اختتمت في العاصمة اللبانية بيروت اعمال المؤتمر العلمي الذي نظمه مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات بالتعاون مع المؤسسة
الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد)، وحمل عنوان: "انضمام دولة فلسطين إلى المحكمة
الجنائية الدولية ونتائجه المحتملة".
وعلى مدار ثلاث جلسات ناقش مختصون وسياسيون وأكاديميون مهتمون بالشأن الفلسطيني التوصيف القانوني للأراضي الفلسطينية، ودور المؤسسات الحقوقية الدولية ودورها في إعمال العدالة الدولية، والانتهاكات الإسرائيلية في العدوان الاخير على قطاع غزة وتصنيفها حسب القانون الدولي.
كما تناول المشاركون قضية انضمام فلسطين لنظام روما، ومحاكمة الاحتلال الإسرائيلي وقيادته، والنتائج المتوقعة لتوجه
السلطة الفلسطينية للمحكمة الجنائية الدولية في ظل الجدل السياسي الداخلي من جهة والتهديدات الاسرائيلية والأمريكية من جهة اخرى.
الباحث الفلسطيني ومدير مركز الزيتونة محسن صالح تحدث في كلمة الافتتاح عن ضرورة وجود جهد قانوني فلسطيني يعرف كيفية مخاطبة القانون الدولي و مؤسساته.
وقال صالح: "عانينا بما فيه الكفاية من عدم الاختصاص، وضعف الخبرة والكفاءة وسوء التسويق"، لافتا إلى أن "البعض رفع أكثر من 280 قضية إلى محاكم دولية أو الدول في أوروبا الغربية ضدّ الكيان الإسرائيلي، أغلبيتها الساحقة تمّ ردّها بسبب عدم الاختصاص، أو عدم استكمال الإجراءات والأوراق اللازمة".
غزة في القانون الدولي
في الجلسة الأولى للمؤتمر، خصص النقاش للحديث عن العداون الأخير على القطاع ودور المؤسسات الحقوقية الدولية تجاه ما جرى، حيث أكد المدير العام للمؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) محمود الحنفي أن الأدلة والنصوص القانونية تظهر جلياً أن "إسرائيل" محتلة لقطاع غزة، و"بالتالي هناك حالة احتلال موجودة، وواجبات إسرائيل ستكون ملزمة لها بقدر أكثر؛ لكونها أعلنت حالة عداء، إضافة إلى احتلالها المستمر للقطاع".
وأَضاف أن "أحكام القانون الدولي، وخاصة الجنائية لمعاقبة مرتكبي جرائم الحرب الإسرائيليين، ستكون من منطق القانون واجبة التطبيق أكثر من ذي قبل، وخاصة أنها في هذه الحالة تكون قد ضربت بكلّ وضوح الجوانب الإنسانية، عندما أعلنت وقف كافة الإمدادات الغذائية".
بدوره تحدث المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش نديم حوري عن دور المؤسسات الحقوقية والدولية في أعمال العدالة الدولية (منظمة هيومن رايتس ووتش نموذجاً)، وقال إن "الادعاء على إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية هو دعاية إعلامية، لأن هذا لا يُفيد أحداً؛ لأنه لا يمكن محاسبة "إسرائيل" بل الممكن هو محاسبة قيادات وأشخاص محددين فقط، مشيراً إلى أهمية تسليط الضوء على مرتكبي الجرائم وتسميتهم".
أما الكاتب والباحث القانوني سهيل الناطور فقد حمل على السلطة الفلسطينية وأداءها في هذا السياق، موضحاً أن "هناك إشكالية لدى الجانب الفلسطيني تكمن في أنه لا يبادر في إجراءات المحاكمة، موضحاً أن الذي حرك الموضوع في سنة 2009 وفي الوقت الحالي هو مجلس حقوق الإنسان الدولي".
السلطة ونظام روما
في الجلسة الثانية خصص النقاش للحديث في فرص نجاح المسعى الفلسطيني في التوجه للمحاكم الدولية، في حال أقدمت السلطة عليه، والآليات الأكثر نجاعة لتحقيق العدالة ومحاكمة قادة الاحتلال.
وفي هذا الصدد أستاذ القانون الدولي شفيق المصري تساءل عن إمكانية استيفاء السلطة الفلسطينية شروط الانضمام إلى نظام روما مشيرا إلأى "أن دولة فلسطين قبل تقديم طلب الانضمام تشكّل بالنسبة إلى المحكمة الجنائية الدولية "دولة غير طرف" في هذه المحكمة، وهذا يعني أنها غير ملزمة بأحكامها وقراراتها إلا إذا قبلت ذلك الالتزام طوعاً وصراحة وخطياً".
وأضاف أن "للانضمام إلى المحكمة الجنائية بعض المخاطر، منها موضوع التوصيف القانوني للأراضي المحتلة، حيث سعت "إسرائيل" فرض توصيف جديد اعتمدته بعد اتفاق أوسلو 1993 وهو "الأراضي المتنازع عليها"، إضافة إلى مطالبة الكيان بالتحقيق مع عدد من الفلسطينيين أمام المحكمة الجنائية الدولية.
الباحث القانوني في الشؤون الفلسطينية عمار ملحم، حدد بدوره ثلاثة خيارات مطروحة أمام الجانب الفلسطيني للاستفادة من نظام روما، خاصة بعد أن أصبحت فلسطين دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة، داعيا الجانب الفلسطيني "إلى التركيز على موضوع الاستيطان كجريمة حرب، الاعتقال غير القانوني وعدم وجود محاكمات عادلة بالإضافة إلى جرائم أخرى تحث المحكمة على التحقيق بشأنها.
إشكاليات وعقبات
الجلسة الثالثة والختامية خصصها قائمون على المؤتمر للنقاش العام، والذي تركز حول القيمة العملية لمشاركة فلسطين في محكمة الجنايات الدولية، وتقييم دور المحكمة وقدرتها على الإنجاز، واحتمالات تجريم قيادات ورموز المقاومة الفلسطينية.
وفي هذا الشأن تحديدا بين ممثل حركة حماس في لبنان علي بركة أن تأييد حماس لذهاب السلطة للأمم المتحدة لنيل صفة عضو مراقب، كان من ضمنه "القدرة على محاكمة الكيان الإسرائيلي أي القدرة على التوقيع على ميثاق روما"، فيما شكك عدد من المشاركين والحضور في المؤتمر بقدرة الفلسطينيين على التوجه للمحاكم الدولية في ظل عدم وجود قيادة فلسطينية موحدة ومشروع وطني موحد من جهة، والواقع العربي والدولي الذي يشكل غطاء للاحتلال من جهة أخرى.