قضايا وآراء

تفاصيل المعركة القادمة !

1300x600
ردود حكومة إسرائيل على ورقة الاشتراطات الفلسطينية بشأن التوصل إلى اتفاق تهدئة، كان بالمماطلة تارة وبمحاولة الالتفاف عليها تارة أخرى، وبالإعلان أحياناً عن الرفض المطلق لها، ومن ناحيةٍ أخرى، فقد دأبت على خلق شروط تعجيزية بالمقابل، وبالتهديد بمعاودة العدوان فيما إذا واصلت الفصائل بإرسال الصواريخ باتجاهها، اعتقاداً منها أن الإتيان بكارثة إضافية ضد آلاف آخرين من الفلسطينيين داخل القطاع، ستكون من الطرق السهلة لفرض اتفاق.

بدلاً من استغلال الوقت والموافقة لبلورة اتفاقية جديدة تنهي العدوان، من ناحيته، فضّل رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو" مواصلة إبراز أنه الأقوى، حين أمر بمعاودة نشاطات الحملة العسكرية (الجرف الصامد) والتهديد بالقتل والاغتيال، وأصبح من الصعب فهم المنطق من وراء سياسته هذه، سوى التعنت في شأن الموافقة على المطالبات المفروضة، والحفاظ المتزمت على مصلحة إسرائيل الزائدة عن الحد على الحساب الفلسطيني.

وعلى الرغم من الاستجداء الإسرائيلي لأيّة هدنة، ومن ظهوره بمظهر الراغب في حصولها، لكن ما بيّنته المعطيات السابقة، بأن الحضور إلى القاهرة بدى مجرّد تحصيل حاصل، بسبب أنه كان على نوايا مُبيّتة، أمِل من خلالها في تكرار الحال السابق، حينما حصلت إسرائيل على تهدئة مجانية، في أعقاب عدوان (الرصاص المصبوب) 2008، سيما وأن عدوان الجرف، حدث تحت سمع وبصر النظام المصري الحالي، باعتباره - لدى إسرائيل على الأقل- امتداداً للنظام السابق أو يتشابه به، وإن في مسألة شن العدوان ضد حماس بالذات. ونذكر جيداً أن نظام "حسني مبارك" كان قد ساهم بطريق أو بأخرى في حصول العدوان، وفي الطريقة التي انتهى بها أيضاً، سيما وأن وزيرة الخارجية "تسيبي ليفني" حينها، كانت قد أعلنت صراحةً ومن قلب القاهرة، بأن حكومتها معنيّة بتغيير الواقع في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس.

لا تُخفي إسرائيل أيّة أجزاء صغيرة كانت أو كبيرة في مثل هذه المسائل، ولا تخشى أن تصيبها دائرة، وخاصة بشأن الأحداث العدوانية الجارية، بسبب ضمانها أن مصر لا ترغب بالمطلق في استمرار وجود حماس وسيطرتها على القطاع، لا أيديولوجياً ولا امتداداً للإخوان المسلمين، وهي متيّقنة تماماً بأن مصر تعمل منذ الأزل على نزع وإضعاف شرعيتها مقابل تعزيز مكانة السلطة الفلسطينية في رام الله، وأنها تفهم أن القاهرة ضمن هذا الإطار- وإن أبدت بعض المرونة باتجاه الحركة لغايات تكتيكية آنيّة وحسب- لا تتعامل معها وخاصةً في شأن المفاوضات الجارية، على أنها طرف أساسي، وتعتبر أن أجزاءً مهمّة من شروطها حول التهدئة ليست مقبولة لديها أكثر مما هو إسرائيلياً، ويُستشف بالضرورة، بأن الموقف المصري لا يهمّه كثيراً، إذا ما استمرت إسرائيل في عملياتها العدوانية ضد حماس لعدة أسابيع، وبالتالي فإن إسرائيل قد اتكلت عليه وبشدّة، كونه يعمل بصورة لا مثيل لها في إضعاف حال الحركة سياسياً وعسكرياً، سيما وأن لا حلفاء ولا أصدقاء لديها في الجوار.

