كتب عبد الله الشايجي: ستة أحداث مهمة شكلت المشهد الإقليمي في الأسبوع الماضي، أبرزها فوز الرئيس القادم بقوة ورجل المرحلة في مصر المشير عبدالفتاح السيسي، وهو الرئيس الرابع لمصر خلال فترة الأعوام الثلاثة ونصف العام الماضية الذي جرى حفل تنصيبه يوم أمس، وسط تحديات وآمال كبيرة. والحدث الثاني كان في انتخابات مهزلة أعادت بشار الأسد ليحكم سوريا بالحديد والنار والدم والتقسيم والتفتيت والبؤس.
والحدث الثالث زيارة صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد أمير دولة الكويت لإيران التي تعتبر الأولى، ويمثل الكويت والخليجيين والعرب.. وهي زيارة علق عليها كثيرون آمالاً، وتابعها كل من يهتم بالشأن والمشروع الإيراني.. ولكن زيارة اختبار نوايا إيران هذه نجحت في الشأن الثنائي، ولم تحقق أي تقدم في مجال العلاقات الإقليمية وهي الأهم لامتحان مقاربة إيران لقضايا المنطقة التي تسعى لفرض هيمنتها وسيطرتها عليها، فيما لا تزال طهران نفسها تصارع بين الثورة والدولة.
والحدث الرابع كان استمرار الضياع والفوضى والتشظي في ليبيا التي لم تعد دولة ويغيب عنها النظام.. ودلالة على الفوضى، يوجد اليوم ثلاثة رؤساء وزراء كل منهم يدّعي أنه هو رئيس الوزراء الشرعي! عبدالله الثني، وقبله علي زيدان الذي فر هارباً إلى مالطا، وأحمد معيتيق في طرابلس، وكل طرف يطعن في شرعية الآخر.. وحكمت المحكمة العليا في ليبيا بعدم شرعية انتخاب أحمد معيتيق.. فيما اللواء السابق خليفة حفتر يشن معركة الكرامة ليزيد الصراع من فوضى ودموية المشهد الليبي.
والحدث الخامس يتعلق بالعراق الذي يخطو نحو حرب أهلية، وحرب إلغاء خطيرة، باستهداف المناطق والمحافظات السنية في الفلوجة وسامراء والموصل، واستفزاز العشائر وقصف المناطق السكنية.. فيما لا يبشر تشكيل حكومة عراقية جديدة عقب الانتخابات برأب صدع التشرذم العراقي.
والحدث السادس فلسطيني حيث تشكلت أخيراً حكومة الوفاق الوطني بعد سبعة أعوام من الخلافات.. أو الحكومة السابعة عشرة بمشاركة «فتح» و«حماس» معاً، وسط تهديد ومقاطعة من إسرائيل، وتعهد أميركي بالعمل مع الحكومة الفلسطينية الجديدة. بينما الشعب الفلسطيني لا يعول الكثير عليها!
لكن يبقى الحدث الإقليمي الأهم هو الحدث المصري.. وقد حقق المشير عبدالفتاح السيسي الفوز الكاسح بنسبة 97% من الأصوات. وحصل على أكثر من 23 مليون صوت. وواضح أن مصر تشهد تحولاً سياسياً وهي بحاجة للكثير من الدعم والمساندة لتخطي المرحلة الانتقالية الصعبة، واستكمال فصول خريطة الطريق، وانتخاب مجلس الشعب.. ولكن الواقع أن الرئيس المنتخب السيسي هو رجل المرحلة في مصر والمنطقة. وموقف دول الخليج، وخاصة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت، واضح في دعمه ودعم مصر، والوقوف مع النظام الذي سيقوده الرئيس السيسي. وواضح أيضاً أن التحديات أمام السيسي كبيرة ومتشعبة. ويتعين أن تكون جهود دعم مصر ضمن خطة ودراسة تحفز النمو الاقتصادي، ومشاريع تنموية، وجذب الاستثمارات، وليس فقط عن طريق ضخ أموال والإنفاق الاستهلاكي. كما أن مصر بحاجة للتعامل مع الغرب، وخاصة أوروبا والولايات المتحدة، بما يتطابق مع بعدها الأمني، كما ذكر أوباما.. وتطبيق خريطة الطريق.
وفي الشأن السوري، شكلت الانتخابات السورية وترشح بشار الأسد والطريقة المستفزة التي فاز بها بحسب ما قيل بأغلبية 88% إهانة كبيرة للشعب السوري الذي تحول نصفه إلى مشرد ولاجئ وبائس.. وقد أشادت بالانتخابات روسيا وإيران وحلفاء الأسد، فيما وصفتها المعارضة السورية بالمهزلة. أما الولايات المتحدة فقد وصفتها بالعار وبأنها تساوي صفراً. وكذلك اعتبرها الاتحاد الأوروبي غير شرعية.. وفي المجمل فإن فوز الأسد بولاية ثالثة لن يحل شيئاً بل سيعمق ويفاقم الخلافات والانقسام في صفوف شعب وفي جمهورية لم تعد وطناً واحداً وجامعاً للسوريين.
