كتب هشام ملحم: اتسمت
الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة بعدد من التطورات غير المسبوقة، منها أنها الأكثر كلفة في تاريخ الانتخابات، إذ وصل انفاق المرشحين والقوى التي تدعمهم إلى نحو أربعة مليارات دولار. ومرة أخرى ترتفع الأصوات المحتجة التي تحذر من الخطر المتنامي للمال على الديموقراطية الأميركية.
في الأسابيع الأخيرة شاهدنا التظاهرات في هونغ كونغ احتجاجا على قرار
الصين اختيار المرشحين الذين سيسمح لهم بالترشح لرئاسة السلطة التنفيذية في هونغ كونغ. هذا الأسلوب دفع معلقاً أميركياً إلى القول إن نظام تمويل الانتخابات الأميركية مماثل إلى حد ما للنظام الصيني لأنه يعطي أقلية ضئيلة من الأثرياء الأميركيين القدرة على تمويل الحملات الانتخابية المكلفة، وتالياً ممارسة تأثير كبير على العملية الانتخابية وعلى تشريعات أعضاء الكونغرس على حساب أكثرية الناخبين. بمعنى آخر صوت
المال في الانتخابات الأميركية الذي يمثل أقلية من الناخبين، يضطلع بمثل الدور الذي تقوم به أقلية (قيادية) في الصين. (هناك نظام مماثل بعض الشيء في إيران، يتمثل بمجمع تشخيص مصلحة النظام الذي يختار سلفاً المرشحين لمنصب الرئاسة المؤهلين لدخول السباق. كل هذه الممارسات تعطي أقلية من الناس صلاحيات ونفوذاً هائلة للتحكم بالعملية السياسية).
في السنوات والعقود الأخيرة، باتت عملية الترشح للانتخابات الأميركية، حتى على المستوى المحلي، عملية مكلفة للغاية، إذ باتت حكراً على الأثرياء أو على القادرين على جذب أموال الأثرياء أو الشركات أو القوى التي تمثل "المصالح الخاصة" من قوى سياسية أو اقتصادية. وبما ان نظام تمويل الانتخابات الأميركية يسمح للمتبرعين من أي ولاية بتقديم مساعداتهم لأي مرشح، فهذا يعني أن ممثلي "المصالح الخاصة" أو اللجان الانتخابية التي تمثلهم، قادرون على التأثير على أي سباق انتخابي في أي مكان بدل أن يكون السباق محكوماً بالاعتبارات المحلية.
وعلى سبيل المثال، فإن السباق الأكثر كلفة كان في ولاية نورث كارولينا بين المرشحين لمجلس الشيوخ، حيث انفق فيه مبلغ 95 مليون دولار، منها 67 مليون دولار قدّمتها أطراف ولجان من خارج الولاية. ووصلت قيمة التبرعات الآتية من خارج الولايات إلى أكثر من 660 مليون دولار. وأنفق أكثر من مليار دولار على الدعايات التلفزيونية السلبية، على رغم أن استطلاعات الرأي أظهرت أن معظم الناخبين لا يشاهدونها أو لا يعيرونها اهتماماً وتالياً لا تؤثر على خياراتهم.
بعد كل انتخابات أميركية يسخر بعض الأميركيين من أن المال "يشتري لنا أفضل كونغرس"، ويتحدث بعض المشرّعين عن رغبتهم في إقرار قوانين جديدة تحد من نفوذ "المصالح الخاصة" قبل أن يكتشفوا أن مصالحهم الضيقة تقضي بالسكوت!
(عن النهار اللبنانية)