سبق الإعلان عن "الفرصة الأخيرة" لمجلس شورى ثوار بنغازي التي منحتها قيادة عملية الكرامة على لسان الناطق الرسمي محمد الحجازي حديث يتداوله العامة والخاصة من أن "الجيش" سينزل بقوة للقضاء على "الإرهابيين"، وتزامن هذا الإعلان التحذيري مع زيارة يحوطها الغموض من قبل قيادات عليا إلى دولة
الإمارات.
قد لا يكون هناك علاقة على الإطلاق بين ما سبق الإشارة إليه من أحداث وتطورات، لكن العديد من المصادر ترى أن لها رابط يتعلق بأزمة حقيقية يواجهها البرلمان المنتخب والحكومة المنبثقة عنه تتعلق بـ "الوصاية" بمدلولها الإيجابي، وهي قدرته على بسط سلطته على الأرض. فالبرلمان الذي تتبعه حكومة ولديه رئيس أركان هو معزول فعليا عن مساحات كبيرة من جغرافيا البلاد، ويكفي أنه لا سلطة له على العاصمة وأكبر المدن في المنطقة الشرقية، بنغازي، هذا فضلا عن وجود معارضة نخبوية وشعبية قد لا تشكل الأغلبية، ولكنها كافية للتشويش على شرعية البرلمان، وفي الحد الأدنى التشويش على قراراته.
هذه الأزمة يبدو أنها تتمحور في أذهان صناع القرار في طبرق في عجزهم عن امتلاك قوة حقيقية على الأرض، بعد أن انقلب مسار عملية الكرامة من الهجوم إلى الدفاع حيث يقف مقاتلو مجلس شورى ثوار بنغازي على تخوم أهم معقل عسكري لجيش
حفتر وهي "الرجمة"، فيما تحاصر قوات فجر
ليبيا كتائب القعقاع والصواعق و"جيش القبائل" في معلقهم بـ "ورشفانه" بعد حسم معارك العاصمة.
ولأن ميزان القوى العسكرية مختل بحدة لصالح الطرف الآخر يبدو أن صناع القرار في البرلمان والحكومة ورئاسة الأركان يشعرون بخطورة الوضع فـ "غامروا" بالذهاب إلى "أبوظبي"، بعد تواصل قوي مع مصر، والمغامرة هنا تنشأ من موقف الدولتين المشار إليها من الأحداث في ليبيا، وتورطهما الكبير إلى درجة تدبير عمل عسكري وقصف قوات فجر ليبيا وقتل جرح العشرات من عناصرها، وهو عمل تجاوز المقبول أو المتعارف عليه في مواقف الدول من الأزمات المحيطة بها أو التي تهمها، والدليل على ذلك إدانته من حلفاء الدولتين في أوروبا وأمريكا، وما كان تسريب مسؤولين أمريكيين لخبر تورط الدولتين في العملية إلا تعبيرا عن الرفض لهذا التدخل، خصوصا وأنه جاء بعد بيان السبع الكبار الذي حذر من أي تدخل أجنبي في الشأن الليبي.
لكن إصرار القاهرة وأبوظبي على المضي في موقفها في دعم طرف سياسي في الصراع ربما شجع قيادة البرلمان والحكومة في التعويل عليهما في فرض التوازن ثم بسط النفوذ، وننوه أن البرلمان برغم أنه السلطة الشرعية المنتخبة، إلا أنه باتخاذه قرارا تبني عملية الكرامة، المجرَّمة من قبل المؤتمر الوطني والحكومة ووزارة الدفاع ورئاسة الأركان قبيل انتخابات البرلمان، أصبح طرفا في صراع سياسي، ويعد قراره هذا من أكبر أخطائه التي وضعت شرعيته في مهب الريح، إذ من المفترض أن يكون برلمان الجميع وينأى بنفسه عن الصراعات أو دعم أي طرف فيها.
تناقلت دوائر خاصة أن الوفد الليبي العالي المستوى يهدف من الزيارة حث الإمارة على المساعدة في توفير غطاء جوي لمعارك بنينه والمناطق التي حولها، خصوصا بعد سقوط أغلب الطائرات التي يملكها جيش حفتر، وتقدم قوات مجلس ثوار بنغازي في المعارك، باعتبار أنه صار من الصعب وقف عملية فجر ليبيا في العرب الليبي، وبالتالي يبقى الرهان على تأمين "برقة"، ولا يمكن أن تكون برقة من دون بنغازي، التي تمثل نصف سكان المنطقة الشرقية، والقلب النابض فيها سياسيا واقتصاديا.
ويربط البعض بين زيارة قيادة طبرق لمصر والأمارات وبين الموقف الفرنسي من الأزمة الليبية والذي عبر عنه الرئيس الفرنسي مؤخرا، غير أن الضغوط التي تعرضت لها إمارة أبوظبي من قبل واشنطن قد يحول دون تلبية رغبات الوفد الليبي، لذا فإن الدعم ربما سينحصر في توفير المال والدعم اللوجستي، وهو محدود الأثر في ظل المعادلة العسكرية الحالية، فالمدرعات التي تحصلت عليها كتائب الصواعق والقعقاع من أبوظبي لم تصمد في معارك طرابلس، فيما كان بالإمكان تغيير الواقع في حال استمرت عمليات القصف الجوي.
سياسيا قد تؤكد الزيارة على إصرار صناع القرار في طبرق على المضي في خط المصادمة مع قطاع واسع من الرأي العام ظهر وزنه في المظاهرات الكبيرة في طرابلس وبنغازي ومصراته وغيرها من المدن، ومع القوى المسلحة على الأرض، حيث أن الزيارة ما كانت لتشكل قلقلا أو تثير جدلا لو كانت للكويت أو البحرين مثلا، أما ان تكون الوجهة أبوظبي المتهمة من قبل فجر ليبيا والجموع المؤيدة لها بانتهاك السيادة وقتل الثوار، فإنها لن تسفر إلا على مزيد من التخوين للبرلمان، ومزيد من الاستقطاب وربما الاقتراب أكثر من سيناريو التقسيم.