية، وسيضيق سبل التواصل مع الجماهير، وسيؤثر على أعمالها الدعوية والخيرية، وهو ما سيرجعها إلى سابق عهدها الذي اعتادت عليه طوال العقود الماضية.
يشير القصاص في حديثه لـ"عربي 21" إلى أن الجماعة لم تصنع السياسات العامة في مصر، وإنما هناك من وضع قواعد اللعبة السياسية وحدد آليات العمل، والجماعة تستجيب شاءت أم أبت، فمثلا: هناك من زحزح الصراع في مصر بعد ثورة يناير إلى خانة الصراع الديني (استفتاء 19 مارس.. أو غزوة الصناديق)، وأبعد الصراع عن مؤسسات الدولة كلها (القضاء، الشرطة، الجيش، المحليات، والإعلام)، والتي قامت الثورة ضدها بالأساس، والتي قادت الانقلاب على الثورة بعد ذلك.
وأكد أن صانع السياسات هو الذي أوجد آلية الأحزاب فدخل فيها الإسلاميون و"الثوريون"، وهو الذي وضع قانون مجلس الشعب، ثم انقلب عليه وحلَّ المجلس المنتخب بذات القانون، فصانع السياسات ليس الجماعة ولا غيرها من الإسلاميين، ومستوى الوعي أقل من ذلك، ومستوى الفعل أقل بكثير.
أما بخصوص البدائل التي يمكن للجماعة اللجوء إليها في تكيفها واستجابتها لتحديات مرحلة ما بعد الحظر، فلا يرى القصاص أن ثمة بدائل متاحة أمام الجماعة لتختار من بينها – على الأقل في الوقت الحالي -، ويحتاج الأمر مع استمرار المقاومة في الشارع إلى مساحة هادئة يتم فيها إعادة ترتيب العقل الصحوي الإسلامي من جديد، ليعلم مفردات الصراع الثابتة: أطرافه، قضاياه، مساحته، شدته، أدواته، طرق تسويته، مع ضرورة اتجاه التفكير إلى الداخل، برصد المتاح ودراسة التجارب السابقة، ومحاولة إعادة ترتيب الصفوف، والبداية بحسب القصاص تكون بالبحث، وإتقان فن التحليل.
بدوره وبحكم معايشته للتجربة التركية في عهد حزب العدالة والتنمية دعا المحلل السياسي محمد عقل إلى ضرورة قراءة الحركات
الإسلامية السياسية في العالم العربي للتجربة التركية بعين البصيرة خاصة بعد اجتياز حزب العدالة لأصعب امتحان في مسيرته (الانتخابات البلدية الأخيرة) للإفادة منها في كيفية التعاطي مع المتغيرات الدولية بطريقة تنجيها من الوقوع في المراهقة السياسية من جديد. مؤكدا أن حزب العدالة لم يحقق نجاحاته إلا بعد انخراطه بحمل هموم المواطن التركي ومعالجتها عمليا، وتقديم نموذج رائد في التنمية والتطوير الاقتصادي جعل دوائر واسعة من الشعب التركي تنحاز إلى التجربة وتجدد البيعة لحزب العدالة والتنمية وقيادته العاملة لصالح تركيا والشعب التركي، بعيدا عن صراع الأفكار والأيدلوجيات.