تقول منظمات
إغاثة تعمل في
سورية إنها تشعر بالإحباط إزاء أسلوب تعامل
الأمم المتحدة مع أكبر
أزمة إنسانية في العالم، وتتهم المنظمة الدولية باستبعادها وحجب معلومات حيوية لمساعدة ملايين المحتاجين. من جهتهم، وجه ثلاثون حقوقيا دوليا بارزا رسالة مفتوحة إلى الامم المتحدة يطالبونها بفرض مرور قوافل إنسانية من تركيا او الاردن الى سورية، مؤكدين أن تذرع الأمم المتحدة بالقانون الدولي غير مبرر.
من جهته، أفاد المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "جينس لاركي" اليوم الثلاثاء؛ بأن نظام
الأسد لا يسمح بدخول قوافل المساعدات الإنسانية إلى شمال سورية عبر الحدود التركية.
وقال لاركي في مؤتمر صحفي عقده في مكتب الأمم المتحدة بجنيف: "إن عقبة إرسال المساعدات الإنسانية لشمال سوريا ناتجة عن مسؤولين في النظام السوري، إذ لا يسمحون بدخول تلك المساعدات لشمال سورية".
وأكد لاركي ضرورة وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع المحتاجين في سورية، مذكراً بقرار مجلس الأمن في شباط/ فبراير الماضي المرقم 2139 والقاضي بضرورة سماح جميع الأطراف لوصول المساعدات الإنسانية للسوريين.
وذكر المتحدث أن الأمم المتحدة تمكنت الشهر الماضي إيصال 78 شاحنة محملة بالمساعدات إلى شمال سورية عبر الحدود التركية، مؤكداً أنهم لم يتمكنوا منذ ذلك التاريخ من إيصال مساعدات أخرى للمنطقة.
لكن الحقوقيين الدوليين أكدوا في رسالتهم أن من حق الامم المتحدة فرض مرور هذه القوافل عبر الحدود بموجب القانون الدولي الإنساني، وعبّروا عن أسفهم لأن الامم المتحدة "لا تقوم بهذه العمليات الحيوية خوفا من ان تعتبرها بعض الدول الأعضاء غير قانونية"، منتقدين "تفسيرا حذرا جدا للقانون الدولي الإنساني".
ولفتت الرسالة المفتوحة التي تنشرها صحيفتا الغارديان البريطانية والحياة العربية الى ان "الامم المتحدة ووكالات إنسانية اخرى تؤكد منذ مدة طويلة أنه ليس من الممكن الوصول الى مئات آلاف المدنيين إلا من بلدان مجاورة مثل تركيا والأردن".
وأضاف الموقعون على الرسالة "ان القانون الدولي الإنساني يقضي بدون لبس بأنه يجب القيام بتحرك انساني محايد حيث هناك حاجة للسكان المدنيين لمساعدة حيوية".
وأضافوا: "نعتبر انه لا يوجد أي عائق قانوني يمنع الامم المتحدة من القيام مباشرة بعمليات إنسانية عبر الحدود وتقديم دعمها للمنظمات غير الحكومية كي تقوم بها أيضا".
ولفتوا في شكل خاص الى "ان الاطراف لا يمكنهم رفض إعطاء المواقفة إلا لدوافع قانونية مشروعة"، مثل عمليات عسكرية على المسار المقترح لنقل المساعدات. وأوضحوا "أنهم لا يستيطعون قانونيا رفض الموافقة لإضعاف مقاومة العدو وجعل المدنيين يعانون من الجوع او منع توفير العناية الصحية".
وأقر الحقوقيون بان المنظمات الانسانية "ستتعرض لمخاطر هائلة خلال قيامها بعمليات انسانية عبر الحدود ويمكن ان ترفض القيام بذلك". لكن تلك "المحايدة والراغبة والقادرة على القيام" بمثل هذه العمليات يمكن ان تفعل ذلك "قانونيا".
وقد وجهت الرسالة الى الأمين العام للأمم المتحدة بان جي مون والدول الاعضاء في الامم المتحدة والوكالات الانسانية الرئيسية (يونيسف، وبرنامج الاغذية العالمي ومفوضية اللاجئين والانروا).
