إذا كان "تنظيم الدولة" المعروف اعلاميا باسم "
داعش"، يجسد واقعا ملموسا في مناطق نفوذه في العراق وسوريا، فإنّ إمكانية امتداده إلى القارة الأفريقية لا ينبغي أن يؤخذ على أنّه تهديد وشيك، بل كخطر مستبعد، وفقا لشهادات متفرّقة لخبراء.
ففي
أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، تسبّبت نسائم "الربيع العربي" عموما، والحرب التي أعقبتها في ليبيا بشكل خاصّ، في ظهور مجموعات مسلحة من جديد، صنعت من الساحل الأفريقي معقلا منيعا لما يصفه التحالف الدولي بقيادة أمريكا بـ"الإرهاب الدولي". خطوة مكّنت تنظيم "
القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، والذي تنبع جذوره من الجزائر، غير أنّ تمركزه يشمل بعض أجزاء الساحل الأفريقي التابعة لكلّ من موريتانيا ومالي والنيجر.
والأمر سيّان بالنسبة لجماعة "التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا" (
ميجاو) المتمركزة في الشمال المالي، و"
بوكو حرام" في نيجيريا، وحركة "أنصار الدين"، أبرز المجموعات المسلّحة شمالي مالي.
هذه المجموعات المسلّحة التي تتوحّد أحيانا، عبر إقامة تحالفات تدعمها أهداف مشتركة أو قرابة أو جوار إيديولوجي معيّن، وتنشط بشكل منفصل في أغلب الأحيان، تعكس وجها "متطرّفا" في منطقة الغرب الأفريقي يقترب فكريا من "تنظيم الدولة"، ويتخذ من القارة الأفريقية عموما "هدفا سهل المنال، بسبب ضعف الحوكمة"، بحسب مدير مركز التحليل السياسي والاقتصادي بمالي، إيتيان سيسوكو، والذي خلص إلى وجود "تهديد يمثّله تنظيم الدولة في منطقة الساحل (الأفريقي) والمغرب (العربي)"، و"خصوصا على مستوى الشكليات".
وأوضح الخبير الأفريقي أنّ "المجموعات المسلّحة قادرة اليوم على ارتكاب أهول الفظاعات الإنسانية"، لافتا إلى أنها كانت "في السابق تبحث عن التوسّع أي ضمّ مساحات إلى نفوذها، لكنها -في الوقت الراهن- تستوحي على المستوى الشكلي أساليب عملها الجديدة من تنظيم الدولة"، مشيرا إلى أنّ هذه المجموعات تبدو وكأنّها سقطت تحت "سحر" أو "إغراء" طرق عمل "تنظيم الدولة" وأساليبه في العراق وسوريا، في إشارة إلى عمليات ذبح رهائن غربيين مؤخرا في منطقة الساحل.
ففي 30 حزيران/ يونيو الماضي، أعلن المتحدّث باسم "تنظيم الدولة" أبو محمد العدناني، في شريط فيديو تداولته المواقع الإلكترونية المقرّبة من التنظيم، قيام "
الخلافة الإسلامية" في "العراق والشام".
وبعد بضعة أيام إثر ذلك، أعلنت مجموعة "بوكو حرام" التي أعلنت تمرّدها منذ العام 2009، بشمالي نيجيريا، في شريط فيديو نشر في تمّوز/ يوليو الماضي، دعمها لـ "تنظيم الدولة".
"بوكو حرام" هذه المجموعة المسلّحة التي أودت عملياتها بحياة حوالي 10 آلاف شخص، في غضون 5 سنوات، وفقا لبيانات الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية.
وفي 24 آب/ أغسطس الماضي، أعلن زعيم "بوكو حرام"، أبو بكر شيكاو، قيام "الخلافة الإسلامية" شمال شرق نيجيريا، وفقا لشريط فيديو حصل عليه موقع المعلومات المستقلّ "مراسلو الصحراء".
