مقالات مختارة

الثمار المرة للوساطة المصرية

1300x600
كتب ديفيد هيرست: ها هو الرأي العام الدولي يتغير تجاه الحصار المفروض على غزة، وها هو عدد متزايد من الزعماء يتساءل عن الحكمة من الضغط على غزة إلى أن تنفجر. هذا ما يمكن للمرء أن يستنتجه من تصريح باراك أوباما يوم الخميس ومفاده أنه “على المدى البعيد لابد من الاعتراف بأن غزة لا يمكنها أن تقوم بنفسها طالما أنها على الدوام معزولة عن العالم”. وهذا هو نفس موقف الاتحاد الأوروبي. 
 
المطلب المركزي للوفد الفلسطيني الموحد، على غير العادة، في محادثات القاهرة ينص على أنه بعد ما جرى من سفك للدماء في الجولة الأولى من القتال لا يمكن لغزة أن تعود إلى الوضع الذي كانت فيه. إلا أن جاري غزة كلاهما لا يشاطران الوفد الفلسطيني في وجهة نظره. وبالفعل، يمكن لراغب في الاستفادة أن يسأل: من الذي كان العقبة الأكبر في طريق المفاوضات هذا الأسبوع، إسرائيل أم مصر؟ الجواب: الأمر غير واضح. 
 
قالت المصادر الفلسطينية في مباحثات القاهرة بأن المسؤولين المصريين رفضوا رفضاً قاطعاً عبارة “رفع الحصار” في الاتفاقية المقترحة للهدنة، وتقول نفس المصادر إن مصر رفضت توصيل الطلب الفلسطيني بفتح ميناء غزة إلى الجانب الإسرائيلي. وفي صباح الجمعة طلب الوفد الفلسطيني من المسؤولين المصريين موافقة إسرائيلية مبدئية لإنهاء إغلاق الحدود والسماح بإعادة إعمار غزة مقابل تمديد التهدئة، فرد عليهم المسؤولون المصريون بأن إسرائيل ترفض ذلك. من جهة أخرى قيل بأن إسرائيل عرضت تخفيف الحصار إلا أن حماس رفضت. 
 
منذ اللحظة الأولى عملت إسرائيل ومصر على ربط إنهاء الحصار بنزع سلاح حماس وجميع الفصائل المسلحة في قطاع غزة. وهذا يشبه أن تطلب من الأجنحة العسكرية للفصائل الفلسطينية، والذين يرون من وجهة نظرهم أنهم قاوموا بنجاح قوة عسكرية متفوقة جداً عليهم طوال الشهر الماضي، أن يرفعوا أيديهم ويستسلموا ويسلموا أسلحتهم ويتخلوا. ويذكر في هذا الصدد أن المبادرة المصرية الأصلية لوقف إطلاق النار صيغت بشكل يحتم رفضها ولم تعرض أساساً على حركة حماس قبل أن تنشر في وسائل الإعلام. يبدو أن المصريين لم يتزحزحوا عن ذلك الموقف حتى الآن قيد أنملة. جاء كلام أبي عبيدة، الناطق باسم جناح حماس العسكري كتائب عز الدين القسام في غاية الوضوح مساء الخميس حين قال: “إذا لم يستجب لمطالبنا، بما في ذلك إقامة ميناء بحري، فعلى المفاوضين الانسحاب من المفاوضات وإنهاء هذه اللعبة”. 
 
واضح مما ذكر آنفاً أن المسؤولين المصريين والإسرائيليين يعملون معاً بتناغم تام، وهذا ما كان يشكو منه الفلسطينيون إزاء الدور الذي كان يقوم به الأمريكان فيما يسمى بعملية السلام، إلا أن الأمر كان أكثر وضوحاً وأكثر فظاظة في المحادثات التي جرت في القاهرة هذا الأسبوع. 
 
منذ اليوم الأول فاجأ عبد الفتاح السيسي المسؤولين الإسرائيليين بخطابه المعادي بشدة لحركة حماس، وكما أوردت صحيفة الوال ستريت جورنال في تقرير حديث لها حينما أغلق السيسي تقريباً جميع الأنفاق دون أن يعوض غزة عن فقدها لسبل عبور المواد الضرورية إليها فوق الأرض، بدأ بعض المسؤولين الإسرائيليين يدقون نواقيس الخطر تجاه قسوة الإجراءات التي اتخذتها القاهرة. ونقلت الصحيفة عن أحد المسؤولين الإسرائيليين قوله:  “لقد بالغوا في الحقيقة في خنق غزة”. صحيح أن إسرائيل تخنق غزة منذ ثمانية أعوام ولكنها تعلمت كيف تخفف من قبضتها من حين لآخر حسب الظروف، ولكننا الآن بصدد منتسب جديد لنادي الخانقين لغزة وهذا القادم الجديد يسعى لتضييق الخناق بشدة وبسرعة بالغة. 
 