ومن بين الموقعين على الرسالة ريتشارد غولدستون (جنوب افريقيا) والمدعي العام السابق لمحكمة الجزاء الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة ورواندا، ووليام شاباس استاذ القانون الدولي في جامعة ميدلسيكس البريطانية ووزير العدل الكندي السابق اروين كوتلر والأمريكية ليلى ناديا السادات المستشارة الخاصة لدى المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية والبرفسور آلان بيليه (جامعة باري اويست -نانتير).
منظمات دولية:
وقالت منظمات دولية غير حكومية تعمل في سورية في رسالة أرسلتها إلى عدة دول أعضاء بمجلس الأمن الدولي هذا الشهر؛ إن غياب التنسيق من قبل الأمم المتحدة يتسبب في عدم وصول المساعدات إلى بعض المدنيين في المناطق ذات الأولوية.
وجاء في الرسالة ان الأمم المتحدة لا تبلغ منظمات الإغاثة الأخرى حين تقوم بإدخال المساعدات إلى مناطق من البلاد، مما يؤدي إلى احتمال حدوث تكرار في تقديم المساعدات.
ويمثل الصراع تحديا ضخما للعاملين في مجال الإغاثة، اذ يحتاج تسعة ملايين شخص داخل سورية للمساعدة، إضافة إلى 2.5 مليون فروا من بلادهم.
ويؤدى نقص التمويل والقيود التي يفرضها النظام السوري وتلك الناجمة عن القتال إلى عرقلة جهود الإغاثة.
لكن المنظمات غير الحكومية تشير إلى ان أوجه القصور في عمليات الاغاثة تزيد من خطورة الموقف، ودعت الأمم المتحدة الى إظهار قدر اكبر من الزعامة وتحسين التنسيق والمطالبة بتسهيل الوصول الى المناطق التي تحتاج للمساعدات.
ورفض مسؤولون بالأمم المتحدة في نيويورك وجنيف ودمشق التعليق على تقرير المنظمات غير الحكومية عندما طلب منهم ذلك، لكن منسقة الإغاثة في حالات الطوارئ بالمنظمة الدولية فاليري آموس قالت مرارا إن النظام السوري ومقاتلي المعارضة لم يبذلوا جهدا كافيا للسماح بوصول المساعدات إلى المناطق المحاصرة.
وتتهم الأمم المتحدة قوات بشار الأسد ومقاتلي المعارضة بمنع وصول المواد الغذائية والأدوية إلى ربع مليون شخص في مناطق محاصرة في اطار سياسة التجويع التي يمارسها كل جانب لإجبار المناوئين له على الخضوع.
ويقول عمال الإغاثة إن السلطات السورية غالبا ما تملي كيفية توزيع المساعدات من قبل منظمات الأمم المتحدة الملزمة قانونا بالعمل مع النظام، وهو ما يؤدي إلى كم أكبر من المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الأسد.
وفي مسعى لتوسيع نطاق وصول المساعدات الإنسانية اتفق مجلس الأمن الدولي في شباط/ فبراير على أنه يجب على الجانبين تسهيل دخول منظمات الإغاثة إلى المناطق المحاصرة . لكن الأمين العام للأمم المتحدة بأن جي مون قال الاسبوع الماضي إن الجانبين المتحاربين في سورية لم يلتزما بالطلب.
وتحدثت وكالة رويترز إلى ثلاث منظمات إغاثة دولية أعدت التقرير الذي أرسل إلى اعضاء مجلس الأمن. وطلبت هذه المنظمات عدم الكشف عن هويتها خشية ان يؤثر الإعلان عنها سلبا على عملها في سورية.
وقال التقرير: "منظمات الأمم المتحدة.. تحتاج أن تضمن تحسين التنسيق والقيادة". وأضاف: "التنسيق بين منظمات الإغاثة التي تعمل من الدول المجاورة وتلك الموجودة في دمشق ما زال يواجه صعوبات في ظل ضعف نظام الأمم المتحدة وقدرتها المحدودة المتاحة حاليا".
وقال التقرير: "في دمشق غالبا ما يتم استبعاد المنظمات غير الحكومية من عمليات صنع القرار المتعلقة بالتخطيط لقوافل الاغاثة ومن المناقشات الخاصة بآليات تقديم المساعدات".
