كتاب عربي 21

السيسي وواشنطن التي اشترت "الترام"!

1300x600
أراد أن يفتعلوا له دوراً فكانت المبادرة، لكنه كان (كَل) على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير.

وقد أمسك الإنقلابيون في "المبادرة" بأيديهم وأسنانهم، وكأنها كسكر نبات الذي يقدم له "الباعة السريحة" في وسائل النقل العام بمصر، بأنه دواء لكل داء؛ فهو "يزيل الكحة، ويجلب الصحة، ويحول العجوز إلى صبية".

ينام وزير خارجية الانقلاب، وعندما يستيقظ يهتف: "المبادرة". وفي الليل وعبر فضائيات الثورة المضادة: " لا صوت يعلو فوق صوت المبادرة". وصحف الصباح لا حديث لها إلا عن "المبادرة"، التي يتهم من رفضوها بأنهم يقومون بإفشال دور مصر في المنطقة؟.. ليبقي السؤال وما هو هذا الدور؟.. الذي أنهاه المخلوع حسني مبارك "ولي أمر عبد الفتاح السيسي"، فلم نسمع أن عبد الفتاح السيسي مستغلاً موقعه الرفيع كمدير للمخابرات الحربية، قد مارس أضعف الإيمان وهو التململ. 

وبالمناسبة فإن القادة العسكريين، والسيسي واحد منهم، لم يعترضوا ولو بينهم بين أنفسهم على تدمير مبارك لمقدرات الشعب المصري، ومنحه لأراضي الدولة المصرية لمجموعة من الانتهازيين أطلق عليهم "رجال أعمال".

يقوم القوم ويقعدوا على "المبادرة"، ولا شئ غير "المبادرة"، وبقي أن تتحول إلى أغنية بعد أن توقف المصريون عن سماع " تسلم الأيادي"، و"بشرة خير"!.

فـ "المبادرة" ستوقف نزيف الدماء، و"المبادرة" فيها الشفاء من كل داء، ومن تكثيف الدعاية لها كاد يستقر في يقيني، أن "المبادرة" هي " شربة خروع"، ما أن يشربها المبطون حتى تغادر "الديدان" معدته غير مستأنسة لحديث.

الأحداث تجاوزت "المبادرة" المرفوضة من قبل المقاومة الفلسطينية، ومع ذلك يقول القوم "المبادرة"، وتعقد الدول المهمة مؤتمر باريس، وقومنا يهتفون: "المبادرة".وتطرح حلول لحل الأزمة. فلا يملون من قول: "المبادرة". وأوشكوا أن يشيدوا لها ضريحاً يذهب إليه المريض فيشفى، والعانس فيتدافع لبيتها العرسان، والبليد في الثانوية العامة فيلتحق بكلية الطب.

بدت "المبادرة" اختراعاً لسلطة الانقلاب في مصر، عندما تم تسليمها لعبد الفتاح السيسي باعتبار أن نجاحها نجاح له، وأنها ستقربه للآلهة في البيت الأبيض زلفى، فنظر إليها باعتبارها حجاب "الحصن الحصين"، وأخذها بالأحضان.

"المبادرة" هي في الأساس اختراعاً إسرائيلياً، بعد أن انتهكت إسرائيل اتفاق سنة 2012، وظنت أن الأمر على قديمه، وأنها ستضرب ضربتها، فلا يرد عليها، لكنها فوجئت بالرد غير مسبوق، ومن هنا دفعت برجلها في القاهرة ليقدم مبادرة بوقف "العمليات العدائية المتبادلة" بين الطرفين، وكانت المفاجأة أن حماس رفضت أن تقبل الدنية في أمرها، وان تنزل على رأي الفسدة.

لأنه علم بأن نجاحه "المفروغ منه" سيمنحه شرعية دولية، فقد رفض عبد الفتاح السيسي إشراك وزير الخارجية الأمريكي في المهمة، التي تمثل له، ما يمثله المولود الأول لأي إنسان: " أول فرحته".. مع أن "المبادرة" هي ابنة السيسي بالتبني، فقد وصفناها في مقال سابق بـ " اللقيطة"، حيث قالت دوائر إسرائيلية إنها من وضعت بنودها، في حين قال محمود عباس (أبو مازن) أنه صاحبها.

"المبادرة" ماتت اكلينكياً في اليوم الأول لها، لكن أهلها بالتبني لا يصدقون، وهذا ما يفسر "حلقة الذكر" المنصوبة لها في وسائل الإعلام.

الانقلابيون بما يفعلون هم في حكم السكارى وما هم بسكارى، فصدمة الرفض أفقدتهم توازنهم، ليطرح السؤال نفسه: وماذا بعد؟.. ليأتي الجواب: وهل هناك بعد؟!

عندما ينقشع الغبار، سيقف البيت الأبيض على أنه مكن "عاهة مستديمة" من حكم مصر، باعتبار أن الحاكم الديكتاتور هو الأقدر على حماية المصالح الأمريكية، وسيكتشف القوم بعد أن تذهب السكرة وتحل الفكرة، أن السيسي لم يحم هذه المصالح، مع سعيه لأن يكون عند حسن الظن، فلا هو حافظ على استقرار البلاد، ولا نجح في أن يكون الرئيس المحبوب، ولا هو الرئيس القوي بما يمكنه أن ينجح في أداء مهمته كراعي لهذه المصالح.

السيسي لديه نفس خيالات المخبر القديم، عندما كان يجهر بعلاقته الأمنية ويفخر بها، لكن هذا الدور انتهى بثورة يناير. وكان السيسي يريد في بداية القصف الإسرائيلي أن يظهر في صورة غير المكترث، وغير المشغول بغزة وفلسطين، وفي وقت الشدة استنجدت به إسرائيل، ليطلق مبادرة وقف إطلاق النار، فاته أن صيغة مبارك القديمة انتهت، والذي كان يستخدم المعبر أداة للضغط بما يمكنه من القيام بدور.

إسرائيل كانت تحتاج إلى " كبير"، لا إلى عميل، فلديها كفايتها من العملاء، ونظرت حولها فلم تجد، وتذكر الإعلام الغربي الرئيس محمد مرسي، والذي نجح مع الدوحة في إبرام اتفاق الهدنة، ولم يفعلا غير أنهما تبنيا "موقف المقاومة".

عندما ينقشع الغبار ستكشف الولايات المتحدة الأمريكية، أن السيسي صار عبئاً عليها، وعلى المنطقة.

فلا أحد بإمكانه الآن أن يفرض إرادته على الآخرين بقوة السلاح، وفكرة إسرائيل القوة التي لا تقهر
سقطت، وبأقل مجهود وبصبر تمتلكه، تستطيع المقاومة في ظرف عام أن تجعل حياة من يتبقى من الإسرائيليين في الأرض المحتلة جحيما لا يطاق، ولا بد من حل عادل، والحلول العادلة يقوم عليها كبار لا عملاء.

العد التنازلي لحكم السيسي سيكون بوقف إطلاق النار، وعندما ينقشع غبار المعركة، ستكتشف واشنطن أنها كالساذج الذي اشتري "الترام"، و"العتبة الخضراء".