أصبح
التوتر صفة ملازمة للعلاقات
المغربية الجزائرية، فما تكاد أزمة
العلاقات بين البلدين الجارين تهدأ حتى عاود من جديد، وعادة ما يكون النزاع حول
الصحراء المغربية السبب الرئيس في تكدر سماء العلاقات بين الرباط والجزائر.
وفيما يعتبر المغرب الجزائر خصما رئيسيا في الملف، وأن جبهة البوليساريو لا تعدو مجرد أداة بيد النظام الجزائري، تدافع الجزائر عن حيادها في هذا الصراع، وتؤكد دفاعها عن أقلية ترفع السلاح في وجه المغرب، وتريد تقرير مصيرها.
عودة التوتر هذه المرة تأكد بمقاطعة السفير الجزائري المعتمد بالرباط للقاء دعت له الخارجية المغربية، وضم مختلف السفراء العرب، لمناقشة تطورات العدوان على قطاع غزة نهاية الأسبوع الماضي، وهو ما عدّه أكثر من محلل مؤشر قوي على عودة التوتر في العلاقة بين المغرب وجارته الشرقية.
وقبل هذه الخطوة الجزائرية، هاجم وزير الشؤون الخارجية والتعاون المغربي صلاح الدين مزوار الجزائر الأسبوع الماضي على خلفية "مواقفها العدائية تجاه قضية الصحراء، واصفا خطابها بالبئيس وخطابها بالفاقد للمصداقية".
وقال مزوار، خلال الاجتماع المشترك بين لجنتي الخارجية بمجلس النواب والمستشارين، والذي خصص لمناقشة آخر مستجدات قضية الوحدة الترابية، إن "الجزائر ليس لها مصداقية في خطابها، خصوصا في مجال حقوق الانسان"، مشيرا إلى أن "الكل يعرف ما يجري داخل هذا البلد من خروقات حقوقية".
تصريحات مزوار لم تمر عليها أزيد من 48 ساعة، حتى أتى الرد سريعا من المتحدث باسم الخارجية الجزائرية، والذي وصف تصريحات المسؤول المغربي بالـ "المشينة" و"الانزلاق"، معتبرا تصريحات مزوار "غير مسؤولة، وتندرج في سياق ممارسات معروفة للهروب إلى الأمام".
إعلان الاتحاد الإفريقي مؤخرا تعيين الرئيس الموزمبيقي الأسبق جواكين شيسانو مبعوثا خاصا له بالصحراء باقتراح من الجزائر، كان النقطة التي اشتط لها المغرب غضبا معتبر ذلك تطاولا على سيادته فوق أراضيه، مؤكدا استغلال الجزائر لانسحاب المغرب من الاتحاد منذ 1984 كلما بدت فرصة ما لذلك.
ومما يؤكد استيعاب الجزائر لسبب غضب المغرب، أشار الناطق باسم وزارة الخارجية الجزائرية بن علي شريف في تصريحه الأخير أن الواقع "يفند تلك التصريحات؛ لأنها مستمدة من نشاطات ومواقف سياسية صادرة عن كيانات وفاعلين غير الجزائر -يقصد الاتحاد الأفريقي- كما أن هذه التصريحات المشينة تشكل انزلاقا، وتنم عن حساسية مفرطة لا تليق بالعلاقات التي تربط بين بلدينا الشقيقين والجارين".
وعن التوتر الذي يطبع علاقة البلدين، اعتبر الخبير في الشؤون المغاربية، خالد الشيات، في حديث لـ"عربي21" أن العلاقة بين البلدين أكثر تعقيدا من أن تعبر عليها كلمات عدم الاحترام الدبلوماسي، وأن سوء الفهم الكبير بين البلدين له جذور تاريخية وأبعاد نفسية واستراتيجية.
وقال الشيات وهو أستاذ للعلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة شرق المغرب، إن "أصل المشكلة تكمن في المقاربتين المختلفتين للدولتين تجاه القارة الإفريقية، فبينما المغرب يعتبر موضوع سيادته على ترابه وحدوده الجغرافية والسياسية أمرا محسوما منذ الاستقلال وإخراج المستعمر الأوروبي منها، تتحدث الجزائر عن منطق القانون الدولي الجديد وتقرير مصير، وهو خطاب يخفي تشبثها بمنطق استراتيجي تقليدي يقوم على ضرورة وجود زعيم واحد بالمنطقة، وأن الجزائر لا تتصور وجود أكثر من زعامة بالمنطقة أو حتى التعامل بمنطق تشاركي تنموي، والسبب يرجع أساسا لتحكم العقلية العسكرية".
وقلل مؤلف عدة كتب في موضوع الصحراء المغربية، من حجم تصريحات وزير الخارجية المغربي، مؤكدا بحث الجزائر المستمر عن الحرب الإعلامية "لبروبكاندا" لأنها أحد عناصر قوتها.
وأضاف: "الحرب الكلامية طبيعية بينهم، وهي جديدة بالنسبة للمغرب فقط، أما الجزائر فذاك نهجها منذ زمن".
وقال الخبير بملف الصحراء إن إحدى مدخلات تجاوز التوتر بين الجارتين يمر بداية عبر توقف الجزائر عن الإهانات اليومية للمغرب عن طريق الإعلام، مؤكدا أن التوتر بين البلدين لا يتوقف، "غير أنه يتأرحج بين المد والجزر من التراشق الكلامي والإعلامي حتى سحب السفراء أو خوض الحرب"، كما حدث سنة 1963 بين البلدين في ما عرف بحرب الصحراء، مشيرا إلى أن إغلاق الحدود البرية بين الجارتين سنة 1994 بمبادرة من الجزائر، يعد إحدى مظاهر التوتر وأبرزها شذوذا في العالم.
وكان أخر توتر شهدته العلاقة بين المغرب والجزائر تعود لشهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، حيث قامت الرباط باستدعاء سفيرها لدى الجزائر للتشاور بعد الرسالة التي وجهها الرئيس الجزائري لاجتماع بأبوجا، والتي قال المغرب في بيان رسمي له أنذاك إن الرسالة "اكتست طابعا عدائيا للمغرب، وتعكس الرغبة المقصودة في التصعيد، والمسعى الرامي إلى العرقلة والإبقاء على وضعية الجمود في ملف الصحراء المغربية".