كتب بسام بدارين: يقف الجنرال الرئيس
المصري عبد الفتاح السيسي بكامل هيبته وهيئته المدنية مع نظارة سوداء وهو يخاطب أهالي قتلى الجيش المصري في حادثة وادي القرارة قائلا.. "يا ريتني كنت معاهم".
يرد الأهالي كما ظهر على شاشة التلفزيون المصري.. "لا يا سيادة الرئيس.. كلنا فداك".
شعور وطني جميل يمكن البناء عليه في الإشارة لحديث ودي بين الرئيس والمواطنين بعد حادثة مؤلمة، خصوصا وان الجيش المصري يمثل مؤسسة وطنية محترمة ومقدرة حاول بعض الهواة الإساءة إليها والمتاجرة بها عبر زجها بالسياسة.
عموما أهل القاهرة أدرى بشعابها بكل الأحوال، لكن على جبهات تلفزيونية أخرى ومن باب «النفاق» فقط للرئيس تم قبل وخلال وأثناء الحرب القذرة التي يشنها الجيش الصهيوني على الشعب الفلسطيني الإسترسال في مشهد «التشويه» الذاتي لصورة مصر ورئيسها وبدون مبرر وبلا كلف عبر سلسلة من الحماقات التي إرتكبت على الهواء مباشرة لا يمكن تصنيفها إلا في سياق الجهد المنظم من طابور خامس من الواضح لي كمواطن عربي أنه يستهدف مصر قبل السيسي نفسه وتجربته ومشروعه الذي قلنا فلنمنحه فرصة مباشرة بعد خطاب حفل التنصيب الشهير.
خطاب التنصيب كان مليئا بالمفردات والجمل التكتيكية التي كادت تقنعنا بأن مصر تعود للغتها التي تعلمنا منها جميعا.. السلوكيات على الأرض وفي الواقع كانت في إتجاهات معاكسة تماما تؤشر بوضوح على ان مصر العملاقة الكبيرة مصرة عبر نفر منها يحكم الإيقاع الإعلامي على طريقة النوادي الليلية على تشويه كل المعاني الجليلة والقيم التي تختزن ذاكرتنا عن الشقيقة الكبرى.
الحرب الإسرائيلية على الأهل في قطاع غزة كشفت عن معدن «الخلايا النائمة» في حضن الجنرال السيسي التي تنطبق عليها قاعدة» مع أصدقاء من هذا النوع ..الحاجة غير ملحة لأعداء « وهي خلايا من الواضح أنها تستحكم وتتسرب في كل مفاصل ماكينة الإعلام المصرية لتضع العراقيل ليس في مسيرة وطريق الحاقدين على مصر السيسي أمثالنا كما يدعي بعض الموتورين ولكن في طريق تجربة السيسي ومشروعه.
الأمثلة متعددة وتكاثرت على «
هوانم الفضائيات المصرية» اللواتي خلعن ثوب المهنية والمسؤولية الوطنية والاخلاقية وهن يعلقن عبر سلسلة برامج محشوة بلغو الكلام وأشبه بحبات «كوسا محشية» بلا طعم ولا لون او رائحة.
.. إحداهن تدير برنامجا للتواصل الإجتماعي والفني مع السهارى المحبطين قررت المشاركة في حفلة النميمة عبر التقدم بإستنتاج بشع للغاية يطال بنات المغرب العربي الشقيق فقالت ما قالته بطريقة غير لائقة وإنتهى الأمر بأزمة دبلوماسية وشعبية لمصر مع بلد مهم وأساسي في النظام العربي وشمال إفريقيا وبمظاهرات على بوابة السفارة المصرية في القاهرة.
إساءة لم تكن مبررة ولا معنى لها وحشرت حشرا من باب النفاق للحكم المصري في برنامج سطحي وظيفته تسلية الناس..فجأة تقول المذيعة «عايزة أئلكم حاجة»..لاحقا تتدفق عبارات غير مترابطة عن الإسلاميين في المغرب ثم الملك محمد السادس ثم الدعارة ويتم حشو الكلام بقضية فلسطين وحركة حماس والأخوان المسلمين تماما على طريقة»الطبخة الغجرية» الشهيرة حيث الكوسا بجانب الفلفل والقرنبيط بدون بهارات او معنى وبدون نضوج اي فكرة من أي نوع .
