إسرائيل.. من عدوان لمستنقع فشل!

كتب عبد الله الشايجي: حدث ما توقعناه في مقال الأسبوع الماضي من تصاعد ودموية العدوان الإسرائيلي على غزة والمقاومة الفلسطينية مع استمرار المعطيات الصعبة صعدتها إسرائيل بشن حرب برية دخلت حتى كتابة هذا المقال يومها الرابع ونهاية الأسبوع الثاني من العدوان،دون أن تنجح إسرائيل في تحقيق أي من أهدافها العسكرية باستثناء زيادة حصاد ما يصفه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس «بحرب ابادة». لكن محمود عباس يعد من أكبر الخاسرين بعد أن فقد الكثير من شعبيته ورصيده بسبب موقفه من غزة الذي لا يرقى لحجم جريمة العدوان الإسرائيلي.

وكما وصفت الواشنطن بوست في افتتاحية لها «غير معروف من الرابح من الحرب على غزة ولكن نعلم من هو الخاسر أنه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس».

وأبرز ما يُؤخذ على موقف السلطة الفلسطينية هو التخلي عن حق مكتسب للسلطة الفلسطينية-ويتمثل ذلك أنه بعد أكثر من أسبوعين من العدوان لم توقع السلطة الفلسطينية على اتفاقية روما والانضمام لمحكمة الجنايات الدولية وتوثق جرائم إسرائيل وجر إسرائيل وقادتها العسكريين من نتانياهو ووزير الدفاع ورئيس الأركان وقائد لواء جولاني الذي يقود الحرب والعدوان على غزة وقائد المنطقة الجنوبية لتعريتهم كمجرمي حرب ومنعهم من السفر..والسؤال الكبير كما يقول الكثير من المختصين والباحثين في الشؤون الدولية وأنا منهم-نستغرب عدم توقيع السلطة الفلسطينية لاتفاقية روما ومحكمة الجنايات الدولية!وقد تكون هذه الخطوة آخر ما يمكن أن يلجم إسرائيل ويوقف عدوانها وجرائمها ووقاحتها التي يعجز الفلسطينيون والعرب والغرب للأسف من فعله. 

كما أن أحد أسباب تصعيد العدوان الإسرائيلي على غزة يعود لاقتناع إسرائيل بأن حماس باتت معزولة وخاصة بسبب عقب فتور علاقتها مع النظام الجديد في مصر. حيث تستمر السلطات المصرية بإغلاق معبر رفح في هذا الوقت الحرج وتوبيخ حماس واتهامها بالمراوغة. مع إصرار إسرائيل ومعها واشنطن وبعض دول أوروبا على التمسك بمبادرة مصر التي لا تستجيب لشروط المقاومة الفلسطينية التي اعلنتها منذ اليوم..وواضح أن هناك رفضا لمنح أي وسيط آخر غير مصر وخاصة دولة قطر وتركيا أي دور رئيسي في أي مبادرة لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة..وإبقاء الدور القيادي لمصر في أي تهدئة يمكن التوصل إليها. ولكن أحد أبرز التداعيات من عدوان إسرائيل على غزة هو عجز النظام العربي عن القيام بأضعف ما يمكن توقعه معه في تشكيل جبهة عربية متراصة وموحدة للرد على الهجمة الإسرائيلية المسعورة..وبالتالي هناك سقوط للنظام العربي حتى في عيون العرب من الخليج إلى المحيط.

في ظل هذه المعطيات الصعبة وغياب خطة إنهاء الحرب والعدوان والخروج من مستنقع الضعف والانقسام والعجز العربي والتواطؤ الدولي ممثلا بالمواقف الضعيفة والهزيلة من الأطراف العربية والتي اكتفت بالتنديد والاستنكار دون حتى استدعاء السفير الإسرائيلي في القاهرة وعمان وإبلاغه احتجاجا رسميا على جرائم إسرائيل!!في السابق كنا نطالب كعرب بموقف حاسم وتدخل واليوم تراجع ذلك لحلم-وأصبح أكثر ما يطمح إليه العرب اليوم موقف عربي يشجب ويندد ويستنكر.والخطأ الذي نقع فيه-اختزال غزة والشعب الفلسطيني بحماس والخلاف حول الإسلام السياسي والعداء للإخوان المسلمين.

