ينتهج تنظيم "الدولة الإسلامية" (
داعش) سياسة
التهجير من المنازل كعقوبة جماعية على مقاومته، حيث قام بتهجير عشرات الآلاف من سكان ريف
دير الزور الشرقي، وخاصة بلدة
الشحيل، كعقاب لهم على وقوفهم إلى جانب المجموعات التي قاتلت التنظيم، كما أن بلدات أخرى تفاوض التنظيم حاليا تواجه نفس المصير.
وكان التنظيم قد سيطر على الريف الشرقي لدير الزور، المحاذي للحدود العراقية، يوم الخميس الماضي دون قتال، وذلك بعد يومين من السيطرة على مدينة البوكمال الحدودية. وقامت المجموعات المقاتلة والأهالي في هذه المناطق بمبايعة التنظيم لمنع تعرضهم للهجوم، بعدما استجلب داعش أسلحة ومعدات استولى عليها من الجيش العراقي. وبموجب ذلك، وافق السكان على مبايعة التنظيم والتهجير من ديارهم لمدة أسبوع.
لكن "أمير" داعش في دير الزور، التي بات يسميها التنظيم "ولاية الخير"، عاد وفرض الجمعة التهجير على أهالي الشحيل البالغ عددهم أكثر من 30 ألف نسمة؛ لمدة ثلاثة أشهر بسبب دعمهم جبهة النصرة التي ينتمي عدد من قادتها ومقاتليها للمنطقة.
وكانت جبهة النصرة قد طردت داعش وأميرها في دير الزور عامر الرفدان من البلدة قبل نحو ستة أشهر.
وسبق أن هجّر التنظيم نحو 30 ألفا آخرين من بلدتي خشام وطابية جزيرة في دير الزور الشرقي في حزيران/ يونيو الماضي، كأحد "شروط التوبة" بعدما تصدت البلدتان لعناصر التنظيم وقامت بقتالهم.
وقال مدير حملة "الشحيل تستغيث" الناشط الإعلامي طلال الخلف إن تهجير السكان هو "عقاب لأهالي المدينة التي تعتبر معقل جبهة النصرة في ريف دير الزور، ولشراسة أهلها في الدفاع عن مدينتهم".
واعتبر الخلف في حديث لـ"عربي21" أن لجوء أهالي الشحيل لعقد "صلح" مع داعش وإعلان "البيعة" له؛ جاء "حقنا لدماء الاطفال والنساء والشيوخ، ولتجنيب بلدتهم الابادة" وبعد تهديد داعش بـ"سبي النساء وقتل الأطفال".
وكان من بين الشروط التي وضعها داعش أن "يبقى سلاح فصائل الجيش الحر مقابل بيعتهم لداعش، ولكن سرعان ما غدر داعش بالاهالي فقام بمصادرة الاسلحة حتى سلاح المدنيين، وفرض التهجير الإجباري على أهالي المدينة". كما قام التنظيم بتفجير بعض البيوت في المدينة، بحسب الخلف.
وقال الخلف، وهو أيضا رئيس الهيئة الإعلامية لحركة ثوار دير الزور: "الآن أهالي الشحيل البالغ عددهم 30 الف نسمة أطفالا وشيوخا ونساء في حالة إنسانية صعبه جدا بسبب تهجيرهم في الصحراء والطرقات والمدارس، خصوصا في هذا الجو الحار والناس في شهر رمضان صائمون".
وأشار الخلف في حديثه لـ"عربي21"؛ إلى "وفاة أمرأة بسبب العطش والحر .. وعدد كبير من حالات الإغماء لنفس الأسباب".
ويظهر تسجيل فيديو رجالا بينهم وسطاء وأعيان تولوا التفاوض على ما يبدو مع تنظيم "الدولة الاسلامية" يقومون بتبليغ الأهالي بـ"شروط داعش" على أهالي الشحيل.
ومن هذه الشروط، بحسب التسجيل، تسليم كل السلاح الموجود في البلدة "من البارودة فما فوق"، بشرط تسجيل المسدسات الموجودة، ثم "خروج الأهالي لمدة سبعة إلى عشرة أيام" من البلدة، "حتى يشعروا (التنظيم) بالأمان"، فتتم عودة الاهالي. لكن داعش فرض لاحقا التهجير لثلاثة أشهر.
وشكك ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي بنوايا تنظيم "الدولة الاسلامية" وبإمكانية العودة، متهمين عناصر داعش بأنهم يريدون احتلال منازل البلدة ونهبها.
وأنشئت صفحة على الفيسبوك باسم "الشحيل تستغيث". وكتبت الصفحة: "كلاب داعش من شدة خوفهم من الشحيل، اشترطوا ان يتم تهجير كل من في الشحيل الى خارج المدينة لكي يستطيعوا ان يدخلوها. ومن شدة خوفهم ايضا وجبنهم دخلوا في مدرعات ودبابات ولم يدخلوا في سيارات عادية".
وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن البلدة فرغت من سكانها الذين "لجأوا إلى قرى وبلدات مجاورة (...) وبعضهم لا يزال يفترش العراء وسط ظروف غير إنسانية، ويعانون من ارتفاع درجات الحرارة ونقص في الأغذية والمياه".
وأشار الى مفاوضات قائمة بين داعش وعشيرة الشعيطات التي تتوزع في قرى وبلدات غرانيج وأبو حمام والكشكية في ريف دير الزور ويصل تعداد سكان هذه القرى إلى نحو 83 ألف نسمة، "بسبب محاولة الدولة الإسلامية فرض بند التهجير على أهالي هذه القرى" أيضا.
وكان مقاتلو عشيرة الشعيطات قد قاموا بطرد مقاتلي داعش من مناطقهم في أيار/ مايو الماضي، وسيطروا على مقرات التنظيم.
ودعت حملة "الشحيل تستغيث" إلى إعلان المدينة "مدينة منكوبة بالكامل"، وحملت "المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان والمنظمات الإغاثية والدولية ووسائل وقنوات الإعلام والائتلاف والأركان وجميع المعنيين بالثورة
السورية؛كامل المسؤلية عن تدمير هذه المدينة التي قدمت وضحت بالكثير من أبنائها في الثورة السورية. والآن داعش ينفرد بتدمير ومعاقبة هذه المدينة التي قدمت الكثير للثورة السورية".
وقبل إعلان "دولة الخلافة"، كان تنظيم "الدولة الاسلامية" يطلق على نفسه اسم "الدولة الاسلامية في العراق والشام".
وفي نيسان/ ابريل 2013، أعلن زعيمه أبو بكر البغدادي (إبراهيم أبو عواد) اندماج تنظيم "الدولة الاسلامية في العراق" وجبهة النصرة التي كانت تقاتل في سورية منذ العام 2012؛ في تنظيم واحد يحمل اسم "الدولة الاسلامية في العراق والشام". لكن جبهة النصرة رفضت الانضمام الى التنظيم الجديد.
وفي كانون الثاني/ يناير 2014، اندلعت معارك دامية بين التنظيمين، وآزرت كتائب المعارضة السورية المسلحة جبهة النصرة، وتسببت المعارك المستمرة حتى اليوم في مناطق عدة بمقتل آلاف الأشخاص.