كتب صالح عوض: لم يكن نظام العقيد
القذافي بالنظام الذي يمكن الدفاع عنه أو ستر تصرفاته الكارثية ضد شرف الليبيين وثرواتهم ومجتمعهم.. ولم يملك أحد من أحرار العالم وشرفائه رفض تغيير النظام واستعادة الشعب الليبي لسيادته وكرامته وثروته.. وكم كان ثقيلا الواقع الليبي الذي جمد الحياة وكتم الأنفاس وحول الليبيين إلى قوة معطلة، فهي إما إلى الهروب أو إلى السجون أو إلى التهريج.. ولم يكن الجوار بمنأى عن نزوات العقيد بعد أن تحرك على الإقليم لتكون جيوب أمنية أو سياسية تعتمد على التنوع العرقي كما كان طموحه الخيالي يمتد نحو إفريقيا وقبائلها حتى أصبح يطرب كثيرا لملك ملوك إفريقيا.
هذا كله صحيح، ولعل تفاصيله تظهر إلى أي مدى تم التلاعب بثروة الشعب وحقوقه وكرامته ويمكن الاستطراد في رصد ذلك لكشف حجم ما كان يعاني الشعب الليبي، هذا الشعب الكريم الذي دوخ الاحتلال الإيطالي وكان دوما منبع البطولة والرجولة في مواجهة الاعتداءات الاستعمارية البريطانية والأمريكية.. ولعل إحالة ما واجهه الشعب إلى التاريخ لن يعني نسيانه بمقدار ما يعني ضرورة الالتفات إلى اليوم والمستقبل.
إن آثار كل ما سبق تتكشف اليوم في واقع ليبي ممزق مكسور مهزوم ومحبط يحتكم إلى السلاح في أدق الاختلافات وأعظمها ويتوزع على مليشيات جهوية وعقائدية أحالت البلد إلى فوضى "خلاقة" تعصف بالبلد ومستقبله بعد ان أصبحت المؤسسات التي انبثقت عن واقع ما بعد القذافي لا تحمي نفسها وتتعرض للعدوان من قبل هذه المليشيا او تلك حتى أصبحنا نرى ببساطة بلدا عربيا كبيرا وغنيا واستراتيجيا يتوزع على عشرات الولاءات ولغة السلاح هي الأكثر فصاحة وبيانا.
السلاح في كل مكان في
ليبيا، بل لعل بعضه قد تسرب إلى دول الجوار، حيث المجمعات المسلحة والتوترات الأمنية لاسيما مصر، الأمر الذي أقلق الجهات الأمنية المصرية إلى درجة الدعوة بأنه على المجتمع الدولي سحب السلاح من أيدي الليبيين..
في ليبيا رجال محترمون وقيم عربية ضاربة بعمق في نفسية المجتمع، وفي ليبيا كذلك إحساس بالانتماء للأمة كبير، وفي ليبيا ثروة عربية معتبرة يمكنها ان تحقق جزءا أساسيا من الاستقرار الإقليمي والأمن القومي، وهذه المعطيات الأساسية تقف في وجه التحديات المتعددة، فأيهما سينتصر ويفرض إرادته، إنها معركة الحياة التي تخوضها الأمة في أكثر من مكان.. وإن التجربة الصعبة القاسية التي يمر بها الليبيون الآن لا تقف عند حدود التنازع الداخلي.. فكما أن دم الضحية يغري الوحوش فإن التنازع الداخلي يغري الأمريكان والمجتمع الدولي، والمقصود هنا أصحاب النظام الرأسمالي الإمبريالي.. وهنا تكون الدعوة إلى تعفين المناخ تماما وصناعة أزمات مستعصية للإقليم..
ومن هنا بالضبط تصبح الأهمية لخطوة كبيرة وواعية من دول الإقليم لمساعدة الليبيين على تجاوز أزمتهم، لأن في ذلك ليس فقط مصلحة الليبيين، بل ومصلحة الإقليم والأمة كلها.. تولانا الله برحمته.
(الشروق أون لاين)