لم يمر على
المصريين شهر
رمضان أقسى من هذا العام، إذ تعاني البلاد من تدهور غير مسبوق في كل المجالات تقريبا، قبل أيام من الذكرى الأولى للانقلاب الذي أطاح بالدكتور محمد مرسي أول رئيس منتخب في تاريخ مصر.
وتعددت الأسباب التي تنغص حياة المصريين في هذا الشهر الفضيل، بين
أزمات اقتصادية وتوترات سياسية وأعمال عنف وخلافات اجتماعية، وحتى درجة حراراة الجو التي ارتفعت لمستويات قياسية.
الإفطار والسحور في الظلام
وتشهد البلاد انقطاعات متكررة للتيار الكهربائي طوال اليوم، زادت من الغضب الشعبي في جميع المحافظات، بعدما اضطر ملايين المصريين لتناول وجبتي الإفطار والسحور في الظلام.
وتراوحت مدة انقطاع التيار في عدد من المحافظات بين 10 ساعات و16 ساعة، أدت إلى حدوث تجمعات للمواطنين أمام شركات توزيع الكهرباء للاحتجاج على الانقطاع المتكرر في التيار وعدم العدالة في توزيع فترات الانقطاع.
وأصبح شائعا أن تسمع فور انقطاع التيار الكهربائي صيحات الاستياء بين المواطنين، والسب للحكومة ولقائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي.
ويقول تامر عبد الله وهو يجلس على أحد مقاهي الجيزة، إن انقطاع الكهرباء المتكرر أصبح شيئا لا يطاق، مشيرا إلى أن الكهرباء انقطعت قبل الإفطار مرتين كما أنها انقطعت عقب أذان المغرب بعشر دقائق فقط، ما منعهم من استكمال تناول طعام الإفطار، ونزل إلى الشارع ليجلس على أحد المقاهي.
وكان انقطاع الكهرباء من أهم النقاط التي استخدمها الإعلام المصري في الترويج للإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي وسط اتهامات له بالفشل في إدارة الدولة.
كما أنه اشتكى بدر البدراوي - وهو مالك ورشة لأعمال الألومنيوم - من
انقطاعات الكهرباء وقال إنها أضرت بأعماله بدرجة كبيرة، حتى إن إنتاج الورشة انخفض إلى أقل من نصف ما كان في السابق.
جنون الأسعار
أما ثاني العوامل التي تمنع المصريين من الفرح بدخول شهر رمضان، فهو الغلاء الشديد الذي أصاب كل السلع والخدمات دون استثناء ووصل إلى نسب قياسية.
وقال تقرير لاتحاد الغرف التجارية - حصل "عربي 21" على نسخة منه- إن أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية ارتفعت خلال شهر حزيرا/ يونيو الجاري بنسبة 30%، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وأرجع التقرير تلك الزيادة الكبيرة في الأسعار إلى تراجع الجنيه أمام الدولار الأمريكي وزيادة معدلات التضخم.
وازدادت معاناة المصريين في الفترة الأخيرة، بعد إعلان حكومة إبراهيم محلب عن رفع أسعار الوقود والكهرباء والغاز، سعيا لتقليص عجز الموازنة العامة للدولة، وهو ما سيضيف أعباء جديدة على كاهل المواطنين.
وأدى إعلان الحكومة لرفع أسعار البنزين والسولار، والنقص الكبير في الإمدادات، إلى تشكل طوابير طويلة ومشاجرات أمام محطات الوقود.
ورصد "عربي21" اضطرار عدد كبير من أصحاب السيارات إلى تناول طعام الإفطار داخل الطوابير أمام محطات الوقود انتظارا لدورهم.
وكنتيجة تلقائية لرفع أسعار البنزين، فقد رفع أصحاب سيارات الأجرة من تعريفة الركوب بما يعادل الضعف تقريبا، كما أنها ازدادت أسعار كل السلع بسبب ارتفاع تكلفة نقلها، وهو ما زاد من الأعباء الاقتصادية على المصريين البسطاء.