ورغم أنّ زعيم تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" عبدالمالك دردوكال، المكنّى أبو مصعب عبد الودود رفض، إلى حدّ الآن، مبايعة "تنظيم الدولة"، لأسباب تتعلّق بحرب الزعامات والقيادة، إلاّ أنّ العديد من كوادر التنظيم قرّروا الانضمام إلى صفوف "تنظيم الدولة" في الشرق الأوسط.
تحوّلات بالجملة أصابت أسس تنظيم "القاعدة" بنوع من الهشاشة، وذلك عقب خسارته لبعض نفوذه في القارة الأفريقية، مقابل صعود "تنظيم الدولة".
بيد أنّ تأثيرات هذا الصعود كانت "سطحية" على المجموعات المسلّحة في غرب أفريقيا، بحسب الباحث بمركز الشرق الأوسط وشمال افريقيا بمونتريال الكندية، أديب بن شريف.
وقال بن شريف، في قراءة لهذا الجانب: "حذاري من الإفراط في منح تنظيم الدولة خصالا هيكلية لا تتوفّر عليها"، إذ "من الخطأ تصوّر داعش في شكل مؤسّسة أو شركة تمتلك فروعا إقليمية بعلاقات وأدوار محدّدة بوضوح".
ولفت الخبير إلى أنّه ينبغي تناول "الولاءات بين المجموعات (المسلحة) على غرار أنصار الشريعة وميجاو، إضافة إلى تنظيم جند الخلافة، بشكل متّصل ومتسلسل".
و"جند الموت" هو تنظيم ينشط فيما يعرف بـ"مثلّث الموت" بالجزائر، رؤوسه الثلاثة تتشكّل من محافظات "تيزو وزو" و"بومرداس" والبويرة"، المعقل الرئيسي لتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، ويتزعّمه غوري عبد المالك المدعو خالد أبو سليمان.
وتابع: "تماما مثلما هو الشأن بالنسبة لظهور المجموعات المرتبطة بالقاعدة، فإنّ بعض الولاءات لا تتجاوز نطاق خطابات الدعم، ما يعني أنها رمزية فحسب، أي أنّها جزء من استراتيجية الاتصالات المعتمدة"، إلاّ أنّ ذلك لا يمنع وجود "بعض المجموعات التي تتبنّى أساليب وطرق عمل داعش"، فمقتل إيرفيه غورديل متسلّق الجبال الفرنسي الذي خطف وقتل في أيلول/ سبتمبر الماضي، على أيدي تنظيم "جند الله" يوحي بنفس عمليات قطع الرؤوس التي تقوم بها "تنظيم الدولة".
ومع ذلك، يبقى من غير المؤكّد أن يتبنّى التنظيم في المستقبل هذا الأسلوب ويكرر فعلته.
أمّا بالنسبة لـ"سيسوكو"، فإنّ الإشكال الحقيقي يبقى، بغضّ النظر عن أسلوب العمل، متعلّقا بـ"غياب التنسيق والموارد أو الوسائل اللازمة للتصدّي لتلك المجموعات المسلّحة"، والتي من الممكن أن تبسط نفوذها، في المستقبل القريب، على مساحات متزايدة من المنطقة والقارة الأفريقية عموما، وهو ما يعني أن هناك تهديد من بعيد لتنظيم الدولة، وإن كان الخطر مستبعدا في الوقت الحالي.
وكمثال على تلك الإشكالية، أشار الخبير إلى "ما تتكبّده القوات الأممية (المنيسما) المنتشرة شمالي مالي، من خسائر في أرواح جنودها، جرّاء ظروف العمل والنقص الحاصل على المستوى العددي لقواتها، إضافة إلى سوء حالة معدّاتها المستخدمة، دون أن يثير ذلك ردّ فعل من أي شخص".
وختم حديثه بالقول: "طريق التوصّل لحلّ للمسألة الأمنية الشائكة في منطقة غرب إفريقيا تمرّ وجوبا عبر الحوكمة الرشيدة. تلك أفضل وسيلة لمواجهة خطر تنظيم الدولة المحتمل في أفريقيا جنوب الصحراء".