كتب
بسام البدارين: يلمس الزعيم السياسي لحركة حماس خالد
مشعل تلك المنطقة التي يعرفها ورفاقه جيدا في موقف بعض عناصر الطبقة الرسمية الأردنية السلبي جدا منه ومن حركة حماس عندما يعلن وللأردنيين عبر حلقة تلفزيونية بأن دولتهم هي «أثرى» الدول وأكثرها كرما في إغاثة الشعب الفلسطيني في غزة.
ذلك صحيح إلى حد بعيد وملموس فالأردنيون تقاسموا في حملات التبرع لقطاع غزة رغيف الخبز ودولتهم «الطفرانة» والكحيانة نظمت عشرات القوافل والأردنيات في قرى بادية شمال الأردن تبرعن بما تبقى لديهن من قطع ذهبية وحملات التبرع بالدم في كل مكان.
لا يناور مشعل في مثل هذا الموقف فهو «أردني سابقا» تم إبعاده عن بلاده مباشرة بعد وقت قصير من إعلانه الفضل للملك الراحل حسين بن طلال عندما أنقذ حياته في حادثة شهيرة خطط خلالها الموساد لاغتيال الرجل وفي وضح النهار ووسط عمان.
مشعل، سياسيا محب للأردن ومصر على عدم إفتعال أي مشكلة من أي نوع معه أو داخله رغم جماهيرية حركة حماس وسط الشرفاء والبسطاء ومعروف بتعليقاته الدبلوماسية والناعمة جدا عندما يتعلق الأمر بالأردن الرسمي حتى عند بروز حالات إستفزاز وحتى عندما يتبين أن الحكومة الأردنية مصرة على الإسترسال في عدم التحدث مع ممثلي «نصف الشعب الفلسطيني» والاكتفاء بالنصف الذي ترك البندقية وأوغل بالفساد، الأمر الذي يحرجني أنا كمواطن أردني.
كلمات مشعل ورفاقه بحق الأردن كانت دوما «دافئة وعاطفية» لكن نخبة من أركان القرار وخصوصا في الحلقات الضيقة لا تريد الإصغاء لإيقاع الدفء وتسهر وتحرص على وضع القيادة السياسية للبلاد في اتجاه خيار إستراتيجي واحد ويتيم بخصوص حركة حماس والمقاومة يضع الأردن دوما في كفة واحدة ويحرم المملكة الأردنية الهاشمية من هوامش مناورة مصلحية وسياسية متعددة.
إصرار بعض الآذان في حلقات الإدارة الأردنية العليا على صم الآذان والمجازفة في عملية «تحريض» خشنة ومقلقة داخل دوائر القرار لا يفيد الأردن بشيء ولا مصالحه السياسية بل يمكنه إذا لم تتصد له القيادة أن يؤدي إلى السحب من رصيد النظام وحرمان المملكة من عوائد مهمة سياسيا على الصعيد الإقليمي والسياسي والأمني.
والمصرون على إغلاق أبواب عمان في وجه ممثلي
المقاومة والجزء المقاوم من الشعب الفلسطيني لا يقفون فقط عند محطة المجازفة بتلك العوائد والمصالح بل يتمسكون بخطاب بائس وسقيم مرسوم على أجنداتهم الشخصية التي بدأت تثير الشكوك خصوصا وأنها تعبث بإيقاعات أو تنتج إيقاعات عابثة بدون مبرر أو مسوغ.
وبين هؤلاء للأسف الشديد مسؤولون كبار ومستشارون يفترض أنهم مؤتمنون يصرون على «شيطنة» الإخوان المسلمين في الساحة وحلفائها في حركة حماس ويثيرون القلاقل في هذا الإتجاه ويفلتون من العقاب في الواقع والمراجعة ويواصلون مهمتهم في التحريض على مكون أساسي في المجتمع كان له طوال عقود دورمحوري في الاستقرار الأهلي والأمن الاجتماعي.
لماذا يفعل هؤلاء ذلك؟… لا أعرف بصورة محددة لكن المقلق أكثر السؤال التالي: لماذا يسمح لهم دوما بفعل ذلك؟
وبدأت بعض الأوساط تشعر بأن الحملة المسمومة على الإخوان المسلمين والخيار العبثي إستراتيجيا في إقفال الباب أمام المقاومة سواء أكانت إسلامية أو حتى علمانية تعكس نكهة انقسامية وميلا للإساءة للوحدة الوطنية تختفي وراء إجتهادات غير منطقية.
ولو كنت صاحب قرار ـ لا سمح الله ـ في الأردن لاعتبرت التواصل الدائم مع رموز ومؤسسات المقاومة الفلسطينية مسألة مركزية في مصالح بلادي لا تقل أهمية بحال من الأحوال عن التعاون الدائم مع إسرائيل وغيرها فمن حق الأردن أن يشعر بتعددية خياراته الإستراتيجية.
ومن حق مؤيدي حماس والمقاومة في الشعب الفلسطيني أن يشعروا بأن الأردن الرسمي «يحترم» تضحياتهم الجسيمة خصوصا وأن دماء الشهداء الفلسطينيين هي الرد الأمثل والأسرع على فرية «الوطن البديل».
وقيل لنا عشرات المرات بأن عبقرية الأداء الأردني تكمن في قدرة عمان على التحدث مع جميع الأطراف في أي وقت … لماذا حركات المقاومة الفلسطينية هي الاستثناء الوحيد في هذه العبقرية ولمصلحة من يحرص مسؤولون كبار على حرمان القيادة والشعب خلف الستارة من تعددية التواصل والخيارات خصوصا وان «التواصل» مع المقاومة الفلسطينية قد يكون الخطوة اليتيمة فعلا في حال وجود مشروع حقيقي للتصدي «للتوطين».
ولا تريد حركة حماس وقيادتها وجودا دائما في الساحة الأردنية ولا مقرات ولا إستقبالات على سجادة حمراء ولامرافقين ولامواكب..فقط المطلوب قدر من الاحترام لتضحيات الشهداء وللدفاع الاستراتيجي »المسلح» عن الدولة الأردنية في عمق معادلة العدو الإسرائيلي.
ونتحدث عن تواصل طبيعي في بلد تخاطبت وتواصلت حكومته مع كل أصناف التجار من معارضي النظام السوري ومع العديد من مجموعات التشدد الأصولية ومع مجاهدي خلق وثوار أرتيريا وغيرهم وكان الإسلاميون الفلسطينيون هم الإستثناء الوحيد.
وقد نختلف سياسيا كأردنيين مع المقاومة لكن ليس عليها بكل تأكيد وقد نتعارض مع خالد مشعل ورفاقه لكنهم في النهاية مقاومون فلسطينيون يدافعون عن كرامة الأمة ويتصدون بدلا عنا كأردنيين لمشروعات الوطن البديل وواجبنا الأخلاقي إن كنا لا نريد التواصل معهم على الأقل أن نتوقف عن إيذائهم أو المساس بهم وفي بعض الأحيان أكثر من ذلك للأسف لأن بعض الشخصيات النافذة في مواقع القرار لها رأي أو أجندة شخصية.
(القدس العربي)