نالت
ملالا يوسفزاي جائزة
نوبل للسلام قبل أيام، دون أن تنجز أي شيء يخدم قضية السلام في أي مكان في العالم، ولكن العتب ليس عليها، بل على جماعة جائزة نوبل الذين صاروا عاجزين منذ أن منحوا تلك الجائزة للزعيم والبطل الحقيقي الاسطوري نيلسون
مانديلا، عن العثور على شخص لديه إنجازات عليها القيمة في مجال السلام، فكان أن قدموها للرئيس الأمريكي باراك أوباما، حتى قبل أن يكمل فترة الاختبار كرئيس لبلاده ودون ان ينجز شيئا في مجال الحرب أو السلم، وكل ما هناك هو أنه كان قد أعلن في خطابه الأول كرئيس للولايات المتحدة اعتزامه سحب قوات بلاده من افغانستان والعراق وإغلاق معتقل غوانتنامو، ولو كان لجائزة نوبل فترة اختبار لتم سحبها منه لأن قواته ما زالت تقاتل في افغانستان وما زال معتقل غوانتنامو يعج ويضج بالمعتقلين، ومعظمهم لم يخضع بعد لسين وجيم قضائية.
ومع هذا فأوباما على الأقل رئيس دولة، وسياساته تؤثر في أوضاع السلم والحرب، ولكن بأي وسيلة خدمت ملالا السلم العالمي؟ كانت صبية صغيرة عندما اطلق أرعن طالباني في باكستان الرصاص على رأسها لأنها ملتحقة بمدرسة (طالبان ترفض تعليم البنات تماما وهي بالتالي أكثر تطرفا من بوكو حرام النيجيرية التي تحرِّم التعليم الأجنبي)، وكان جريمتها الأخرى في نظر طالبان أنها كتبت في مدونتها – وكان عمرها وقتها 12 سنة - مستنكرة معارضة الطالبانيين في وادي سوات في باكستان لتعليم البنات، ونشرت بي بي سي كلامها، ثم حاورتها نيويورك تايمز، فرددت استنكارها لموقف طالبان من تعليم البنات، وبعد الإصابة تم نقل ملالا الى بريطانيا وجعل منها الاعلام آيقونة للصمود والتصدي، وقالوا إنها مدافعة عن حق البنات في التعليم، وبدون فخر فقد سبقتها في هذا المضمار بخمسين سنة، فبعد أن كنت طالبانيا وأنا صبي في قرية في شمال السودان، وشهدت وأيدت في صمت معارضة جيل الآباء افتتاح مدرسة ابتدائية للبنات، "لأنها مفسدة للأخلاق"، خضعت للنشوء والارتقاء غير الدارويني وصرت مدافعا عن حق البنات في التعليم بل عملت معلما في مدارس ثانوية للبنات، ومع هذا لم "تعبّرني" لجنة نوبل.
بعد أن تعرضت لإطلاق النار، وجدت ملالا من ينقلها إلى بريطانيا للعلاج، وبعد أن تماثلت للشفاء، أولاها الإعلام الغربي اهتماما مستحقا، ثم شرعت منظمات بريطانية في برمجتها وتحسين إلمامها باللغة الإنجليزية، وبعدها لقنوها ماذا تقول دفاعا عن حق البنات في التعليم في كل مكان، ولأنها ذكية بالفطرة فقد استوعبت كل ما قاله لها الملقنون، وبدأت تظهر في المحافل العامة متحدثة عن تجربتها ومدافعة عن حق نظيراتها في التعليم، وصولا إلى منبر الأمم المتحدة، ولا شك عندي في أن ملالا صبية استثنائية وأنها تعرف قيمة وأهمية التعليم، خاصة وأنها تنتمي لعائلة تملك عددا من المدارس في سوات في باكستان، ولكن الجائزة التي نالتها من لجنة "نوبل" لم تكن ل"الذكاء" أو وإقناع طالبان بالتخلي عن محاربة التعليم، بل ل"السلام"، ولم تشرح اللجنة أو أي وسيلة إعلامية، علاقة حرصها على التعلُّم وحديثها عن حق البنات في التعلُّم ب"السلام العالمي"، ولا كيف خدم من تقاسم معها الجائزة (الهندي كايلاش ساتيارتي) قضية السلام، رغم أنه تفرغ لنحو عشرين عاما لعمل نبيل يتمثل في حماية الطفولة من الاستغلال ومحاربة التطرف الديني وتوفير التعليم لأطفال الشوارع.
والرأي عندي هو أنه لم يعد في الساحة الدولية أشخاص من طينة نلسون مانديلا، خدموا أو ما زالوا يخدمون قضايا السلام، فصارت لجنة نوبل تعطي جائزة السلام، لأي شخص محبوب ومشهور قال أو فعل شيئا طيبا لفت انتباه الإعلام الغربي في اي مجال، فللغربيين مقاييس عجيبة لتقييم الناس والمشاهير على وجه خاص، فقبل ثلاثة أيام قالت مجلة تايم الأمريكية أن ملالا وأبنتي أوباما (ماليا، 16 سنة وساشا 13 سنة) وملالا، هن الأكثر تأثيرا على المراهقين والمراهقات، وملالا على الأقل "انطخت رصاص"، وعندها ما تقوله، ولكن كيف تأتي لماليا وساشا أن تؤثرا على مراهق أو منافق، ونحن لا نراهما إلا جالستين في منصة خلف بابا أو تداعبان كلب العائلة؟ طرحت نفس السؤال هنا عندما قالت تايم أن المطربة بيونسي نولز على رأس قائمة الشخصيات الأكثر تأثيرا في العالم، ولو قالت المجلة أنها ذات تأثير كبير على بعض الرجال لكان ذلك معقولا ومقبولا لكونها "عجرمية" على مستوى رفيع.