والآن لك أن تتأمل في هذا الرجل الذي يقود “فريق المفاوضين” المصري في المحادثات. كان جهاز المخابرات العامة يحتفظ بالملف الفلسطيني لديه. ومن أوائل ما أخبرني به خيرت الشاطر حينما التقيته بعد أن استلم محمد مرسي السلطة هو أنه اتخذ قراراً بأن يبقى جهاز المخابرات هو القناة المركزية في العلاقات مع إسرائيل. وكان ذلك أحد الأسباب التي جعلت أول مهمة يقوم بها السيسي بعد الانقلاب العسكري هي تطهير جهاز المخابرات وتعيين رجل موثوق لديه، هو في الحقيقة أستاذه وملهمه الجنرال محمد فريد التهامي رئيساً للجهاز. ويذكر بهذا الصدد أن الانقلاب العسكري سبقه صراع داخلي بين المخابرات الحربية التي كان يترأسها السيسي وجهاز المخابرات العامة. 
 
من الذي قابل الوفدين الفلسطيني والإسرائيلي؟ إنه التهامي. من المسؤول عن الترويج لفكرة أن حماس تهدد الدولة المصرية فيما يعتبره البعض في واشنطن نظريات مؤامرة؟ إنه التهامي. ومن الذي شجع السيسي على التقدم والتشرح للرئاسة؟ إنه التهامي. 
 
إن الحالة التي نحن بصددها لا تشبه أي جولة سابقة من القتال بين إسرائيل وحماس، وذلك لسبب وحيد، وهو أن إسرائيل وجدت في مصر شريكاً لها في غاية الحماس لدرجة أن ذلك حفزها على تجاهل إشارات من اشنطن تحثها على ضبط النفس. وضاح أن هذا الشريك متحمس أكثر من اللازم، ولعل من الحكمة أزاء ذلك أن تجري المفاوضات بين إسرائيل وحماس بشكل مباشر. 


ما من شك في أن المصالح الاستراتيجية لإسرائيل مختلفة عن المصالح الاستراتيجية لمصر، فكل ما تنشده إسرائيل هو وقف إطلاق الصواريخ وفرض السيطرة على الأنفاق. يعلم نتنياهو أن تكلفة إنجاز ذلك عسكرياً هي تكلفة غير مقبولة، وهذا بالضبط ما عبر عنه على مدى أربع ساعات من الاجتماع بأعضاء حكومته يوم السبت الماضي. فذلك يتطلب أسابيع إن لم يكن شهوراً من حرب الشوارع في وسط مدينة غزة، وسيكلف ذلك عشرات الآلاف من الضحايا في صفوف المدنيين والمئات في صفوف العسكريين الإسرائيليين، وبعد انتهاء المعركة ستعود إسرائيل من جديد لتتحمل المسؤولية كاملة عن رعاية سكان قطاع غزة. 
 
بشهادة الشين بيت واعترافه تمكنت حماس من الحفاظ على الهدوء لأكثر من عام بعد وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه برعاية مرسي في نوفمبر 2012. في الشهور الثلاثة الأولى سجل الشين بيت هجوماً واحداً تمثل في قذيفتي هاون أطلقتا من غزة. وكان العام التالي، أي عام 2013، هو العام الأكثر هدوءاً منذ عام 2003 حينما أطلق من غزة أول صاروخ بدائي الصنع. 
 
لا يوجد سبب يحول دون أن تتمكن غزة من العودة ثانية إلى حالة من الهدوء لو أن إسرائيل وفت بالوعد الذي قطعته حينها على نفسها برفع الحصار. وبالفعل، إن وجود حكومة وحدة في غزة وانتشار شرطة السلطة الفلسطينية في معابر غزة الحدودية يوفر كل الأسباب الموجبة لإنجاز مثل هذه الصيغة. لابد أن المؤسسة العسكرية في إسرائيل، والتي تظل المصدر الأكثر براغماتية في صياغة سياسة الدولة، ترى أنها وقد رفضت خيار إنهاء وجود حماس في غزة فإنه لم يبق من خيار أمام إسرائيل سوى التفاوض. أياً كان الترتيب الذي يتبع في تسلسل الإجراءات، ستكون ثمرة هذا التفاوض هي فتح الحدود. 
 
لا يوجد في مصر شيء من هذه البراغماتية، فلا السيسي ولا التهامي لهما مصلحة في تطبيع العلاقات مع حماس، بل ربما شعراً بأن مثل هذا التطبيع سيكون سبباً في خسارة شخصية لهما. لا توجد لدى السيسي سياسة سوى سحق عدوه اللدود جماعة الإخوان المسلمين وشقيقتها المسلحة حركة حماس.

(عن "ذي هافنغتون بوست" بترجمة "عربي 21" في الثامن من آب/ أغسطس 2014)
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع