لم تكن تتوقع الحاجّة أم سمير أن تعيش في بغداد، عندما زرتها مرة لحضور مجلس عزاء أحد أقرابها، فبغداد أبعد ما تكون في نظرها عن منزلها وقريتها في
الأنبار، وأسلوب حياتها الذي لا تفضل غيره.
وهذه ليست حال أم سمير وحدها، حيث نزحت آلاف العائلات
العراقية من مدينة الرمادي باتجاه المدن والقرى القريبة، أو في الصحارى والبساتين، فيما استقرت عائلات في المدارس الحكومية وساحات واسعة تحت أشعة الشمس دون أن تتمكن من إيجاد سقف لها لعدم توفر الخيم، أما عائلات أخرى فقد فرت باتجاه العاصمة بغداد وإقليم كردستان، ويوما بعد آخر تزداد معاناتهم بعيدا عن ديارهم ما ينذر بكارثة انسانية.
تروي أم سمير، 60 عاما، في حديث خاص لـ"عربي 21" "أعيش في كابوس دائم وأنا بعيدة عن بيتي وعن محافظتي فقد تغيرت حياتي كثيرا، فقد كنت قبل نزوحنا أسكن في بيت كبير جدا، أنا و أولادي الثمانية، واليوم بعد أن أشفق علينا أحد الأشخاص جعلنا نسكن في غرفة صغيرة ضمن مدرسة في أحد ضواحي بغداد".
تتابع أم سمير "مساحة الغرفة التي نجلس فيها غير متناسبة مع عددنا، فهناك ثلاثة من أولادي متزوجين ولديهم أولاد أيضا، ولا نستطيع استئجار بيت كبير لأن ذلك يكلفنا كثيرا"، وتضيف بحزن "أكثر من سنة مرت، يكفينا تهجيرا ونزوحا عن ديارنا، وأطالب الحكومة المحلية في الأنبار بإعادتنا إلى منازلنا فورا لأن الوضع ماعاد يطاق".
بدورهم، أكد نازحون من مدينة الرمادي، أن بيوتهم قصفتها الطائرات بعد نزوحهم عن القرى في البوبالي، والبوفراج، البوجابر، وأحياء حي الملعب وشارع عشرين، دمرت بالكامل ولم يجدوا أمامهم من سبيل سوى السكن في العراء والصحارى.
أما حال هذه الأماكن، فهي تفتقر إلى كل مقومات العيش الكريم فلا خدمات ولا ماء صالح للشرب ولا كهرباء، بالإضافة إلى غياب الرعاية الصحية في هذه المنطقة مما يزيد من حجم الكارثة مع ارتفاع درجات الحرارة في العراق حيث تبلغ معدلات فوق 50 درجة مئوية، يضاف إلى ذلك انعدام توفير الخيم والأمن والبقاء تحت خطر الموت في كل لحظة.
ويتساءل النازحون عن الفترة التي سيقضونها بعيدا عن ديارهم، فما يرونه في وسائل الإعلام وما يسمعونه من أقاربهم من تطورات في مناطقهم لا يدل على عودة قريبة وهو ما يقلقهم ويضاعف من معاناتهم.
لكن عائلة الحاج أبو خليل 73 عاما دفعتها الظروف الأمنية في الرمادي إلى اللجوء والاستقرار في أحد بساتين حزام بغداد حيث تنعدم الحياة، بحسب أبو خليل الذي قال لـ"عربي 21" "أعيش ظروفا قاسية، أنا وعائلتي المكونة من 5 أفراد، تركنا كل شيء وراءنا بعد أن قصف منزلنا بالطائرات، ولم يبق لنا شيء، هربنا بحثا عن الأمان وحفاظا على حياتنا".
يجلس أبو خليل وعائلته في بستان صغير تغيب عنه الخدمات بجميع أشكالها مثل الماء والكهرباء، لكن ما يزيد الأمر صعوبة بحسب وجهة نظره، هو عدم ظهور أي بادرة من الحكومة العراقية ولا أي منظمة إنسانية للنظر في معاناتهم اليومية، ما قد يدفعه للنزوح إلى مكان آخر بحثا عن الكهرباء والاستقرار والعيش الكريم، لكنه مازال يعد الأيام والساعات للعودة إلى منزله المهدم والذي أصبح حلما يراوده ليل نهار كما يقول.
وفي مدينة الرمادي، حث عدد من شيوخ العشائر ورجال الدين المواطنين إلى التظاهر أمام مبنى المحافظة للمطالبة بإعادة الآلاف من العائلات التي فرت من المدينة بعد تكثيف القصف عليها، إذ ما زالت العمليات العسكرية مستمرة بين المسلحين وقوات الأمن العراقية في بعض القرى والمدن، ما يجعل حلم آلاف النازحين للتفكير بالعودة إلى ديارهم صعب المنال .