وقال التقرير إن منظمات الاغاثة لم تشارك في اجتماعات الحكومة والأمم المتحدة خلال عمليات إجلاء المدنيين من المناطق المحاصرة بمدينة حمص هذا العام. وأضاف أن هذا النوع من الاستبعاد يعني "أن المعلومات والتحليلات التي ترد من مجموعة واسعة من العاملين في مجال الاغاثة لا يعتد بها".
وقال: "الامر يتطلب تحركا أكبر من الأمم المتحدة للضغط من اجل الحصول على دعم دبلوماسي فيما يتعلق بقضايا رئيسية تتصل بدخول المناطق" التي تحتاج للمساعدات في تكرار لانتقاد قديم بأن الامم المتحدة لا تعبر عن بواعث قلقها بقوة كافية عندما تعرقل السلطات السورية عملها وتضع قيودا على توصيل المساعدات إلى المناطق المحاصرة.
ومن المقرر ان ترفع آموس تقريرا لمجلس الامن يوم الاربعاء . وتناشد آموس المجلس منذ اكثر من عام تقديم المساعدة لتسهيل دخول مناطق الصراع لتقديم مساعدات إنسانية. لكن دبلوماسيين يقولون انه سيكون من الصعب على المجلس اتخاذ مزيد من الإجراءات. وكانت روسيا وفرت بدعم من الصين الحماية لحليفها في سورية من التعرض لأي إجراء في مجلس الامن خلال الحرب. واستخدمت الدولتان حق النقض (الفيتو) لمنع صدور ثلاثة قرارات تندد بالحكومة السورية وتهدد بعقوبات محتملة.
وقال ممثل عن منظمة دولية غير حكومية تعمل في سورية والدول المجاورة إن الأمم المتحدة "يجب ان تكمل العمليات الجارية لا أن تقوضها". وأضاف: "نقص التنسيق بين الأمم المتحدة والمنظمات التي تعمل على الأرض بالفعل يعني أنها في أحيان ستسبب قدرا من الضرر اكبر من النفع وهذا مثار قلق في الوقت الحالي".
وتابع: "تقرير بان جي مون الأخير (بشأن توصيل المساعدات) كان قويا لكنه محبط لعدم اشارته تقريبا إلى التحديات التي تواجه المنظمات غير الحكومية في توصيل المساعدات عبر الحدود وفي سورية".
وقال التقرير المؤرخ في 16 نيسان/ ابريل إن منظمات الأمم المتحدة لا تقدم بشكل مباشر الدعم الانساني الضروري لملايين السوريين عبر الحدود، وهو أحد المطالب الرئيسية التي وجهها قرار مجلس الأمن للسلطات السورية.
ودخلت شاحنات إغاثة تابعة للأمم المتحدة في 20 آذار/ مارس الأراضي السورية قادمة من تركيا عبر معبر القامشلي الذي تسيطر عليه قوات الأسد للمرة الأولى. لكن التقرير قال ان العملية "لم تتح في واقع الأمر وصول أي مساعدات للمدنيين في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة".
وقال التقرير ان تأخر الأمم المتحدة في إبلاغ المنظمات غير الحكومية بخططها أدى الى حدوث ازدواجية خلال عملية ارسال المساعدات عبر الحدود حيث كانت منظمات انسانية توزع المساعدات هناك ايضا. وهناك ثمانية معابر حدودية رسمية بين سورية وتركيا والمعبر الوحيد المستخدم هو القامشلي وتسيطر عليه قوات الأسد. ولا يسمح السوري بالعبور من خلال مواقع حدودية يسيطر عليها الثوار.
وقال ممثل المنظمة غير الحكومية: "نحتاج إلى مساعدة الأمم المتحدة لتوسيع نطاق تلك العملية وتلبية الطلب الضخم على المساعدة. ثمة سبعة ملايين شخص يعيشون في مناطق لا يمكن الوصول إليها دون مشقة إلا من خلال الدول الحدودية".
وبعد ان أصدر مجلس الامن الدولي في شباط/ فبراير قراره الرقم 2139 الذي يدعو الى رفع الحصار عن المدن السورية ووقف الهجمات والغارات على المدنيين وتسهيل دخول قوافل المساعدات، لا يزال القرار اشبه بحبر على ورق، بحسب ناشطين ومدنيين وعمال اغاثة.