توصلت هيئة محلفين بريطانية إلى أن الطبيب البريطاني
عباس خان قد قتل عمدا ودون مبرر قانوني خلال احتجازه في سجون النظام السوري.
واختطف عباس خان (32 عاما)، وهو جراح عظام كان يعمل في مستشفيات لندن، قبل عامين تقريبا وتوفي في زنزانة في
سورية في كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
وقال محلفون باسم هيئة تحقيق مكونة من سبعة رجال وأربع نساءـ في المقر المعروف باسم "محاكم العدل الملكية" في لندن، إن الطبيب عباس "خان قتل عمدا وبلا أي مبرر قانوني".
وبدأت جلسات استماع قبل عشرة أيام ضمن التحقيق الذي يجري وفق إجراءات قضائية تهدف إلى كشف أسباب وفاة شخص ما في ظروف مشبوهة أو غير واضحة، لكن بدون أن تتبعه إجراءات ملاحقة قضائية.
وردا على سؤال عن النتيجة التي توصلت إليها، قالت هيئة المحلفين إنه "قتل عمدا بدون مبرر قانوني".
وكان خان، وهو أب لطفلين، يعمل لحساب منظمة "هيومان إيد" (العون الإنساني) غير الحكومية عبر تدريب طواقم طبية سورية في تركيا، قبل أن يتوجه إلى حلب في شمال سورية لمعالجة الجرحى، حيث اختطف في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 على إحدى نقاط التفتيش. وانقطعت أخباره منذ ذلك الحين حتى تموز/ يوليو 2013، حين تمكنت والدته فاطمة خان وبعد جهود مضنية من زيارته في فرع فلسطين للمخابرات العسكرية في دمشق وكان بحالة يرثى لها، قبل نقله إلى سجن عدرا حيث تمكنت من زياته مرة أخرى. وفي 16 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أبلغ النظام السوري فاطمة خان التي كانت في دمشق حينها، بعد استدعائها إلى سجن عدرا حيث كان يُحتجز ابنها، بأنه انتحر شنقا في زنزانته، قبل أربعة أيام فقط من موعد مفترض لإطلاق سراحه، وهو ما دفع بالعائلة للتشكيك برواية انتحاره.
وقال محامي العائلة مايكل مانسفيلد إن "هيئة المحلفين كشفت الحقيقة بأن الأمر لم يكن انتحارا إطلاقا". وأضاف لوسائل إعلام حضرت جلسة المحكمة أن "القضية يجب أن تذهب الآن إلى محكمة جنائية دولية".
وعبرت فاطمة خان، التي زارت دمشق محاولة التوصل إلى إطلاق سراحه، عن أسفها لأنها لم تحصل على مساعدة من الحكومة البريطانية. وقالت إن "ابني كان ملاكا. ذهب لتقديم مساعدة إنسانية والعالم بأسره أخفق في إنقاذ عامل في القطاع الإنساني ذهب لإنقاذ حياة آخرين، لم يقدم أحد أي مساعدة". وطالبت فاطمة في حديث مع محطة "بي بي سي" الحكومة البريطانية بـ"الاعتذار" بسبب ما اعتبرته تقصيرا في الجهود للإفراج عن ابنها.
ولم تقتنع أسرة خان بالتفسير الذي قدمه النظام السوري لوفاته، حيث أن خبر مقتله جاء قبل أربعة أيام من الموعد الذي حدده النظام السوري لإطلاق سراحه، وفق ما نقل سياسيون لهم صلات قوية بالنظام السوري مثل النائب جورج غالوي. وأعيد جثمان خان إلى
بريطانيا حيث أقيمت له جنازة حاشدة.
وكانت الهيئة المكلفة بالتحقيق قد استمعت لشهادات عدة، بينها من الطبيب الشرعي بيتر ثورنتون؛ الذي أكد عدم وجود أي دليل على مشاركة عباس خان في القتال في سورية وقال إن المؤشرات تؤكد أنه كان يعمل في جهود الإغاثة الطبية فقط. كما أكد الطبيب الشرعي أن سبب الوفاة لم يُعرف.
