قالت مجلة "تايم" الأمريكية إن الإطاحة بالرئيس
المصري المنتخب محمد مرسي قد جرَّ القضاة في مصر إلى إظهار استقلاليتهم، ولكن البعض يخشى من أنهم أصبحوا يصدرون أحكاما لمحاباة الحكومة الجديدة، حيث تقول منظمات حقوق الإنسان أن هناك أكثر من 21.000 معتقل في السجون المصرية.
وتبدأ المجلة تقريرها بالحديث عن عدلي منصور الذي تقول إنه قاض؛ لكن أكثر قاض سيء السمعة في مصر والعالم اسمه سعيد يوسف المعروف بـ "الجزار" والذي أصدر حكمين في آذار/ مارس ونيسان/ إبريل قضى فيهما بإعدام 1200 شخص في جلستين لم تستمر كل واحدة منهما حتى ساعة. ولقي الحكمان ترحيبا وتصفيقا من الإعلام المؤيد للحكومة، فيما شجبتهما منظمات حقوق الإنسان في مصر والعالم. ويتساءل كاتب التقرير جاريد مالسين عن الكيفية التي يصدر فيها قاض أحكاما سريعة وقاطعة بهذه الطريقة؟
ويرى التقرير إن الأحكام التي أصدرها "جزار المنيا" وضعت النظام القضائي تحت المجهر، وهو نظام خليط من الولاءات السياسية والذي يفاخر باستقلاليته وهي الحقيقة التي حاول وزير العدل المصري التأكيد عليها في رده على الانتقادات حول أحكام محكمة المنيا "قضاة مصر مستقلون ولا تأثير عليهم"، وقال "لا أحد في الدولة يوجه القضاة، لا الوزير أو مسؤول".
وتعلق المجلة أن محاكمات المنيا، صحيح أنها تظهر استقلالية القضاة في مصر لكنها تكشف في الوقت نفسه عن واقع يشعرون فيه بحس الولاء لقوات الأمن وأجهزة الشرطة. ففي الوقت الذي لا يزال الرأي العام أو معظمه والإعلام مسكون بجنون المشاعر المعادية للإسلاميين فالقضاة قد يجدون أنفسهم مساقون لإصدار أحكام تتوافق مع الريح السياسية في البلاد.
ونقلت المجلة عن وزير العدل السابق في حكومة محمد مرسي، أحمد مكي قوله "هذا حكم سياسي ينتهك المبادئ القضائية التي نتعامل معها في مصر". ويواصل مكي قائلا "لا يوجد تدخل من ناحية تعرض القاضي لضغوط من السيسي أو نظامه" لكن الأحكام " تعكس الجو العام والذي يظهر أن للنظام القضائي أحقاده الخاصة".
وتحول النظام القضائي منذ
الإنقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس مرسي في 3 تموز/يوليو إلى واجهة حملة القمع التي خاضها النظام الجديد ضد الإسلاميين حيث وصل عدد المعتقلين في السجون المصرية ما يزيد على 16.000 معتقل حسب الإحصائيات الرسمية فيما ترى منظمات حقوق الإنسان أن العدد يزيد عن 21.000 معتقل.
وبوجود أعداد كهذه فقد تحولت المحاكمات الجماعية إلى حدث يومي، حيث تؤكد الحكومة أن الاعتقالات ضرورية لمواجهة التطرف وإعادة الأمن، وهو ما وافق عليه القضاة، وكانت طريقتهم في دعمه هي إصدار أحكام قاسية على المعتقلين.
ويعتمد القضاة على القانون الجنائي المصري الغامض والذي يحتوي على قوانين مثل "إهانة القضاء" أو "العضوية في جماعة محظورة" وكذا القانون الجديد الذي يحظر التظاهرات والتجمعات في الشوارع بدون الحصول على رخصة من الأمن.
ففي يوم السبت قام قاض في محكمة بنها- شمال القاهرة بإصدار أحكام بالسجن المؤبد على سبعة أشخاص في جريمة لم يستخدم فيها السلاح الفتاك ولكن؛ لأنهم أغلقوا شارعا في اثناء تظاهرة جرت في آب/اغسطس الماضي، فيما حكم على 119 شخصا بالسجن مدة 3 أعوام لعلاقتهم بتظاهرة جرت في تشرين الأول/اكتوبر، وفي نفس اليوم منعت محكمة نشاطات جماعة 6 إبريل التي شاركت في انتفاضة يناير 2011 التي أطاحت بحسني مبارك.