والسؤال: كيف يمكن التجديد لرئيس قتل حوالي 200 ألف من شعبه، وجرح نصف مليون، في حرب دخلت عامها الرابع وحولت ثلاثة أرباع الشعب إلى لاجئين وفقراء، ويتّمت نصف مليون طفل؟ قد تكون هذه هي المرة الأولى التي «يفوز» فيها رئيس وضع أغلبية شعبه أسوأ وأصعب مما كان عليه الحال عند بداية حكمه قبل 14 عاماً... وتستمر معاناة وآلام سوريا، في غياب أي حسم عسكري على الأرض وعلى طاولة المفاوضات البائسة.. وهكذا تبقى سوريا تتألم وتنزف بلا حل.
وبالعودة إلى زيارة الدولة المهمة لصاحب السمو أمير دولة الكويت إلى إيران مطلع الأسبوع الماضي وهي ذات أبعاد كويتية وخليجية وعربية، لأنه أمير دولة الكويت، إضافة إلى أن الكويت ترأس الدورة الحالية للمجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي والقمة الخليجية، ودورة جامعة الدول العربية. وحظيت فيه زيارة الأمير لإيران باهتمام كبير من جميع الأطراف المعنية بالشأن الإيراني.. وقد انقسمت أجندة الزيارة إلى بعدين، بعد تمت فيه مناقشة القضايا الثنائية الكويتية - الإيرانية وتوقيع اتفاقيات تعاون في مجالات الأمن والاقتصاد والسياحة والرياضة والبيئة. بخلاف البعد الثاني المتعلق بالشأن الإقليمي الذي عول كثيرون فيه على تحقيق اختراقات، وخاصة في ملفات سوريا والعراق ولبنان والبحرين واليمن.. والأهم في تخفيف الاحتقان السني- الشيعي الذي بات يهدد بشكل غير مسبوق بتقسيم المنطقة على خطوط صدع مذهبي مقيت..
وكان واضحاً أن الإيرانيين ليسوا في وارد الانفتاح ومناقشة القضايا الإقليمية مع الطرف الخليجي أو العربي قبل حسم موضوعين: الأول إنهاء استحقاق انتخابات الرئاسة السورية. ومفاوضات النووي بين إيران ومجموعة (5+1). وواضح أيضاً أن إيران تلقي بكل قوتها ونفوذها مع حلفائها وأنصارها وعلى رأسهم «حزب الله» لإنقاذ الأسد من الورطة التي يجمع الكثير من الباحثين على أنه لم يكن يستمر معها لولا الدعم الروسي والإيراني و«حزب الله»، وهم الحلفاء الذين ناشدهم من بيروت بشكل مفاجئ وزير الخارجية الأميركي جون كيري، باستخدام دورهم ونفوذهم لوقف الحرب في سوريا.. ما دفع «حزب الله» حليف إيران للزعم بأن أميركا تعترف بدوره ونفوذه الذي وضعه كيري في جملة واحدة مع روسيا.. فإذا بمسؤول أميركي يسكب ماءً بارداً على ذلك الانتصار المعنوي لـ«حزب الله» الذي بالغ ونفخ في الأمر.. ليؤكد أن الموقف الأميركي من «حزب الله» لم يتغير، ولا زال يصنف الجناح السياسي والعسكري منه على أنه منظمة إرهابية، مؤكداً أنه يجب عليه سحب قواته من سوريا.. ولذلك لا يوجد اختراق إقليمياً في زيارة أمير دولة الكويت لإيران. لأن الوقت لم يحن بعد من وجهة نظر طهران.
والراهن أن أحداث ومحطات الأسبوع الماضي تشكل مخاضاً مستمراً بتحولات ودلالات متسارعة قد تؤسس لواقع جديد في إقليمنا الذي يعيش على وقع الاضطراب والتصعيد والمواجهات المفتوحة على كل الاحتمالات. وأبرزها أحوال عدم الاستقرار والاحتقانات التي مهدت لها الانتفاضات الشعبية في جمهوريات «الربيع العربي» حيث فشلت في تحقيق الآمال والطموحات العريضة. بل نجح جيران العرب، وخاصة إسرائيل وإيران، في الاستفادة مما بات يُعرف بـ«الخريف العربي» فهل نأمل في خلاص يوحّد ويجمع شتات العرب؟! هذا هو سؤال المرحلة.. سؤال الأسئلة.
(الاتحاد الإماراتية)