تعي جيّدا القيادة في مصر مدى
الفجوة الفاصلة بين الحركتين
فتح وحماس، على الرغم من توصلهما إلى اتفاق وطني في أواخر نيسان/ أبريل الماضي، يقوم على إعادة اللحمة وإنهاء الانقسام، الذي ساد على مدار سبع سنوات فائتة، ولولا حرصها على مكانتها في المنطقة، وخشيتها من دخول أقدامٍ غريبة على حسابها، علاوة على تخوّفها من أن استمرار
الخلافات بينهما ستنعكس سلباً على مفاوضات التهدئة مع إسرائيل، لما ترددت في الاستغناء عن استكمال رعايتها لمشروع المصالحة بينهما وإلى يوم الدين.
لا نُكران بأن الحركتين قد (أظهرتا) بأنهما مصممتان على حل نقاط الخلاف والعودة إلى الوحدة، وأكّدتا مراراً عن عزمها السير قدماً من أجل معالجة كافة الخلافات القائمة، والتي تهدد المسيرة التصالحيّة، وأبديتا في الوقت ذاته تفاؤلهما باتجاه إنجاز تفاهمات، لكن السؤال هو كيف تسوغ كل منها لنفسها تفاؤلها؟
نحن نعلم ما هي المواضيع وما هي المعايير التي يمكن أن توصل إلى أن يحصل مثل هذا التفاؤل، سيما وأن الحركتين تزخران بما طاب من خلق الاشتراطات وبما يتناسب مع سياستها والمتناقضة تماماً عن الأخرى. فإن كل منهما باتت وقد اتهمت الأخرى بقيامها بحملة تحريض مستمرة، في محاولة للتنكّر من جميع التفاهمات الحاصلة وخاصةً في كلٍ من الدوحة والقاهرة، وأنهما غير مهتمّتان بحكومة التوافق أو نجاحها.
وتجدر الإشارة إلى أن الخلافات بينهما، قد تطورت أكثر في أعقاب العدوان الصهيوني – الجرف الصامد- فقد اتهمت حركة فتح، حكومة
حماس بأنها مسؤولة عن العدوان الإسرائيلي، وأن حكومتها تعمل كما المعتاد داخل القطاع، ولا تسمح لحكومة التوافق بأن تستلم أعمالها، وذهبت إلى أبعد من ذلك في مسألة محاولة حماس بإحداث فوضى داخل منطقة الضفة الغربية، وبالمقابل، فقد اتهمت حركة حماس حركة فتح، بأنها هي التي تسيّر حكومة التوافق بحسب أهوائها فقط، كما أنها تتجاهل قضايا وطنية رئيسة وأهمها، عدم تفعيل المجلس التشريعي وعدم الاهتمام بالتحضير للانتخابات التشريعية والرئاسية، فضلاً عن عدم رغبتها في انعقاد الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير، وعدم جديّتها في تطبيق سياسة متوازنة في القطاع، علاوة على مطالبة حماس بمشاركة فعلية في إدارة السلطة والمشاركة الكاملة في صنع القرار، في أعقاب شعورها بأنها مستثناة عمداً من أن يتحقق لها أي نوع من المشاركة.
لا يوجد الكثير من التعويل على نجاح المفاوضات والخروج باتفاق وتفاهمات تنهي الأزمات القائمة أو تحِد من الأقل، بسبب أن الطرفين غير قادرين على التوصل إلى اتفاق مهم، وبرغم معدومية الخيارات أمامهما، وقضية العودة إلى المفاوضات جاءت فقط بسبب حاجتهما إليها، وذلك من أجل الوصول إلى أهدافهما من خلال تثبيت سياسة وانتزاع تنازلات في المسائل الثانوية، ومن جهةٍ أخرى كسب ثقة الجمهور الفلسطيني، من أنهما ترغبان في المصالحة وأن الحركة المقابلة هي من يُعيق مسيرتها، والأهمّ، عنايتهما أكثر، بالوصول إلى الانتخابات وبأي شكل، والتي تقرر إجراؤها بعد ستة أشهر من تشكيل حكومة الوحدة في أوائل حزيران/ يونيو الماضي، بسبب أمل كلٍ منهما بإزاحة الأخرى عن الحكم.
وضمن هذه البيئة، فإن ما يُفترض انتاجه من المفاوضات، هو تأجيل القضايا التي من الصعب التلاقي معها، على سبيل المثال، سلاح حماس – المقاومة- وقضية التنسيق الأمني مع إسرائيل، كما ستتمكنان من إحراز اتفاقات أو تفاهمات فقط على مجموعة من الفروع أو الأمور الهامشية، والتي تتمحور حول تمكين الحكومة التوافقية من العمل داخل القطاع وإن بنسبة ما، بما يتلاءم مع متطلبات الحياة، وعلى رأسها تسهيل عمل المعابر من أجل الشروع في إعمار القطاع، وإيجاد حلول مناسبة لدفع رواتب موظفي حماس.
وعلى أيّة حال، فإنه حتى في حال وصولهما للانتخابات، فإنها لن تكون النهاية، بل ستكون البداية مجدداً، ففي ضوء فازت حركة فتح، فإن خشية حماس ستتزايد من أن تطالب السلطة الجديدة بتسليم السلاح الذي صنعته بأيديها، لتتبرع به إلى الولايات المتحدة على الأقل، بسبب أنها لا تؤمن به مطلقاً، وبالمقابل فيما إذا فازت حماس، فإنها بالطبع ستطالب بكل أوراق أوسلو لتقوم بحرقها ونثر رمادها في البحر، وفي حال فوزهما معاً واستطاعتهما تشكيل حكومة وحدة وطنية، فعندها سنكون على موعد مع حصارٍ إسرائيلي جديد.