دخلت المنطقة العربية والإسلامية مؤخرا في وضع خطير وقلق، ولا سيما بعد التطورات الأخيرة في العراق و"الانتصارات" التي حققها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام (داعش) وانتقال المعركة إلى الحدود الأردنية والسعودية.
وتتخوف مصادر إسلامية قيادية في بيروت "من أن تتحول هذه المعارك إلى
حرب مذهبية مفتوحة تشبه حرب "داحس والغبراء" في الجاهلية أو الحروب الدينية في أوروبا في القرون الوسطى وصولا إلى بدايات القرن التاسع عشر".
وبسبب هذه المخاوف بدأت بعض القيادات الإسلامية في لبنان والعالمين العربي والإسلامي إطلاق سلسلة مبادرات وإجراء اتصالات على مستوى عال ومع مختلف القيادات والمرجعيات الدينية للعمل للجم الحرب المتسارعة ولإبعاد الجانب المذهبي عن الصراع وحصرها في الإطار السياسي، تمهيدا لمعالجته جذريا والتوافق على خطة متكاملة للمعالجة باشراك دول عربية وإسلامية.
وفي إطار المبادرات العملية للمعالجة سجلت عدة خطوات هامة في الأيام القليلة الماضية ومنها:
أولا البيان الصادر عن رئاسة الشؤون الدينية في تركيا حول العراق والذي تضمن نقدا غير مباشر لكل من تنظيم داعش وللقيادات السياسية والدينية في العراق وقد تضمن البيان الإشارة إلى مبادرة تركية لعقد لقاء لعلماء سنة وشيعة في تركيا لمعالجة الأزمة القائمة اليوم، وقد بدأ المسؤولون الأتراك الاتصال بالقيادات الإسلامية لعقد اللقاء بأسرع وقت ممكن لأن الأوضاع خطيرة جدا حسبما قال هؤلاء المسؤولون.
ثانيا: المبادرة التي أطلقها رئيس ملتقى الأديان والثقافات للتنمية والحوار في لبنان العلامة السيد علي فضل الله من خلال إعلان وثيقة لرفض العنف ولدعم السلم الأهلي والحوار وقد شارك في إطلاق الوثيقة مئات الشخصيات وممثلي مؤسسات المجتمع المدني في لبنان والعالم العربي والإسلامي، وتهدف الوثيقة لإطلاق"لوبي ضاغط" لوقف الصراع والبحث عن حلول للأزمات وإجراء مراجعات شاملة عربية وإسلامية، كما بدأ السيد فضل الله وعدد من الشخصيات الناشطة في الملتقى بالقيام بزيارات لهيئات وشخصيات إسلامية في لبنان والعالم العربي والتواصل مع شخصيات إسلامية ومسيحية وعلمانية لدراسة كيفية التحرك الميداني.
ثالثا : قيام شخصيات دينية وسياسية عراقية وبعض الأوساط القريبة من المرجعية الدينية في العراق ولا سيما من المرجع السيد علي السيستاني بتوضيح فتوى إعلان الجهاد الكفائي والتي لا تستهدف قتال المسلمين السنة أو للدفاع عن المقدسات الشيعية (كما فسرها البعض) بل تهدف للدفاع عن العراق وعن شعبه وعن الموصل قبل سامراء، واعتبرت هذه الأوساط أنه حصل التباس في فهم موقف المرجعية كما أن بعض الجهات السياسية استغلته لتحقيق أهداف حزبية أو سلطوية، وتأمل هذه الأوساط أن يتم تصحيح الصورة وأن تعالج الأزمة العراقية من خلال تشكيل حكومة وطنية يشارك فيها الجميع.
رابعا: حصول اتصالات ولقاءات بين قيادات حزبية إسلامية متنوعة وقيادات عراقية وإيرانية في أكثر من عاصمة إسلامية وأوروبية حيث جرى التدوال في الأوضاع في المنطقة والبحث عن حلول للأزمة القائمة.
إذن هناك جهود متعددة لمعالجة الأزمة ومنع الصراع من التحول إلى حرب مذهبية خطيرة ، وقد تكون
المبادرة التركية هي المبادرة الأقوى حاليا والتي يمكن أن تحقق نتائج عملية نظرا لدور تركيا المهم في العالمين العربي والإسلامي ، إضافة إلى موقعها الجغرافي المجاور لسوريا والعراق ولحدود "دولة تنظيم داعش"، وقد أبدت بعض القيادات الإسلامية استعداداها للتجاوب مع هذه المبادرة الإنقاذية في حال تم تطبيقها سريعا.
فهل ستنجح تركيا وبالتعاون مع القيادات الإسلامية ولا سيما المرجعيات الدينية الأساسية كالازهر الشريف ومرجعية النجف والقيادتين الإيرانية والسعودية إضافة لقيادات أخرى فاعلة في العمل لإنقاذ العالم العربي والإسلامي من حرب"
داحس وغبراء" جديدة أم أن منطق العنف والتطرف والتشدد سيتغلب على منطق الحوار والمصالحة والاعتدال؟