كتب جيفري كمب: يزعم منتقدو الرئيس باراك
أوباما أنه أساء التعامل مع قضايا الأمن القومي والسياسات الخارجية الأميركية، ذلك أنه أظهر ضعفاً وافتقاراً للعزيمة الراسخة تجاه الأصدقاء والحلفاء على السواء.
وقد أسهم حدثان بشكل كبير في هذا الجدال؛ هما صفقة تبادل السجناء في أفغانستان وخطاب الرئيس في أكاديمية «ويست بوينت» العسكرية في الثامن والعشرين من مايو المنصرم.. لكن ما مدى إنصاف هذا الانتقاد؟
أدى إطلاق سراح الجندي الأميركي السيرجانت «بووي بيرغدال» في نهاية الأسبوع الماضي، بعد مكوثه خمسة أعوام في الأسر لدى حركة «
طالبان» في أفغانستان، ردود فعل قاسية بين كثير من المجندين والمنتقدين الأميركيين للرئيس في الكونجرس الأميركي. وقد تم التفاوض على حرية «بيرغدال» بمساعدة من قطر، وكان الثمن إطلاق سراح خمسة من كبار قادة «طالبان» كانوا معتقلين في مركز الاحتجاز الأميركي بقاعدة «جوانتنامو» في كوبا.
وحسب بنود صفقة التبادل، لن يتم السماح للقيادات الخمس الطالبانية بالعودة إلى أفغانستان لفترة تزيد على عام.
ومن بين الخمسة نور الله نوري، الحاكم السابق لولاية بلخ الشمالية، والذي كان الأكثر إثارة للجدل، حيث يتهم بالمشاركة في مجزرة أودت بحياة آلاف الشيعة في تلك المنطقة عام 1998. والأربعة الآخرون هم خير الله خيرخوا وزير داخلية «طالبان» الذي يعتبر معتدلاً نوعاً ما، ومحمد فضل القائد البارز الذي اشتهر في ساحات المعارك، وعبد الحق واسيق نائب رئيس جهاز الاستخبارات السابق في «طالبان»، ومحمد نبي الذي لا يعرف عنه الكثير واعتقل للاشتباه في علاقته بشبكة حقاني المسلحة.
ويعزو السبب وراء كون صفقة تبادل الأسرى هذه مثيرة للجدل إلى ظروف أسر السيرجانت «بيرغدال» في يونيو عام 2009. فقد أفاد رفاق «بيرغدال» بأنه تجول بعيداً عن مكان حراسته من دون أسلحته ما أدى في النهاية إلى اعتقاله. وتحدث زملاء السيرجانت، العضو في وحدة «بلاك فوت» في اللواء الأول من فوج المشاة 501، عن أنه أخذ معه بوصلة وأعرب عن رغبته في السير من أفغانستان إلى الهند. وتم إرسال دوريات في محاولة للعثور عليه، لكن عدداً من الجنود الأميركيين لقوا حتفهم في تبادل لإطلاق النار مع حركة «طالبان».
لذا يعتبر بعض زملاء السيرجانت أن أفعاله تسببت في أسره وسقوط ضحايا بين زملائه، وربما يكون مذنباً بالفرار من الخدمة. وعلاوة على ذلك، تظهر تسجيلات فيديو نشرتها «طالبان» لـ«بيرغدال» بعد أسره وهو يدلي بتصريحات مناهضة للحرب والولايات المتحدة. أما وقد عاد إلى حجز أميركي فسيتم استجوابه بشكل كامل وسؤاله عن ظروف أسره.
وسيتم اتخاذ قرار بشأن ما إذا كان سيمثل أمام محكمة عسكرية أما لا.وقد بررت إدارة أوباما صفقة تبادل السجناء بأنها ضرورية بالنظر إلى وجود تقارير موثوقة بأن «بيرغدال» كان مريضاً بدرجة خطيرة، وكان من الضروري تأمين إطلاق سراحه حال وفاته في الأسر. لكن بعض أعضاء الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ الأميركي، ومن بينهم السيناتور جون ماكين العضو البارز عن ولاية أريزونا، وهو نفسه كان أسير حرب سابق، أثاروا احتجاجات قوية حول إطلاق سراح قيادات «طالبان» مقابل الجندي، وزعموا أنها مسألة وقت فقط قبل أن يعود أولئك القادة إلى محاربة الأميركيين في أفغانستان.
وإضافة إلى ذلك، سيشجع الحادث على اختطاف مزيد من الجنود الأميركيين كي تتسنى مقايضتهم بسجناء تابعين لـ«طالبان».وما يزيد من انتقاد أعضاء مجلس الشيوخ أن أوباما وافق على عملية التبادل من دون الرجوع إلى «الكونجرس»، لكن مسؤولا رفيعاً اعتذر عن ذلك في وقت لاحق.
ويأتي هذا الجدل بعد أقل من أسبوع على إدلاء أوباما بخطاب مهم بشأن سياسات الأمن القومي في أكاديمية «ويست بوينت» بمناسبة تخرج دفعة عام 2014، حيث تعرّض الخطاب لقراءات شديدة التباين، إذ اتهمه المنتقدون بإظهار ضعف أميركي، بينما زعم آخرون بأنه كان محقاً تماماً في وضع حدود لاستخدام قوة الولايات المتحدة العسكرية في وقت يشهد فيه العالم نهوض قوى كبرى أخرى خصوصاً الصين.وقد ساق أوباما مبررات قوية لسياسته الرامية إلى تقليص التوقعات باستخدام الولايات المتحدة قوتها العسكرية الفائقة في التدخل بهدف وقف الصراعات في أماكن أخرى من العالم مثل سوريا وأوكرانيا أو جمهورية أفريقيا الوسطى.
وتحدى كلا من الداعين إلى التدخل والمنادين بالواقعية، مطالباً إياهم بإعادة التفكير في افتراضاتهم الأساسية بشأن إدارة السياسات الخارجية والأمن القومي الأميركي. وقال أوباما في خطابه: «حقيقي تماماً أنه في القرن الحادي والعشرين لا يمكن أن تكون العزلة الأميركية خياراً مطروحاً»، مضيفاً: «لكن ذلك لا يعني أن لكل مشكلة حلاً عسكرياً».
وسلّط الضوء على الإنجازات الإيجابية التي حققتها إداراته مع التأكيد الراسخ على الحاجة إلى العمل عن كثب مع الحلفاء وبذل ما هو أفضل لتفادي الخسائر المستقبلية في صفوف المدنيين خلال عمليات مكافحة الإرهاب. ورد المنتقدون بالإشارة إلى أن تصريحاته غامضة وثمة غياب بشأن المنهج الواضح في استخدام القوة الأميركية.
وبالطبع، سيتم تقرير ميراث أوباما بشأن السياسة الخارجية والأمن القومي بناءً على كيفية تعامله مع القضايا المختلفة أثناء الأشهر المتبقية له في السلطة، وما إذا كان قادراً على تعزيز العلاقات مع الحلفاء الأميركيين من دون إثارة استفزازات غير ضرورية مع قوى منافسة كبرى مثل الصين وروسيا. كما أن نجاح أوباما في التفاوض بشأن الاتفاق النووي مع إيران سيقطع شوطاً طويلا في تعزيز سمعته.
لكن من المهم أيضاً بدرجة مساوية كيفية تعامله مع أي انهيار هذه المفاوضات، وتفادي النتائج الكارثية لأي مواجهة عسكرية مع دولة أخرى في الشرق الأوسط.
(عن صحيفة الاتحاد الإماراتية 6 حزيران/ يونيو 2014)