تسير
ليبيا بسرعة باتجاه الحرب الأهلية. وكأي حرب أهلية، لا ينتصر فيها أحد. وليست تلك سمة الشعب الليبي الذي قدم تضحيات كبرى في مواجهة الاستبداد الجنوني للقذافي منذ وصوله للسلطة إلى أن غادرها. وما كانت تلك التضحيات لتؤتي أكلها لولا الدعم الإقليمي والدولي الذي لقيه الشعب الليبي، وإلا لكان حاله كحال الشعب السوري؛ منذورا لذبح يومي، وسط استنكار عالمي وتباك لا يردع مجرما ولا يسند ضحية.
وجد الثوار من علمانييهم إلى إسلامييهم حاضنة عربية وإقليمية ودولية. والدول المختلفة اليوم، اتفقت في لحظة الثورة على دعمها. وبعد انتصار الثورة، فاجأ الشعب الليبي العالم بقدرته على إجراء انتخابات بمنتهى الشفافية والنزاهة والسلمية، رغم انتشار السلاح وغياب سلطة الدولة. في تلك الانتخابات، قيل إن الليبرالي محمود جبريل اكتسحها، ولم يعترض الثوار والإسلاميون على نتائج الانتخابات، وبدا أن البلد يتجه لإرساء تقاليد ديمقراطية في إدارة الخلاف.
وليس لأن الإسلاميين اكتسحوا الانتخابات هذه المرة، بل لأن التجربة الديمقراطية بدأت تستقر، حصل التدخل الإقليمي. لا يوجد سطر في موقع إلكتروني مغمور يقول إن الإسلاميين اكتسحوا؛ على العكس، ثمة قوى عديدة وازنة ومتنافسة ومشاركة في السلطة ولا يوجد اكتساح من أحد، والبلد بحاجة إلى بناء جيش وطني ومؤسسات حكم وقضاء. الخطر هو الديمقراطية وليس الإسلاميين.
ظهر اللواء خليفة حفتر فجأة بعد انقلاب عبدالفتاح السيسي، في عملية استنساخ فاشلة. وأعلن انقلابه، لكن من دون مشهد سينمائي في الشوارع، ومن دون جيش ولا دولة عميقة، لأن القذافي لم يترك وراءه ذلك كله؛ فقط ظهر على قناتين إقليميتين داعمتين للانقلاب. وعلى الأرض، كانت كتائب الثوار تحكم السيطرة على مفاصل العاصمة، وبدا وكأن الانقلاب عطل فني على شاشة فضائية.
لم يحاكم حفتر على انقلابه، كما لم يحاكم من قبل في المحكمة الجنائية الدولية على ما فعله في تشاد، لأنه يحظى بغطاء أميركي. وهو يواصل اليوم حربه على الثورة التي جبن عن الدخول فيها. وهو يصرح بأنه يريد القضاء على الإخوان في ليبيا، مع علمه أنهم ليسوا قوة حاكمة كالحال في مصر، لكنها في الحقيقة حرب على الديمقراطية التي سمحت للإخوان وغيرهم بحق الحياة والعمل السياسي الذي حرمهم منه القذافي طيلة أربعة عقود.
بلا مواربة،
الجزائر ومصر جارتان معنيتان بإجهاض المخاض الديمقراطي في ليبيا. قبل الانقلاب في مصر، دعمت الجزائر القذافي وعبثت في تونس. ومصر السيسي تواصل حربا إقليمية على الديمقراطية تحفزها شهوة النفط الليبي.
في الواقع، الحرب في ليبيا إن وقعت فلن تنجو منها مصر ولا الجزائر؛ سيدفع ثمنها الجميع. لكن ما يزال ثمة أمل في العودة إلى لحظة التوافق الإقليمي الذي دعم الثورة، وخصوصا قطر والإمارات والسعودية. وهذا التوافق سينزع فتيل الحرب الأهلية، ويمكن ليبيا من النهوض وبناء الدولة وتجاوز فوضى عمرها أكثر من أربعة عقود.