خرجت عائلة الحاج عبد الغفور من حي الشعار في
حلب لتصل بصعوبة إلى مدينة كيليس التركية الحدودية المجاورة لشمال الريف الحلبي.. عائلة كبيرة كعائلة الحاج عبد الغفور "تحتاج مبالغ ضخمة لتأمين متطلبات العيش في تركية وأهمها السكن، إذ أن عدد أفراد العائلة يبلغ واحداً وعشرين شخصاً مختلفي الجنس والعمر".
لدى الحاج عبد الغفور وزوجته المقعدة أربعة أبناء، ولكل ابن زوجة وأطفال، وأكبرهم الابن عمار الذي يقول لـ"عربي 21" إنه "بسبب سوء الأوضاع المادية وعدم توفر فرص العمل في مدينة صغيرة مث كيليس اضطرت العائلة كلها لأن تقيم في بيت واحد استأجرته مقابل ثمانمائة ليرة تركية في الشهر".
ويتألف المنزل من ثلاثة غرف خصصت واحدة منها للحاج عبد الغفور وزوجته المريضة، بينما خصصت غرفة أخرى للرجال والثالثة للنساء، في حين ينقسم الأطفال والمراهقون بين غرفتي الرجال والنساء كل حسب جنسه، بحسب عمار.
يقول عمار: "تعيش العائلة منذ أكثر من عام على هذا المنوال، ورغم أن الجميع يعمل إلا أن الأجور بالكاد تكفي لدفع أجرة المنزل وتأمين متطلبات الحياة الأخرى من مأكل وملبس وفواتير كهرباء وماء ورعاية طبية للعجوز المريضة، بحث يغدو استقلال كل أسرة من هذه العائلة في بيت منعزل مجرد حلم قد لا يجرؤ أفراد العائلة على اقترافه". وأضاف: "ثمن طعام هذه الكتيبة"، حسب وصفه "يعتبر مبلغاً مذهلاً بالنسبة للظرف المادي الذي تعيشه العائلة".
يتابع: "إنها حياة صعبة وأعتقد أننا لو بقينا تحت قصف البراميل لكانت الحياة أفضل والأعمار بيد الله. نحن إخوة أربعة نأتي مساء إلى البيت بعد يوم منهك من الأعمال الشاقة في البناء وما إلى ذلك من اعمال تتطلب الجهد العضلي الكبير، لينتظر كل دوره في الاستحمام وتبدأ الحياة المنظمة للعائلة كلها".
وبين عمار أن "النساء ينعمن ببعض الحرية خلال فترة غيابنا عن المنزل، فالجلوس مع الأطفال له ترتيب معين، والحديث إلى الزوجة عن هموم الحياة أو مشاكل الأولاد يحتاج ترتيبات عديدة، وأية كلمة قد تود قولها عليك الانتباه إن كنت لا ترغب أن يسمعها أحد، بينما زيارة الوالد والوالدة في غرفتهم تحتاج لتسجيل دور إذ لا يرغب الوالدان أن نجلس كلنا معهما في ساعة واحدة ومن ثم نتركهما بل يريدان أن يجلس كل واحد منا معهما لساعة وبذلك يقضيا وقناً أطول معنا".
ويضيف عمار: "أما العشاء فينقسم إلى عدة مراحل، ومن غير المعقول ان يجلس واحد وعشرون شخصاً لتناول طعام العشاء، وأي عشاء سيكون هذا مع أكثر من خمسة عشر طفلاً".
ويقول: "تكمن المعاناة في النوم، إذ يحصل والداي على غرفة خاصة بسبب عمرهما ووضعهما الصحي، لا سيما أنهما لا يحتملان ضجيج الأولاد ويتضايقان من كل شاردة وواردة، وهكذا يقتسم البقية الغرفتين الموجودتين، لينام الرجال والأطفال فوق العشر سنوات من الذكور في غرفة واحدة، بينما تنام النساء وباقي الأبناء والبنات في غرفة أخرى. وعندما يرغب أحدنا بتدخين سيجارة فعليه أن يخرج من المنزل بالكامل، لأن البيئة داخله ملوثة دون تدخين، فتنفس كل هؤلاء البشر يكفي ليلوث الهواء فيه. أشعر انني في مهجع عسكري يحتوي كتيبة كاملة".
وكان سقوط
البراميل المتفجرة على الأحياء السكنية في حلب من قبل النظام السوري، أدى إلى تهجير أكثر من ثلثي سكانها من أهالي المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، والذي بدأ حملة عنيفة من القصف على هذه الأحياء بدأت من المدفعية لتنتهي بالبراميل والحاويات المتفجرة.
ويعاني السوريون في المدن التركية من ارتفاع تكاليف
المعيشة بشكل لا يستطيعون التأقلم معه، وذلك لعدم توفر فرص العمل، والأهم ضعف الأجور التي تقدم إليهم، إذ يحصل العامل السوري على أجر لا يتجاوز ثلاثين ليرة يومياً إن كان متقناً للعمل الذي يقوم به، بينما في حالة أنه لم يتقن العمل قد يحصل على نصف المبلغ فقط.
ويحصل العامل التركي في نفس المجال على سبعين أو ثمانين ليرة تركية يومياً، حتى أن بعض المواطنين الأتراك بدأوا يحتجون على تواجد السوريين إذ يعمد أصحاب الأعمال إلى تشغيل العامل السوري كونه يقبل بأجر أقل.
الحاج عبد الغفور وأبناؤه الأربعة؛ ليسوا العائلة الوحيدة التي تعيش هذه الظروف العجيبة بل هم عائلة من مئات العائلات
السورية التي تعيش على هذا النحو أو أسوأ منه، فالظروف تفرض نفسها والواقع المرير لا أمل في تجاوزه قريباً، حسب عمار فإنهم تأقلموا مع هذه الحياة الصعبة ويأملون بفرج قريب من الله.
يختم عمار بعبارة كوميدية مضحكة مبكية.. ويقول: "اشتقت لمرتي".