وتركزت جلسات الاستماع حول شهادة لشخص سوري مقيم في بريطانيا، تم إخفاء هويته الحقيقية وعُرف بالرمز "السيد بي" فقط لأسباب أمنية. وذُكر خلال الاستماع أنه كان على صلة برئيس المخابرات الجوية في سورية اللوء جميل حسن، حيث يُعتقد أن عباس خان كان محتجزا لديه. لكن لم يتضح ما إذا كان جميل حسن هو المعني بالفعل أم أحد المسؤولين الآخرين في الجهاز.
وخلال إحدى الجلسات ذكر أفرز خان، شقيق عباس خان، أنه التقى "السيد بي" في مسعى منه للحصول على معلومات عن شقيقه والإفراج عنه. لكن الأخير أبلغه في لقاء لاحق أنه لم يعد لمدير المخابرات الجوية أن يفعل شيئا لأنه عباس خاس نُقل إلى مكان آخر.
وقال أفرز إن "السيد بي" أبلغه بأن المخابرات البريطانية كانت تراقب اتصالاته مع مدير المخابرات الجوية، ثم حضر إليه عملاء من جهاز المخابرات البريطانية الخارجية (MI6) للقائه. ونسب أفرز إلى "السيد بي" قوله إنه سأل عملاء المخابرات البريطانية ما إذا كانوا مهتمين فعلا بعودة عباس خان، لكنهم أجابوه بأنهم لا يودون عودة أشخاص مثل خان بسبب المخاطر الأمنية المترتبة على عودتهم، حيث أن مراقبتهم ستكون أمرا معقدا، وفق ما نسب أفرز إلى "السيد بي".
وبعد إعلان خبر وفاة عباس خان في سورية، التقى أفرز بـ"السيد بي" مرة أخرى، حيث عبّر الأخير عن اعتقاده بأن "ضوءا أخضر" قد يكون صدر من المخابرات البريطانية للنظام السوري لتصفيته.
لكن "السيد بي" نفى خلال شهادته أن يكون قد قام بدور حلقة الوصل بين المخابرات البريطانية والنظام السوري، وقال إنه باثنين من الموظفين البريطانيين يعتقد أنهم من المخابرات البريطانية، لكنه نفى في المقابل مناقشة قضية عباس خان خلال اللقاء.
كما اعتبر "السيد بي" أن النظام السوري "الذي قتل الآلاف" ليس بحاجة لضوء أخضر لتصفية عباس خان.
وحاول سياسيون وصحفيون بريطانيون تربطهم علاقة جيدة بالنظام السوري، مثل غالوي الذي قال إنه كان يستعد للذهاب إلى دمشق لاستلام الطبيب البريطاني، والصحفي روبرت فيسك، تبرئة الرئيس السوري بشار الأسد من الأمر بقتل خان، مرجحين أن جهات أمنية خارجة عن سيطرة الأسد ربما تكون مسؤولة عن مقتله، مستبعدين في الآن ذاته فرضية الانتحار.
ويقول النظام السوري إن عباس خان احتجز بتهمة الدخول إلى سورية بطريقة غير شرعية.
وتقول والدته إن موظفا في مكتب بثينة شعبان، مستشارة الأسد السياسية، قال لها بعد تكرارها الاتصال بالمكتب محاولة الحديث إلى شعبان: "نعم نحن قتلنا ابنك.. اذهبي إلى بريطانيا وقولي للحكومة البريطانية إننا قتلنا طبيبا بريطانيا ثم ليأتوا إلينا إن كان لديهم ما يريدون السؤال عنه".
وخلال مؤتمر "جنيف2" الذي حضره ممثلون عن النظام السوري والائتلاف الوطني السوري، طاردت فاطمة أعضاء وفد النظام السوري مكررة السؤال "لماذا قتلتم ابني"، وردت عليها عليها شعبان بغضب "كان عليه أن يذهب إلى باكستان بدلا من المجيء إلى سورية"، علما بأن عباس خان هو من أصول هندية.