رغم توقيع "اتفاق السلم والشراكة" بين المكونات السياسية
اليمنية، برعاية المبعوث الأممي، الأحد الماضي، والذي جاء متمما لأسابيع من الاحتجاجات التي قادتها جماعة الحوثي، وانتهت بسيطرة
الحوثيين بشكل شبه كامل على العاصمة صنعاء، يبدو مستقبل البلاد "ضبابيا".
ظواهر جديدة باتت ترسم ملامح صنعاء ليس آخرها استحداث الحوثيين لنقاط تفتيش في أغلب شوارع العاصمة كبديل لنقاط الجيش والأمن، ومنازل للخصوم السياسيين لجماعة الحوثي ومن بينهم حزب الإصلاح الاسلامي والموالون له تهاجم تحت مبرر البحث عن أسلحة ومطلوبين، تثير مخاوف بـ "دولة الميليشيات".
روايات شهود عيان تشير إلى أن سقوط صنعاء بأيدي الحوثيين الذين اعتبرته الجماعة يوما وطنيا ويوم نصر، حسب كلمة متلفزة لزعيمها عبد الملك الحوثي، ربما لا يكون نهاية المطاف أو آخر حدود أطماع الحوثيين.
ففي ظل هشاشة الدولة تكتسب جماعة الحوثي مزيدا من الأرض على الصعيدين السياسي والميداني خاصة مع استيلائها على أسلحة من مقرات المنطقة العسكرية السادسة واللواء الرابع المرابط في مبنى التلفزيون، وتوجهها نحو مقار أمنية أخرى في جنوب العاصمة كـ "معسكر الخرافي" و"جهاز الأمن القومي"، طالبين من منتسبيه تسليم أسلحتهم وتأييد ما يصفونها بـ"الثورة الشعبية".
ويتوقع مراقبون أن تنقل جماعة الحوثي المعركة القادمة إلى شرقي ووسط البلاد والتوسع بشكل أكبر بابتكار خصوم جدد، خصوصاً بعد تحذير أطلقه زعيم الحوثيين في آخر خطاباته، الثلاثاء الماضي، بأنه سيقوم بحماية معسكرات الجيش من خطر تنظيم القاعدة في محافظتي "البيضاء ومأرب".
المحلل السياسي والمحامي، عبد الناصر المودع، يرى أن مستقبل العاصمة صنعاء واليمن عموما بات "مجهولاً"، كما أن المؤشرات كلها تشير إلى أن البلد "دخل نفقاً مظلماً لا أحد يعرف متى وكيف يمكن الخروج منه، فالمستقبل سيكون أكثر فوضى وعنف سياسي وجهوي ومذهبي وتدخل خارجي أكبر".
ويعتبر المودع، أن الرئيس هادي الذي استقدم الحوثي من مران (معقلهم الرئيس في محافظة صعدة) إلى صنعاء من أجل تقوية مركزه السياسي، أخطأ في الحساب لعدم كفاءته مقارنة بالحوثي.
وحسب المودع، فإن "الرئيس اليمني وفريقه، لا يمتلكون خبرة فيما الحوثي يستلهم تراث ألف سنة من حكم الأئمة ولهذا تفوق على هادي وأجاد استخدامه لتحقيق أغراضه".
ودعا الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، في خطاب متلفز أمس الخميس، جماعة "أنصار الله" الحوثي، إلى احترام سيادة الدولة في صنعاء، محذرا من عدم تنفيذ "اتفاق السلم والشراكة"، ومشدداً على ضرورة إنجاحه وتنفيذ كل طرف لالتزامه "دون انتقائية وفق هواه".
ويعتقد مراقبون أن الخطوة القادمة للحوثيون هي "اقتحام جهاز الدولة"، بعد اقتحام المحافظات، مستفيدين من "اتفاق السلم والشراكة"، والذي نص في أحد بنوده على ضرورة التمثيل "العادل" في الأجهزة التنفيذية للدولة في المركز والمحافظات.
وقطف الحوثيون، الأربعاء الماضي، أولى ثمار "غزوتهم" الأخيرة للعاصمة التي توّجت بتوقيع الاتفاق، حيث تم تعيين أحد منتسبي الجماعة مستشارا للرئيس اليمني بقرار جمهوري وهو "صالح الصماد".
