حوار صحفي أُجري منذ أيام مع ضابط سابق بالمخابرات المصرية، كان كفيلا بنسف الصورة الذهنية لرجال الجهاز الذين حرصوا لعقود طويلة على إحاطة أنفسهم بهالة من الغموض والهيبة.
وخلال عقود طويلة رسخت الدولة المصرية وأذرعها الإعلامية مفاهيم خاصة عن العاملين في جهاز
المخابرات العامة وإظهارهم في صورة الرجال الوطنيين المتفانيين في خدمة بلادهم ويعملون في صمت بعيدا عن الأضواء للدفاع عن الوطن واصطياد الجواسيس الذي يعملون لحساب الأعداء الخارجيين.
وكان المصريون يعرفون عن رجال المخابرات بعدهم عن الصراعات السياسية الداخلية وانهم يقدمون التقارير السليمة للمسئولين في الدولة لاتخاذ القرارات السليمة، بحكم معرفة كافة التفاصيل عن ما يدور في البلاد.
لكن
وكيل المخابرات العامة السابق اللواء ثروت جودة، نجح في تشويه سمعة الجهاز، عبر حوار صحفي واحد أجراه الأسبوع الماضي لا زالت أثاره ممتدة إلى الآن.
وقال جودة في حواره "الكارثي" مع صحيفة الوطن المصرية إن المخابرات العامة لم تمد الرئيس محمد
مرسي بأي معلومة صحيحة طوال فترة حكمه، وأنه قال للواء رأفت شحاتة عندما تولى منصب رئيس الجهاز فى عهد الإخوان: "إنس القسم الذي حلفته أمام مرسي، لأن هذا القسم لا يخصنا".
وبهذا التصريح، أكد جودة أن الجهاز لم يتعاون مع الرئيس بل تعمد تضليله بتقارير
خاطئة بسبب خلافه السياسي معه، وأظهر أن
المعلومات تعد ملكا للجهاز وليس الوطن، ومن حق رجال المخابرات إخراج المعلومات التي يريدها رئيس الجمهورية أو لا.
كما أكد كلامه صحة موقف الإخوان المسلمين من أن المخابرات تآمرت على الرئيس، وأن مؤسسات الدولة لم تكن تتعاون مع مرسي وخططت لإفشال تجربته.
ومنح الرجل بهذا التصريح الرئيس مرسي دليل البراءة من تهمة تسريب أسرار الدولة العسكرية إلى دول أجنبية وهي التي يحاكم بسببها الآن، إذ تساءل كثير من المصريين عن سبب محاكمة مرسي بتهمة إفشاء أسرار الدولة إذا كان وكيل المخابرات
يعترف علناً أنهم مدوا الرئيس بمعلومات غير صحيحة؟
وفي الحوار أيضا قال جودة إن 90% من ضباط الجيش كان سيتحركون بمفردهم وينضمون لمظاهرات 30 يونيو إذا لم يكن السيسي قد اتخذ قرارا بالإنقلاب على مرسي، وهنا أظهر القوات المسلحة وكأنها مؤسسة غير منضبطة يتحرك أفراردها بشكل شخصي وبالمخالفة لأوامر قادتهم.
وعندما حاول تصحيح الخطأ في حوار لاحق مع قناة "العربية" قال إن مرسي طلب معلومات حساسة لا يحق له طلبها مما أثار الشكوك حوله، وضرب مثلا بهذه الملفات الحساسة العلاقات مع إيران وأمريكا وحركة حماس، وكأنه ليس من حق رئيس الجمهورية الإطلاع على هذه الملفات.
نفي وتهديد
وعقب نشر صحيفة الوطن للحوار، احتفى به ثروت جودة، ووضع رابط له على صفحه على "فيس بوك" واستقبل من أصدقائه التهاني والإعجاب به باعتباره حوارا جيدا.
لكن، وبعد أن سبب الحوار حرجا كبيرا لعدة جهات منها القوات المسلحة والمخابرات، حيث صب في صالح الإخوان والرئيس مرسي، تراجع جودة وأعلن أن الحوار تم تحريفه.
وردا على هذا التكذيب، أكدت صحيفة الوطن صحة الحوار، وهددت بأنها سوف تذيع التسجيل الصوتي لتثبت كذبه، إن هو لم يعتذر عن إهانته لها.
بدوره، أعلن الرجل أنه سيقاضي الصحيفة ورئيس تحريرها والصحفية التي أجرت معه الحوار بتهمة تشويه سمعته، لكن هذه الخطوة حملت سببا إضافيا لإظهار مدى الفشل المعلوماتي التي وصل إليها رجال المخابرات في مصر، حيث لم عجز وكيل المخابرات السابق - أقوى جهاز معلومات في البلاد - عن معرفة الاسم الثلاثي لمجدي الجلاد والصحفية منى مدكور التي أجرت معه الحوار حتى يتمكن من تقديم بلاغ ضدهما، وطلب مساعدة زوار صفحته على "فيس بوك" في هذا الأمر.
وأصبح هذا الطلب مثار سخرية وتعجب نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، ليس فقط لعجز الرجل عن معرفة الاسم الثلاثي لصحفي شهير، بل لجهله أيضا بقواعد القانون المصري، حيث يكفيه الإشارة إلى صفة رئيس التحرير الوظيفية دن الحاجة إلى ذكر اسمه كاملا، لأن هذه الدعوى ليست دعوى شخصية وإنما بسبب ممارسته لعمله.
المخابرات تتبرأ منه وتكذبه
وإزاء كل هذه التصرفات والتصريحات الكارثية وما سببه الحوار من أضرار بالغة لأجهزة الدولة، أدلى اللواء رأفت شحاتة مدير جهاز المخابرات السابق بتصريحات تلفزيونية نفى فيها كل ما جاء على لسان ثروت جودة.
وأكد شحاتة في مداخلة مع قناة الحياة مساء السبت، أن المخابرات عملت مع الرئيس مرسي بنزاهة، وقدمت له نصائح ومعلومات صحيحة، منها ضرورة تغيير الحكومة والنائب العام والإعلان الدستوري والتوافق مع الأحزاب وجبهة الإنقاذ، مشيرا إلى أن الرئيس لم يعتمد على المؤسسات وأمسك الدفة بشكل خاطئ.
كما كشف شحاتة عن أن ثروت جودة لا يحمل رتبة لواء كما يدعي، وأنه لم يشغل منصب وكيل المخابرات وأنه خرج من الجهاز برتبة عميد عام 2006 وأنه ممنوع من دخول الجهاز منذ ذلك التاريخ.
وفي أول تعليق له على تصريحات رأفت شحاتة، أقر ثروت جودة بكذبه، وكتب على صفحته على "فيس بوك" أنه يحترم رئيسه السابق ولن يعلق على كلامه، بل هدد كل من يعلق على كلام رئيس المخابارت السابق بحذفه من الصفحة، مؤكدا أن الحديث في هذا الموضوع انتهى، لكن بعد أن ألحق بسمعة جهاز المخابرات أذى بالغ.