انقسام مجتمعي حاد
وفضلا عن الأسباب الاقتصادية، فإن مصر تعاني من شروخ حقيقية وعميقة، ضربت بعنف نسيج المجتمع، حتى أصبح أعضاء العائلة الواحدة والأقارب والجيران متنافرون بسبب المواقف السياسية، وانقسم المصريين بين معارض للانقلاب ومؤيد له.
وأدى هذا الانقسام إلى غياب مظاهر التزاور والاجتماعات العائلية الرمضانية التقليدية التي طالما تميز بها المجتمع المصري في هذا الشهر الفضيل لعقود طويلة.
غلق المساجد ومنع التراويح
ولم تكن المساجد أحسن حالا، حيث تعرضت في شهر رمضان لحملة غير مسبوقة في مصر من الغلق ومنع إقامة صلاة التراويح بها.
وأعلنت وزارة الأوقاف عن غلق عدد من أكبر مساجد مصر، خاصة تلك التي تقع في ميادين حيوية مثل مسجد الفتح في ميدان رمسيس ومسجد رابعة العدوية ومسجد الحصري في 6 أكتوبر، خوفا من انطلاق تظاهرات من داخلها.
ومنعت الحكومة إقامة الشعائر في مئات المساجد بحجة عدم وجود أئمة أزهريين بما يكفي.
وطال الغلق مساجد تابعة للدعوة السلفية - التي يؤيد قادتها الانقلاب – في عدد من المدن ومنع أئمتهم من إقامة الشعائر بها، ومن بينهم ياسر برهامي ويونس مخيون.
اختفاء موائد الرحمن
ويأتي رمضان هذا العام وسط نقص لا تخطئه العين في أعداد موائد الرحمن التي كان لا يخلو منها شارع في مصر بسبب ارتفاع تكلفتها.
وشهدت المساعدات المالية والإعانات العينية من الأغذية - والتي تعرف في مصر باسم "شنطة رمضان" – شحا واضحا، حيث كان الإسلاميون وفي مقدمتهم الإخوان المسلمون هم من يقومون بتوزيعها على ملايين الفقراء في مصر، لكن الحملة الأمنية الشرسة التي يتعرضون لها منذ الانقلاب حالت دون مواصلة دورهم الاجتماعي الذي بدأوه منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي.
وأدى إغلاق الحكومة لما يزيد على ألف جمعية خيرية - بدعوى دعمها للإخوان - إلى توقف المساعدات التي كانت تقدمها للمحتاجين في شهر رمضان.
ويقول الحاج محمد فاروق، إن عددا قليلا من الناس هذا العام أصبحوا يوزعون المساعدات بشكل سري وبكميات أقبل بكثير عن ذي قبل، وإن الغالبية العظمى أحجمت عن توزيع الصدقات والمعونات خوفا من الملاحقة الأمنية والاشتباه في أنهم من الإخوان المسلمين.
حر ومظاهرات وتفجيرات
ويدخل رمضان هذا العام وسط تواصل التوتر السياسي الذي يلقي بظلاله على البلاد، فالمسيرات الرافضة للانقلاب العسكري لم تتوقف، وأعلن تحالف دعم الشعية أن الحرك الثوري سيزداد في رمضان ولن يهدأ.
ويواكب هذه الاحتجاجات تواصل
التفجيرات واستهداف جنود الجيش، حيث شهدت مدينة 6 أكتوبر يوم السبت انفجار قنبلتين أسفرتا عن مصرع شخصين وإصابة آخر، كما أن مسلحين مجهولين قاموا - في نفس اليوم – بقتل أربعة من جنود الجيش في سيناء.
ويوم الأربعاء استهدفت ستة تفجيرات محطات مترو الأنفاق ومحكمة في القاهرة، ما أدى إلى وقوع عدة جرحى.
وختاما، أعلن معهد البحوث الفلكية والجيوفيزيقية بمصر، أن شهر رمضان الحالي سيكون الأكثر حرا في البلاد منذ 33 عاما، لتكتمل بذلك معاناة المصريين.