وتنقل المجلة عن سارة لي واتسون، مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة "هيومان رايتس ووتش" بأن "الوضع لا يشير لقاض خرج عن الخط، لكنك أمام قضاء كامل حاد عن الطريق"، مضيفة "الأمر لا علاقة له بكثرة القضايا والأعباء بل بالفشل المستمر، للتأكد من حصول المتهمين على محاكمة عادلة ونزيهة". ويشير الكاتب هنا لمحكمة المنيا التي حكم فيها سعيد على 529 متهما بالإعدام لقتلهم ضابط شرطة واحد، وحكم القاضي حكمه في أقل من ساعة ولم يقدم الادعاء أدلة كافية تدين المتهمين بالعمل. ونفس الأمر حدث عندما حكم بإعدام 633 بقتل ضابط شرطة.
وتضيف المجلة أن القضاة المصريين تشاحنوا مع حسني مبارك أثناء عقوده الثلاث في الحكم، مع أن تعييناته تركت بصماتها على النظام القضائي، لكن لم يمنع الكثيرين منهم من التعبير عن غضبهم من التعذيب ومن المحاكم العسكرية. كما شجب القضاة الانتخابات المزورة في عام 2005. وفي عهد مرسي واجه القضاة الرئيس في أكثر من مرة. لكن أيا من الـ 15.000 قاض في مصر شجب أحكام المنيا، رغم أنها تفتقد لأدنى المعايير القضائية والمنطق.
ونقل عن قاض قوله "كل قاض في مصر لديه طريقته في التفكير"، ويرى القاضي الذي طلب عدم ذكر اسمه أن قضية المنيا بالغ الإعلام في تصويرها مضيفا "نحن لا نتعامل مع أشخاص ولكن مع أدلة". ويرى التقرير أن عدم انتقاد القاضي هذا وغيره لحكم المنيا نابع من التضامن بين القضاة أنفسهم. وبحسب ناثان براون، الباحث في العلوم السياسية بجامعة جورج تاون والذي يتحدث مع القضاة المصريين بشكل دوري فالقضاة لديهم هوية مشتركة "وهي مهنة ولا يريدون أن ينشروا غسيلهم أمام الناس، وحتى لو لم يكونوا راضين عن القرار (المنيا) فلا يريدون الخروج عن النص وإن انتقدوه فبطريقة غامضة".
ويضيف أن هناك العديد من القضاة الذين لم يكونوا راضين عن مرسي ولهذا "فقد ردوا من تموز/يوليو بمواصلة المعركة والنظر لأنفسهم على أنهم جزء من محاولة إعادة السلطة للدولة المصرية مستخدمين كل الوسائل التي بأيديهم".
ومع ذلك فقرارات المحكمة تعتمد على القاضي الذي ينظر في القضية، حيث يقول خبراء إن هناك توجها لإعطاء القضايا والمحاكمات الجماعية للقضاة الذين لديهم استعداد لإصدار أحكام قاسية ضد الإخوان المسلمين. وتقول سحر عزيز المحاضرة في جامعة إي&أم تكساس "هناك بالتأكيد حالات تم اختيار القضاة فيها بطريقة غير مسيسة، ولدواع داخلية داخل المؤسسة القضائية، ولكن في القضايا الكبيرة ظهرت الأبعاد السياسية".
وفي النهاية ورغم الأخطاء الكثيرة التي يجدها العاملون في النظام القضائي المصري في قرارات زملائهم لكن مقابلات ماسلين لم تعثر على أي خبير مصري يرفض قرار محكمة المنيا وكلهم قالوا إنه تم "بالقانون" وهو تعبير مرن في ظل عودة نخبة مبارك وتأكيدها لنفسها. وينقل عن محمد عرفة المحاضر في القانون بجامعة الإسكندرية "الحكم قاس، وفي نفس الوقت لا أستطيع القول إنه لم يصدر بناء على القانون الجنائي المصري"،وبعبارات قاض آخر "كان قانونيا" صحيحا!