كتب جيمس زغبي: نشر المعهد العربي الأميركي الأسبوع الماضي استطلاعه نصف السنوي الثالث حول مواقف الأميركيين تجاه العرب والمسلمين. وكانت نتائج الاستطلاع الذي أجراه مركز «زغبي للتحليلات» وشمل 1100 شخص، مثيرة للقلق بشكل كبير.
وقد وجدنا أن هناك تآكلاً مستمراً في تقييمات الأميركيين المفضلة لكل من العرب والمسلمين، وهو ما يمثل تهديداً للحقوق المدنية والاندماج السياسي للأميركيين من المسلمين وذوي الأصول العربية. فعلى سبيل المثال، تراجعت التقييمات المؤيدة للأميركيين العرب من 43 في المئة عام 2010 إلى 32 في المئة أثناء الاستطلاع الأخير. بينما هبطت التقييمات المؤيدة للأميركيين المسلمين من 36 في المئة إلى 27 في المئة خلال الفترة نفسها.
ومن الممكن توقع التبعات المباشرة لهذا التراجع المثير للقلق في نسبة الأميركيين الذين يؤيدون التمييز في تنفيذ القانون ضد الأميركيين العرب والمسلمين، إذ بلغت 42 في المئة، كما زادت نسبة مَن يقولون إنهم لا يثقون في قدرة أي من الفريقين على أداء مهامهم كأميركيين حال تعيينهم في مناصب حكومية مهمة. كما شعر 36 في المئة ممن شملهم الاستطلاع بأن القرارات التي يتخذها الأميركيون العرب تتأثر بعرقيتهم، بينما اعتبر 42 في المئة أن المسلمين الأميركيين يتأثرون بدينهم بشكل سلبي.
وفي هذه الأثناء، كشف استطلاع الرأي عن انقسام حزبي عميق، حيث اعتبر ثلثا الديمقراطيين أن الأميركيين العرب والمسلمين يمكنهم أداء مهام عملهم في الوظائف الحكومية المهمة من دون تعارض مع ولائهم لإثنيتهم أو دينهم، بينما أعرب ثلثا الجمهوريين عن خشيتهم، في هذه الحالة، من حدوث تعارض بين أداء المهام الوظيفية والدين والعرقية.
ويبدو أن الاختلافات في مواقف الديمقراطيين والجمهوريين تعكس انقساماً ديموغرافياً عميقاً، إذ جاءت آراء الأميركيين الشباب والسود أكثر تأييداً وحماية واحتراماً لولاء المسلمين والعرب الأميركيين. وعلى نطاق أوسع، بدت الهوة شاسعة بين آراء الشباب والكبار والبيض والسود. فعلى سبيل المثال، يعارض ثلثا الديمقراطيين من الأميركيين الشباب والسود استخدام التمييز العنصري في تنفيذ القانون ضد مواطنيهم من المسلمين وذوي الأصول العربية، في حين تختلف مواقف الجمهوريين، إذ يفضل ثلثاهم من الكبار والبيض استخدام هذه الممارسة العنصرية.
وفي ضوء استمرارية الآراء الشائعة السلبية عن المسلمين والعرب في الثقافة الشعبية والتحيز الفج في التقارير الإعلامية، ربما يكمن تفسير هذه الانقسامات في تجارب الحياة المختلفة لهذه الفئات من الأميركيين والمصادر التي يعتمد عليها أفرادها في تلقي أخبارهم عن العالم. ويظهر استطلاع آخر أن الأميركيين الشباب باتت لديهم رؤية عالمية أكثر تسامحاً وشمولية نتيجة اطلاعهم الواسع على شبكة الإنترنت ووسائل الإعلام الاجتماعي، في حين يعتمد كبار السن على مصادر معلومات تقليدية محدودة بدرجة كبيرة.
وأكد استطلاع الرأي أيضاً أن هناك عاملاً آخر مهماً في تشكيل المواقف تجاه المسلمين والعرب ناجماً عن الاختلاط المباشر بينهم وبين فئات المجتمع الأميركي الأخرى. فالأميركيون الذين يؤكدون معرفتهم بعرب ومسلمين لديهم مواقف مؤيدة أكثر بكثير تجاه الفريقين (بنسبة تصل إلى 33 في المئة في كلتا الحالتين)، ولديهم ثقة كبيرة في قدرتهم على العمل في مناصب حكومية مهمة. وينطبق ذلك بصورة خاصة على الأميركيين الشباب والسود، حيث تبدي نسبة كبيرة منهم ممن لهم معرفة بالمسلمين والعرب مواقف جيدة تجاههم.
وتكشف نتائج أخرى للاستطلاع أيضاً أن غالبية الأميركيين يشعرون بأنهم لا يعرفون ما يكفي عن التاريخ والشعوب العربية بنسبة بلغت 57 في المئة، أو عن الإسلام والمسلمين بنسبة تناهز 52 في المئة. ويتضح هذا النقص في المعرفة جلياً في إجابات أخرى ضمن الاستطلاع، إذ خلط الأشخاص المستطلعة آراؤهم على نحو خاطئ بين الأميركيين العرب والأميركيين المسلمين. ويقول نحو الثلثين على سبيل المثال إنهم يعتقدون أن غالبية الأميركيين العرب مسلمون، على رغم أن الواقع هو أن ثلثهم فقط مسلمون. وبالمثل انقسمت الآراء حول ما إذا كانت غالبية المسلمين الأميركيين من أصول عربية، بينما الحقيقة أن ربع المسلمين الأميركيين فقط من أصول عربية.
وعليه، يبدو الطريق إلى الأمام واضحاً. فالتعليم والاختلاط بين الأميركيين العرب والمسلمين مع بقية مواطنيهم يعد عنصراً جوهرياً في الجهود الرامية إلى تحقيق فهم أكبر لهاتين الفئتين المتناميتين من المواطنين الأميركيين ولضمان حماية حقوقهما. وبالطبع، لوسائل الإعلام دور مهم، بينما يتحمل السياسيون المسؤولية؛ ذلك أن الآراء الشائعة السلبية التي كونتها «هوليوود» والهوس الإعلامي بالأخبار السلبية لا يغذي فقط سوء الفهم، ولكنه يهدد أيضاً حقوق وأمن المواطنين الأميركيين ذوي الأصول العربية أو أصحاب العقيدة الإسلامية. ولابد من محاسبة الزعماء السياسيين غير المسؤولين الذين عززوا ظاهرة الخوف من الإسلام «الإسلاموفوبيا». وبالطبع حدث ضرر كبير عندما أطلق الحزب الجمهوري حملته في عام 2010 ضد إنشاء المركز الإسلامي في مانهاتن، وعندما صرح غالبية مرشحي الرئاسة الجمهوريين بأنهم سيطلبون يميناً خاصاً بالولاء من أي مسلم يسعى لتولي منصب حكومي. بيد أن الأميركيين العرب والمسلمين الأميركيين تقع على عاتقهم أيضاً مسؤوليات جسيمة. فعليهم أن يبذلوا مزيداً من الجهود في إطار التعريف بأنفسهم من خلال المشاركة المدنية والتعليم والتمكين السياسي. وإذا كانت نتائج التأييد المتراجعة في الاستطلاع تعلمنا أي شيء فهو أن السلبية لها تبعاتها. ولذا يبدو التحدي واضحاً ولابد من الاستجابة له ومجابهته.