كتب محمد سلطان من محبسه بمصر: لأول مرة في تدريبات ما قبل موسم كرة السلة، وصلتُ إلى التدريب متأخراً. كنت قد التحقت بالفريق الثاني، رغم أن جميع أصدقائي قبلوا في الفريق الأول، لم أبالِ وكنت فرحاً بقبولي في أي فريق. كان وزني آنئذ 153 كيلو، وكنت في الصف الثالث من الثانوية العامة. في ذلك اليوم نظر إلي المدرب "سلابي" ولم يعطني فرصة أبرر له سبب تأخري، أشار إليّ بسبابته يأمرني بالجري حول الملعب، تفهمت بأنه العقاب على التأخير، ولكن ما لم أتفهمه هي إشارته باستكمال الجري كلما سألته عن عدد اللفات المتبقية.
في ذلك اليوم، شعرت أنني تلقيت أسوأ عقاب ممكن، فقد كان بإمكاني استمرار الجري حتى ولو وصل إلى مائة مرة لو كان فقط قد حدد لي عدد اللفات، لكن العقاب النفسي كان لي بمنزلة ما يقرب التعذيب البدني. ركضت حول الملعب ذلك اليوم 29 لفة، وكل لفة كانت وكأنها آخرهم. وما أن تذكر المدرب "سلابي" توقيفي كنت قد أرهقت نفسياً وجسدياً.
بعد 10 أعوام وفقدان أكثر من 70 كيلو، أتذكر هذه القصة في عيد ميلادي السابع والعشرين، والثاني لي في
السجن، وفي اليوم ال290 من إضرابي عن الطعام، أجلس تحت الأرض في سجن
مصري قاسٍ أتذكر ذلك الموسم وعلاقته بحالي الآن. لقد فقدت إحساسي بالجوع، أغيب عن الوعي بين الفينة والأخرى، أقوم وأجد كدمات وفم مليء بالدماء، مع آلام جسدية أصبحت يومية، فقد صار جسدي فاقداً الإحساس وهو يأكل نفسه بنفسه. ولكن تلك الآلام لا تساوي شيئاً بجانب التعذيب النفسي الذي أتعرض له خلال اعتقالي التعسفي (تحت قانون الحبس الاحتياطي المفتوح). هذا الكابوس الكئيب المظلم، الذي حل بي فجأة ولا أعلم كيف، ولا كم سيدوم، ولا متى أو كيف سينتهي؟. شعور أشد من عقاب المدرب "سلابي"، ولكنه مماثل إجهاض جسدي ونفسي. لا أعلم كم سيمتد هذا "العقاب"، فكل يوم يبدو وكأنه الأخير....بطيء... موجع....
وعندما تذرف دموعي العزيزة في ذكرى موسم كرة السلة ذاك، بدأت أتذكر.. في ذلك العام تركت تدخين الشيشة، خسرت (25 كيلو) من وزني، عملت بجهد مضاعف في كل تدريب، وتدرجت من عضو في الفريق الثاني إلى اللاعب السادس، ثم إلى أحد الخمسة الذين يبدؤون المباراة. في نهاية ذلك العام، كنت عضواً في الفريق الأول مع زملائي.
لاحظت أنه في ذلك اليوم الذي قرر المدرب "سلابي" معاقبتي، أراد اختبار قواي العقلية، وقوتي الكامنة، وما إن كان لي قلب قوي للعب. استمر تدريبي في ذلك الموسم، وقد تم تحولي -بلا شك -إلى لاعب كرة سلة أفضل. خلال هذ العام ، قد نمت قواي العقلية من خلال هذه الاختبارات لأني وثقت في أن المدرب يريد أن يجعل مني أفضل لاعب.
لم أستطع حجب دموعي التي انهمرت على وجهي الذي صار جلداً على عظم، عندما فكرت في عجزي عن الثقة في الله كما وثقت في المدرب سلابي. بالطبع لا يوجد مقارنة، فاختباري الآن أعظم وآلامه أشد، ولكن كما أخرجني الاختبار الأول أكثر صلابة وقوة، فأنا على ثقة أن هذا الاختبار سيقويني أيضاً. وكما أنني كنت أُهيأ لأكون أفضل لاعب كرة سلة، فالله يهيئني الآن لأزداد صلابة وحكمة، لأكون قائداً أفضل وفعّالاً، ومؤيداً أقوى للحرية والسلام.
كم أصبحت الآن كلمات مدربي أكثر فهماً واستيعاباً :" أكره كل لحظة تدريب ولكن أعشق وأستمتع بكل لحظة انتصار".
شعاع من أمل لمس قلبي، ذلك ما تفعله بنا أعياد ميلادنا، ذكرى أحداث، عام جديد، إلخ، هي تلهمنا بذكريات، أفكار، ومشاعر الماضي حول غايات، أولويات، تخطيطات، المستقبل والأمل. مسحت دموعي وعند بدئي لقيام الليل لأشكر الله على كل نعمه، تبسمت عندما تذكرت ما قلته لنفسي في ذلك اليوم من 10 أعوام خلال اللفة ال29… "إن لهذه نهاية".
عن نون بوست