في هذه اللحظة الفارقة المطلوب حشد وتوحيد الصفوف-لأن الهجمة الشرسة التي ترتكبها إسرائيل منذ بدء العدوان في 7 يوليو 2014-قد تجاوزت كل معايير الجرائم. آخر الاحصائيات بعد أسبوعين من عدوان إسرائيل وصل عدد ضحايا العدوان الدموي إلى  509 شهداء و3150 جريحا حصيلة عدوان الجرف الصامد على غزة-اغلبيتهم مدنيون أطفال ونساء ومسنون هذه حضارة إسرائيل. 125 من الاطفال و أكثر من 1000 من الجرحى. بمعنى أن ربع الشهداء أطفال وثلث الجرحى من الأطفال.

ثم ارتكبت إسرائيل جريمة حرب أخرى فجر الأحد 20 يوليو 2014 بقصف حي الشجاعية عشوائيا سقط فيها أكثر من 80 شهيدا بعضهم في الشوارع وفي منازلهم التي تدمرت فوق رؤوسهم ومنعت إسرائيل سيارات الاسعاف ما يشكل في مجمله خرقا فاضحا للقانون الدولي والقانون الإنساني..ومع ذلك اكتفى الرئيس الأميركي باراك أوباما ومعه أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون من الدوحة في قطر بالطلب من إسرائيل ضبط النفس والحفاظ على المدنيين بينما طالب وزير الخارجية الفرنسي فابيوس إسرائيل بأن يكون الرد متوازنا. وهذه فضيحة كبيرة وسقوط أخلاقي ووصمة عار في جبين الغرب بصمته وعدم تنديده بجرائم ومجازر إسرائيل المتكررة.

في المقابل هناك جبهة متراصة ومطالبات من الرئيس أوباما ورئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون ومجلس الأمن بسرعة ودقة التحقيق في الحادث المأساوي بإسقاط طائرة الركاب الماليزية في شرق أوكرانيا. التي اسقطت بنظام صاروخي روسي على يد الانفصاليين الأوكرانيين بدعم وتدريب وتمويل روسي..وهذه قمة النفاق وازدواجية المعايير..لم تطالب أي دولة في مجلس الأمن بالتحقيق في جرائم الحرب والمجازر التي ترتكبها إسرائيل في غزة!!

وهذا ما يؤكد ما ذهبت إليه في مقالي في الأسبوع الماضي في الوطن «حرب إسرائيل على غزة وإسقاط المعادلات القديمة..» بالتأكيد على أنه «لا يبدو أن التهدئة قريبة بسبب التباين الكبير ورفع شروط وقف اطلاق النار وغياب الوسيط المقبول لدى الطرفين. ويبقى مجلس الأمن من يمكن أن يلعب دور ولكن ذلك يخضع للنفوذ الأميركي ومشاركة وتوحيد المواقف من الطرف العربي. وبالتالي تغير هذه المعطيات والوقائع الجديدة المعادلات القديمة وتفرض توازن رعب وتجبر إسرائيل على أخذ حماس على محمل الجد. وهذا يعزز روح المقاومة والتشدد في شروط حماس والتي تشاركها بقية فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة. تلك الشروط وضعتها المقاومة منذ اليوم كشروط لوقف العدوان التي اطلقت عليها إسرائيل الجرف الصامد..بينما ردت حماس بإطلاق اسم «العصف المأكول» على عملية مقاومة العدوان..

شروط المقاومة: 1 -الإفراج عن نواب حماس الذين اعتقلتهم اسرائيل خلال الحملة العسكرية الاخيرة في الضفة الغربية. 2 -الإفراج عن الأسرى الذين اعيد اعتقالهم مؤخرا. 3 - وقف عمليات الاستهداف والغارات الجوية. 4 -تطبيق التفاهمات التي تم التوصل اليها بعد عملية عامود السحاب في نوفمبر 2012. 5 -رفع الحصار عن غزة وفتح المعابر بما فيها معبر رفح. 

المعادلة صعبة ومعقدة لا ضوء في النفق. نحن أمام كارثة إنسانية. ما يعقد الوضع غياب وسيط محايد،وعجز النظام العربي والدولي على التدخل للجم إسرائيل.

(الوطن القطرية- 23 تموز/ يوليو 2014)