وبرغم صحة ما سبق، فإن من الضروري الأخذ في الحسبان، في أن ظروف الحركة متغيرة باستمرار، وسواء من حيث تنامي قدراتها العسكرية أو لجوء الرأي العام الفلسطيني إلى تفضيلها كضاغطة عسكرية، في أعقاب انكشاف النوايا الإسرائيلية بشأن إعدامها الحلول السلمية، التي طالما اعتمدتها السلطة الفلسطينية كأساس للتوصل إلى حل شامل وعادل، إلى جانب أهميّة حركة القوى الدولية المختلفة، فرغم مساعي "نتانياهو" وحكومته بشأن تبرير العدوان، فإن دولاً إقليمية مهمّة، بات يخشى جيداً من تدهور علاقاته معها مثل قطر وتركيا، وجهات دولية عديدة أيضاً، يتخوّف من اقترابها من تغيير صوتها لصالح الفلسطينيين، في ضوء رؤيتها ممارسات إسرائيلية مقيتة، ومشاهد دموية مؤلمة وزائدة عن الحد القانوني والأخلاقي الدوليين، التي قد تتطوّر وتصل إلى عزلة دولية، أو على الأقل إلى صدام مع أفضل وأهم أصدقاء إسرائيل في الغرب وخاصةً الولايات المتحدة التي باتت تشعر بقلق تجاه تطورات العدوان.

لا يلفت انتباهنا "نتانياهو" ولا أعضاء حكومته بمن فيهم "أفيغدور ليبرمان" و"نفتالي بينيت" و"يوفال شنتايس"، عندما قاموا بالطلب من وفدهم المفاوض بالفرار من القاهرة أمام الاشتراطات الفلسطينية والعودة مرةً أخرى إلى العسكر لمواصلة الفصل التالي من الحملة الإجرامية ضد الفلسطينيين ككل، قبل قيامهم بالسماح للوفد مرّة ثانية بالعودة إلى القاهرة لطرح نفس الأفكار بعد طبخها من جديد، والتي لا تهدف إلاّ إلى إضاعة الوقت فقط، بسبب أنه كفيل بأن يفتت الحماس القوي لدى الوفد الفلسطيني المفاوض، ويُعطي الفرصة لأعداد كبيرة من الفلسطينيين للتذمّر ضد المقاومة بشكلٍ عام.

صحيح أن الوضع الفلسطيني كارثي، في ضوء وجود ما يقارب من ألفين من الشهداء وعشرة آلاف من الجرحى، وآلافاً أخرى من البيوت والمصانع والممتلكات المدمرة، وهو الأمر الذي كان في اعتقادهم بأن المقاومين إذا ما رأوا كل ذلك أمام أعينهم وغضبة السكان أيضاً، فإنهم سيسقطون من طولهم، ولسوف لن يجدوا ناصراً ولا موئلا، لكن الذي حدث هو العكس تماماً، إذ لم يفت ذلك كلّه من العضد ولم يُنقص من العزيمة شيئاً، وحتى خمس طلبات متتالية لوقف النار، كانت رفضتها الفصائل، لم تكن كافية ليفهم "نتانياهو" وأعضاء حكومته أيضاً أن الفلسطينيين عموماً لا يحفلون كثيراً بالاعتقادات الإسرائيلية، ولم يدركوا أن قوة غير مستأنسة، لا تكل ولا تبرح، بدون الحصول على إنجاز.

الوسيط المصري ولا شك، يُحاول جهده لانتزاع تنازلات من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي وهو معني بحصول اتفاق على يديه، بيد أن الإسرائيليين لا يميلون إلى تقديم أيّة تنازلات ذات شأن وسواء فيما يتعلق بالاشتراطات الفلسطينية أو المتعلقة باشتراطاتهم، كما أن الفلسطينيين لا يمكنهم بالمطلق تضييع الفرصة دون تحقيق نصراً تالياً.  

والحال هكذا، فإن الأمور لا تنضج في يومٍ أو بعض يوم، بل إلى أوقات ربما تكون طويلة، وإلى أن تحين، فإن على المقاومة لا يجب أن تُعطي إسرائيل شيئاً من الراحة، وأن تظل في حومة الوغى ومواصلة الحرب، على أن أفضل الحرب هي الاستنزافية، باعتبارها أكثر تأثيراً ضد الاحتلال، والتي يحب أن تشمل بالضرورة تحييد سلاح الجو، وإغلاق المطارات في أنحاء البلاد، وتجميد عمل الموانئ على امتداد الساحل، وعرقلة النشاطات الأمنية بمحاذاة الحدود، وبضرورة تشغيل الحرب النفسية ضد الجنود الإسرائيليين داخل معسكراتهم وبيوتهم أيضاً، فهذه وغيرها ستضطر إسرائيل إلى النظر بعناية أكثر في طبيعة الرد عند كل حادثة، علاوةً على أن الوضع الدولي لن يسمح لها، بالتصرف بعنف أكثر مما ينبغي لفترة طويلة، وبدون الوصول إلى اتفاقات سياسية.
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع