لا ألوم أجيالا ما رأت في حياتها نصرا حينما تنبهر انبهارا مبهرا بالتجربة
الأردوغانية، ولا ألومها حينما تلقي عتبها على "فشل الإسلاميين" السياسي في العالم العربي، لكن ألومها حينما تضع كل اللوم على ا?سلاميين، وكأنهم لايفكرون!! بل يعتريهم الغباء السياسي!!!
وكأن المتهِم- بكسر الهاء- يرى في نفسه لو كان مكانهم لأحدث المعجزات "الأردوغانية"!!!
أردوغان عندما بدأ تجربته عنون حزبه "بالعدالة والتنمية" بعد مخاضات قانونية عسيرة، ما يدل على تجاوز موضوع الحرية، لأنها تحصيل حاصل في
تركيا، بينما غيره من الإسلاميين العرب كالمصريين مثلا عندما بدأوا عنونوا لحزبهم "بالحرية والعدالة"، يعني لازلنا كعرب نحلم بالحرية ونحبو نحوها حبوا، والتي تتكشف آلامها عند أي استحقاق انتخابي.
في انتخابات الرئاسة
المصرية وبعد انكشاف المشهد ودموية الجيش والغرب معا، قال البعض عن ا?سلاميين انهم اقترفوا جريمة سياسية حينما نزلوا للرئاسة.. وأنهم كانوا "أغبياء" في ذلك!
أقول لهؤلاء: متى برأيكم سيعترك الإسلاميون العرب السياسة ومتى سيبدأون؟ وهل هناك نظام عربي ديموقراطي غير مستبد؟ وهل هناك تجربة سياسية إسلامية عربية لم تقابل بدموية بعد؟! وهل ستتحول الأنظمة العربية إلى ديموقراطية تعترف بالهزيمة كما حصل في تركيا من تلقاء نفسها دون نقطة بدء؟
لابد من نقطة البدء! وبلا أدنى شك إن نقطة البدء في العالم العربي حتما ستكون مكلفة، لأنها تأتي بعد أكثر من قرن من الاستبداد والتخلف والعبودية والجهل والفقر، من هنا يأتي لومي لهذا الجيل الذي يستغبي الإسلاميين العرب، فلم يربطوا المقدمات بالمآلات حتى يصلوا لأحكام دقيقة.
يستشهد هؤلاء بالتجربة التونسية، وكيف أن النهضة حقنت الدماء بانسحابها من المشهد السياسي وتنازلها عن حكومة الترويكا.. لكن وقعوا في نفس الفخ الإدراكي أنهم حكموا على جزء من المشهد الذي لم ينته بعد.. وعند أول انتخابات سنرى مايحدث! هل تحققت البنية التحتية للحرية في تونس؟
فإن أفضل شريط فحص للحمل الصادق والكاذب لمكتسبات الربيع العربي هي الانتخابات، وماهي عنا ببعيدة في تونس، وبعد ذلك يمكن للجميع الحكم بدقة على أفضلية تجربة على تجربة.
قد يقول قائل: ألم يتقدم أردوغان على أربكان الذي أطاح به العسكر؟. لقد نسي هؤلاء أن أربكان استطاع الوصول للحكم، ولم يطح به خصمه دمويا بل قانونيا، وفي جميع مراحل العمل، حتى منذ كان أردوغان رئيسا لبلدية اسطنبول في مطلع التسعينات، واعتقل لإلقائه شعرا مناهضا للعلمانية، فاعتقاله كان حسب قانون الدولة العلماني ليس دمويا بل قانونيا، وياليت خصوم الإسلاميين العرب كعسكر تركيا، فأخذ أردوغان كلمة السر وانطلق بها وواجه ماواجه ولم تحدث حالة دموية واحدة، كانت كل سجالاته قانونية، فالحرية مقدمة للعدالة والعدالة مقدمة للتنمية.
لذلك تجاوز أردوغان موضوع الحرية وانطلق نحو إقرار القانون المفضي للعدالة وللتنمية. إذن أردوغان بدأ من أرضية تحققت فيها نقطة البدء على يد اربكان وعلى أرضية نظام ليس بعمق الأنظمة العربية السحيقة في العمق، بل أرضية مؤسسية يعلو فيها صوت القانون، بيد أن الإسلاميين العرب بدأوا بلا ارضية ينطلقون منها، فالاعتقالات بلا مبرر والإعدامات منذ الاستعمار البريطاني والفرنسي واستكمالا بالأنظمة الشمولية التي زرعها الاستعمار، والقتل بعشرات الآلاف والتهجير والتشريد والتجويع والإذلال، حيث دائما نقطة البدء في مثل تلك الظروف مكلفة لأنها ستفضي للحرية.
ا?جيال التي ألومها وتشاهد المشهد تَحقَق إدراكها من النتائج وبعد انكشاف المشهد لا من المقدمات والنتائج معا وصولا إلى التنبؤ بالمستقبل، ولست بذلك أبرر قصور الإسلاميين العرب في الوصول، وبلا أدنى شك أن هناك أخطاء ارتُكبت في مسيرة العمل السياسي الإسلامي لا نستطيع تبريرها بأي حال من الأحوال.