كتب علي الأمين: ربما هي المرة الاولى التي تنفذ طائرات عسكرية أميركية غارات جوية على اهداف في دولة من الدول العربية، ولا يصدر موقف مندد بهذه الغارات ولا تتخذ السفارات الاميركية حول العالم اجراءات امنية مشددة تحسبا لردود فعل ضدها.
الرئيس الاميركي باراك اوباما اعلن، بعد الالحاح الحكومي والسياسي العراقيين، وبتشجيع ايراني، استعداده وبدأه توجيه ضربات ضد تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام "داعش". ولا موقف عربي ولا ايراني ولا تركي، وما بينهم، وخارجهم، لا اعتراض على الاستهداف الاميركي لمواقع مقاتلي داعش في العراق، بل مواقف مؤيدة، مشوبة بعتب وانتقاد، لا سيما في العراق، ومن اوساط شيعية في الحكم وخارجه. انتقاد نابع من ان الضربات الاميركية كان يجب ان تتم قبل ذلك بكثير، بل يجب ان تكون اقوى وتمتد الى مناطق اوسع من حدود اقليم كردستان العراقي.
الرئيس الاميركي يجلس في مكتبه البيضاوي، يرد على محاوره توماس فريدمان (في حوار نشرته "الشرق الاوسط" السبت)، عبر تقديم دروس تجربة سنواته الست في البيت الابيض. فيؤكد ان لا عودة الى التدخل العسكري البري، ويقول اوباما مخاطبا الفصائل العراقية: "سوف نكون شركاءكم، لكننا لن نقوم بذلك عنكم. لن نرسل مجموعة من القوات الأميركية مرة أخرى على الأرض لنضع غطاء على بعض الأمور. يجب عليكم أن تظهروا لنا أنكم عازمون وعلى استعداد لمحاولة الحفاظ على وحدة الحكومة العراقية التي تقوم على الحل الوسط… لدينا بالفعل مصلحة استراتيجية في دحر داعش... ولكن لن نتمكن من فعل ذلك إلا إذا علمنا أن لدينا شركاء على الأرض قادرين على ملء الفراغ".
التدخل الاميركي هذه المرة يتم بشروط اميركية على الفصائل العراقية وايران، اذ لا تبدو الادارة الاميركية في موقع الباحث عن ذرائع لتنفيذ غاراتها الجوية وضرباتها الصاروخية اليوم، بل تشترط انتظام العملية السياسية في العراق على قاعدة عدم تهميش اي مكون عراقي كما كان الحال في العام 2003 حين غزا جيشها العراق بذريعة واهية اسمها "الاسلحة الكيماوية"، رغم الاعتراض الدولي في حينه، الذي يتحول مع تقدم "داعش" وتمدده الى قوة دعم للتدخل الاميركي في العراق لضرب فروع "القاعدة". وفي محاولة شكلية اسمها "حماية الاقليات الدينية والاثنية".
الثابت ان التدخل الاميركي في العراق سيترافق مع اعادة تكوين اللعبة السياسية في العراق، وهي اقرب الى مرحلة اختبار لسياسة الايرانية في العراق. فانحيازها الى "الحلّ الوسط"، كما سماه اوباما، سيوفر السبيل لمحاصرة داعش وتصعيد الحرب الاميركية عليها. وفترة الاختبار هذه تمتد حتى نهاية العام مع انتهاء "فترة السماح" أمام المفاوضات حول الملف النووي الايراني. قال اوباما عشية بدء الغارات الجوية على حدود كردستان العراقية لفريدمان: "اعتقد أن ما فعله الإيرانيون هو أنهم أدركوا أخيرا أن الموقف المتشدد من قبل الشيعة داخل العراق الذي يريد كل شيء سيفشل على المدى الطويل".
إذاً فالتموضع الاستراتيجي الجديد لايران في معادلة مواجهة الارهاب، الذي تحاول ايران حجز مكان خاص فيه، يترافق مع حركة سعودية – مصرية تطمح إلى تموضع استراتيجي جديد عبّر عنه خطاب الملك السعودي عبد الله في عيد الفطر في مواجهة الارهاب. وبين هذا وذاك كان رئيس الحكومة الاسرائيلية يحاول من جانبه التموضع الاستراتيجي مستفيدا من الاجماع الدولي والاقليمي على ضرب الارهاب. فخطة نتنياهو الاستراتيجية كانت تدور حول انهاء السلطة الوطنية، وانهاء ابو مازن سياسيا. ونجح نتنياهو في القتل والتدمير ومحاصرة حماس وتهشيم السلطة الوطنية. والخسائر الفلسطينية لم تحقق لنتنياهو كامل اهدافه.
الاشهر الثلاثة المقبلة تمثل فترة الاختبار الاميركية، ونجاحها في العراق سيكون مؤشره استبعاد نوري المالكي عن رئاسة الحكومة، والقدرة على اجتذاب المكون السني وامتداده العربي الى معادلة السلطة. وهذا اذا تحقق سيعطي قوة دفع للتغيير في سورية، اي الحل السياسي الذي لا يستبعد المكونات السورية، ويفرض خروج الرئيس بشار الاسد من السلطة كخروج المالكي، اي عدم المسّ بأي من الشركاء والمكونات السورية.
وفي تصريح من داخل السلطة الايرانية هو الاول من نوعه ويؤشر الى استعداد للتخلي عن شخص الرئيس السوري حمّل حسين شيخ الاسلام، السفير الايراني السابق في سوريا والمستشار الحالي لرئيس مجلس الشورى الإيراني، حمّل الرئيس بشار الاسد المسؤولية عن نشوء العنف في سوريا وانتشاره، إذ اكد انه “كلما تجمّع اربعه اشخاص للتظاهر، كان الجيش السوري يطلق النار عليهم بدل ان تتعامل الشرطه مع المتظاهرين”. (لقاء نشر في العدد الثاني من مجله “رمز عبور” الاسبوعيه الايرانية)
عاد الرئيس سعد الحريري الى لبنان على وقع هذه المؤشرات في مرحلة التحولات، التي اراد من خلالها استباق التحولات الاقليمية بالمبادرة إلى تحضير المسرح اللبناني لالتقاط لحظة التسوية عبر تثبيت مرجعيته السنية واللبنانية، ومنع تمدد الداعشية السنية الى البيئة اللبنانية، بمزيد من تبني خيار الدولة. خطوة يدرك خصوم الحريري انها ستوفر له مزيدا من القوة في السلطة. قوة ستدفع نحو حسم الخيار المؤجل، اي الانتقال الى تبني معادلة "انتخاب الرئيس اليوم افضل من الغد"، ولو من اجل منع تحول سعد الحريري رئيسا فعليا للجمهورية... بفعل فراغ الرئاسة الاولى وعودة الحريري.