في سابقة سياسية مغربية منذ اعتلاء محمد السادس عرش
المغرب في 1999، هدد حزبا
الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المعارضين، بمقاطعة
الانتخابات البلدية المقبلة، بسبب انفراد الحكومة بتدبير الانتخابات، وقيام
وزارة الداخلية بتوجيع "الأعيان" إلى الالتحاق ببعض الجهات، في إشارة إلى حزب الأصالة والمعاصرة.
واتهمت مذكرة حزبي الاستقلال الذي يقوده أمينه العام حميد شباط، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي يقوده إدريش لشكر (الكاتب الأول للحزب)، وزير الداخلية بـ"التطاول على البرلمان"، معتبرين "أن تصريحه في البرلمان حول التعديلات التي ستعرفها القوانين الانتخابية، يشكل تطاولا مرفوضا على السلطة التشريعية صاحبة الاختصاص الأصيل في التشريع، ذلك أن الخط الأحمر الوحيد الذي يتصل بالانتخابات هو نزاهتها وحياد الإدارة".
ورفض الحزبان، في مذكرة مشتركة أصدراها الثلاثاء، متسائلين عن "الجدوى من أي مشاورات ومن أي نقاش برلماني حول القوانين الانتخابية إذا كانت ثمة خطوط حمراء لدى الحكومة؟ وإذا استمر تدخل الإدارة الترابية في المنتخبين؟".
وطالب الحزبان، في مذكرة حصلت "عربي 21" على نسخة منها، بـ"إحداث لجنة وطنية مستقلة للإشراف على الانتخابات مطلبا يهم المستقبل ولا ينتمي إلى الماضي"، باعتبارها "لجنة يتعين أن تحتضن نقاشا وطنيا حول كل ما يرتبط بالانتخابات المقبلة".
وسجلت المذكرة أن حزبا
الاتحاد الاشتراكي والاستقلال جربا سلاح مقاطعة التزوير والإفساد الانتخابي في مواجهة السلطوية طيلة عقود طويلة من تاريخ كفاح الشعب المغربي، فإنهما اليوم، مستعدان لتحمل المسؤولية الوطنية، والدعوة إلى مقاطعة الانتخابات إذا ما تزايدت الأدلة على أن البلاد ذاهبة إلى انتخابات متحكم فيها وفي نتائجها.
وشددت المذكرة على أن "الواجب الأخلاقي والسياسي على الحكومة أن تعلن عن فتح المشاورات السياسية مع جميع الأحزاب السياسية، وحيث أنها اختارت التعاطي الأحادي معها، فإننا نعتبر ذلك محاولة مكشوفة للمس بنزاهتها والتحكم في نتائجها".
واتهمت المذكرة، وزارة الداخلية من خلال ما وصفته بـ"تحركات بعض الأطراف في الإدارة الترابية للضغط على مجموعة من المنتخبين وتوجيههم في اتجاه بعض الأحزاب"، في إشارة إلى حزب الأصالة والمعاصرة.
وقال عبد الحميد جماهري، عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، "إن المذكرة تعكس رغبة المغاربة في انتخابات المغرب من الانتظارية، تريد الانتقال بمؤسسات المغرب إلى دستور 2011".
وتابع جماهري في تصريح لـ"عربي21": "نحن في سنة انتخابية والحكومة عوض أن تفتح ورش الانتخابات، فضلت العمل بشكل انفرادي، في وقت كنا نأمل أن نعيش فيه أجواء المشاورات السياسية كما حصل في انتخابات 2011".
وحول استجابة حزب الاتحاد الاشتراكي لدعوة رئيس الحكومة لبدء المشاورات السياسية، أوضح جماهري "أن الحكومة لم توجه إلى الآن أية دعوة للأحزاب من أجل فتح باب المشاورات، والأهم هو جدول أعمال هذه المشاورات، وليس فقط الاجتماع من أجل أخذ الصور".
وحمل جماهري رئيس الحكومة مسؤولية ما تقوم به الإدارة الترابية، أي وزارة الداخلية، "من خلال الضغط على بعض المنتخبين من أجل الانتقال إلى أحزاب بعينها"، مشددا على أن "رئيس الحكومة في الدستور هو رئيس الإدارة الترابية، وبالتالي فهو مسؤول عن ممارساتها".
إلى ذلك قالت المذكرة، إن أي "قراءة وطنية موضوعية، لتعامل الحكومة مع ملف الانتخابات، يجد تضاربا في تصريحات ورؤى أطراف حكومية حول الانتخابات المقبلة، لا يعدو أن يكون توزيعا مرفوضا للأدوار، لن يحجب حقيقة سياسية دستورية مؤداها مسؤولية رئيس الحكومة عن ملف الانتخابات".
وسجلت الوثيقة، أن منع "الترحال السياسي" كان أحد المكتسبات الدستورية الهامة التي أقرها دستور فاتح تموز/ يوليو 2011، والتي ترجمت مطالب التخليق السياسي وتقوية الأحزاب السياسية، بيد أن بعض الأطراف تسعى إلى إفراغ تلك المقتضيات الدستورية من محتواها عبر "عملية توجيه وتحكم مسبق" في العديد من المنتخبين والمستشارين الجماعيين".
وتابعت الوثيقة بأن "التحكم في الانتخابات والتأثير عليها لا يمكننا إلا أن نقابله بالإدانة والاستنكار وتنبيه من يهمهم استقرار البلاد، إلا أن أي شكل من أشكال التحكم ستكون نتائجه كارثية على الاستقرار السياسي في بلادنا".
وأضافت أن "العملية الانتخابية ليست إجراءات تقنية، بل إنها عملية سياسية ولحظة بارزة لتطوير المسار الديمقراطي، لا يمكن أن يتم التعامل مع المنظومة القانونية الانتخابية بمنطق الخطوط الحمراء، لأن جميع القوانين والمراسيم التنظيمية ذات الصلة بالانتخابات المقبلة يجب أن تكون موضوع نقاش وتشاور حقيقي وليس صوريا، وموضوع تعديلات جوهرية وليس روتوشات تجميلية".