كانت فقط وصلة «نفاق» وإدعاء بالفهم السياسي من مذيعة بائسة وسقيمة لا تحترم قيمة الحياة والإستشهاد والمقاومة في محطة من المرجح أنها تتبع «فلول نظام مبارك» الذين يقال والعهدة على ذمة الراوي أنهم بدأوا التحرك «من الداخل» ضد تجربة السيسي بعدما لاحظوا أنه يحاول أن لا يشبههم قليلا. متفلسفة أخرى تظهر على شاشة أكثر سقما فتطالب بطرد الفلسطينيين والبقاء في حالة إغلاق الحدود وتشيد بالجيش الإسرائيلي. يحصل هذا في مصر إياها التي عرفناها جميعا وبصورة «صادمة» قبل أن يصر توفيق عكاشة على الإشادات العلنية بصواريخ الإسرائيليين داعيا لسحق حركة حماس والمقاومة خالعا الحذاء في الواقع في وجه تاريخ مصر وتراثها المشرف قبل ان يخلعه في وجه الغزيين.
في الأثناء تخرج رجاء الجداوي وهي تحمل لافتة تتعاطف فيها مع شاؤول آرون وبجانبها إلهام شاهين ونخبة من الراقصات في سلسلة برامج حوارية لا يمكن رصد مثيل لها في أي مجتمع مهني وديمقراطي .
التحولات الإعلامية في مصر خطيرة للغاية وتمس شغاف القلوب وتسيء لدور مصر وعمقها العربي وتراثها الأخلاقي خلافا لأنها لا يمكن أن تكون مقبولة وأصبحت الأن عنصرا» للتوتير» والتأزيم في وجه الرئيس الطازج ومصنعا لإنتاج الطاقة السلبية والمشكلات وإبعاد الأصدقاء والأحباب حتى من مؤيدي الإنقلاب عن المؤسسة المصرية .
لا أعرف ما إذا كانت المؤسسة الأمنية والسياسية المصرية التي تلاحق إشارة «رابعة» في صدور الرجال وفي كل مكان ترصد مثلنا الخطر الإستراتيجي الذي توفره مغامرات ومناكفات حواريات الهوانم والآفاقين في الإعلام المصري لكن ما أعرفه أن هؤلاء لا يمثلون مصر التي نعرفها وان المؤسسات المصرية تميزت بالمهنية في الماضي وأن بين المثقفين والإعلاميين المصريين الزملاء المئات الذين لا يمكنهم قبول مثل هذا الإنحطاط خصوصا عندما يتعلق الأمر بشتم شعوب بأكملها وبالدعوة العلنية لمغازلة إسرائيل وللمشاركة في العدوان على المقاومة.
لا يحتاج السيسي لتلك «الزفة» الداخلية المشاغبة والمناكفة ..يكفيه في تشويه صورته الإعلام الإسرائيلي المنشغل ليلا نهارا في «فضح» دور المؤسسات المصرية في رعاية العدوان والتصريحات حول «ضوء أخضر» من السيسي نفسه مع الإشادات به وبمصر في عهده.
فائض تماما عن إمكانية الهضم ذلك النشاط الذي تظهره بعض هوانم وراقصات الإعلام المصري خصوصا في تشويه سمعة مصر ..يكفي مصر هذه الأيام دورها في إعاقة كل أشكال التضامن الشعبي مع الشعب الأعزل في غزة ويكفي النظام المصري عجزه الكامل عن التحرك المرن والديناميكي عندما يتعلق الأمر بمغادرة «سايكولوجيا» العداء للأخوان وحماس وللشعب الفلسطيني كما يكفيه القرارات الميدانية التي ترفض إدخال الأدوية والمساعدات الطبية للشعب المكلوم في غزة.
لا يحتاج الأمر للوصلات الغريبة التي تنتجها «هوانم
الفلول» فقد كن مع الأفاقين من مسببات الثورة على حسني مبارك وما ينتجه الإعلام المصري من سلبية قومية وبشرية وأممية اليوم يتجاوز إحتمالات القبول والإستيعاب ويحدد ملامح إعلام مصري جديد لا نعرفه، مريض ومأزوم وثأري وإنتقامي وفي أسوأ الأحوال يخالف كل المعاني والدلالات التي وردت في خطاب التنصيب الشهير للسيسي.
شخصيا لا أعتقد أن كل ذلك يحصل عفويا بل مقصود و»السوس في نفس الخشب» ومن الواضح ان السيسي يتعرض لمؤامرة من الداخل وكل ماعليه أن يبحث عن السبب وينظر حوله ويتابع شاشاته الفضائية فقط.
(القدس العربي)