ويسود قلق بالغ من التواجد الحوثي المسلح الذي اقتحم حياة سكان صنعاء، فبعد أنباء عن انسحاب الحوثيين بعد البدء بمشاورات تشكيل الحكومة المرتقبة، جاء خطاب زعيم الحوثيين، الثلاثاء الماضي، ليقطع التأويلات، ويؤكد أن "اللجان الشعبية" سيقفون جنبا إلى جنب مع أفراد الجيش لحفظ الأمن.
الكاتب والمحلل السياسي، أيمن نبيل، يرى أن "جماعة الحوثي ستكرس مشروعها بدولة
المليشيا حتى على المستوى الدستوري"، على حد تعبيره.
ويضيف، في حديث لـ "الأناضول"، أن الاتفاق الأخير نص في بنده الثامن على توسيع الهيئة الوطنية المشرفة على لجنة صياغة الدستور، فيما نص بند آخر على ضرورة "التوافق" على الدستور، وإذا ما استحضرنا حقيقة أن الحركة الحوثية نجحت في دخول صنعاء وتقزيم وتقليم أظافر القوى السياسية المناوئة لها، فإننا "نرجح إنتاج دستور ملائم لمليشيا دينية في بعض جوانبه، وهكذا تصبح الدولة فعليا ذراعا للميليشيا".
نبيل لفت إلى أن الاتفاق الأخير لم يشر إلى "الشرعية"، كما لم يشر أو يقارب موضوع انتهاء المرحلة الانتقالية وشرعنة مؤسسات الدولة وقيادتها عبر الانتخابات، وهذا أمر لن يطيقه "حلف إسقاط صنعاء".
ورجّح المحلل السياسي أن "الفضاء العام لن يعرف الاستقرار، بل المزيد من الكوارث، وحينها سيظهر للجميع بأن الحركة الحوثية قد اختنقت بصنعاء، مالم تقفز الحركة الحوثية قفزة نوعية في السلوك والخطاب، وهذا أمر بعيد للغاية".
ويذهب مراقبون أبعد من ذلك بالقول إن الساحة اليمنية على الصعيد الميداني قد تكون ملعبا لصراعات أشد عنفا في حال نشأت "حركات عنفية مضادة" ورافضة لسلوكيات جماعة الحوثي والأعمال الانتقامية التي ترتكبها ضد خصومها السياسيين، كما قد يدخل تنظيم القاعدة على خط الصراع مع الحوثيين.
وبالفعل توعد تنظيم القاعدة في اليمن مسلحي جماعة الحوثي "بنثر أشلائهم وجعل رؤوسهم تتطاير"، قائلاً إنه سيجعل "ليلهم نهاراً وصبحهم ناراً"، واتهم الحوثيين باستكمال ما سماه "المشروع الرافضي الفارسي في اليمن".
وقال التنظيم في بيان نشرته مواقع جهادية، أمس الخميس، إن كثيرا من المحسوبين على أهل السنة والعلم والفتوى، كان لهم أثر كبير في تنامي جماعة الحوثي، وذلك بغض الطرف عنهم والسكوت عما سماها "جرائمهم"، ودعا السنة في البلاد إلى حمل السلاح وسلوك ما سماه "سبيل الكفاح".
وحذّر الرئيس اليمني، الأربعاء الماضي، من خطر حرب أهلية في البلاد، متهما قوى أجنبية بالسعي إلى إفشال عملية الانتقال السياسي، لم يسمّها، كما تتهم السلطات اليمنية إيران بدعم المسلحين الحوثيين.
ووفقاً للباحث والمحلل السياسي، محمد ناجي أحمد، فإن اليمن يمضي إلى مزيد من التمزق، فبعد سياسة "المحاصصة" التي فرضتها المبادرة الخليجية عقب الإطاحة بنظام الرئيس علي عبد الله صالح عام 2011 وأشركت النظام السابق وأحزاب اللقاء المشترك (المعارضة) في حكومة "وفاق وطني"، تتجه البلاد إلى شراكة جديدة بموجب الاتفاق الأخير سيكون الحوثيين والحراك الجنوبي هم المستفيدين الجدد منها.
وقال ناجي، في حديث لـ "الأناضول" إن "المستدام هو بقاء الكيان الوطني هشاً، بل وتعميق شروخاته وتسويره بالخوف، والجهويات والطائفيات والمذهبيات".