لا يمكن مقارنة الإمكانيات والوسائل التي توفّرت لسحرة
الإعلام في هذا العصر بالوسائل التي كانت عند سحرة فرعون، وإن تمكّن سحرة فرعون بوسائلهم البدائية من سحر أعين النّاس، فإنّ سحرة فراعنة
تونس من الإعلاميّين بوسائلهم الرّهيبة سحروا عقول التّونسيين وزيّفوا إراداتهم، ولكن هل سيتواصل دور سحرة الإعلام الذين استعملوا وجنّدوا لتوجيه الرّأي العام والتلاعب به؟ أم هل سيتمّ الاستغناء عن خدماتهم وتعويضهم بسحرة جدد بعد الانتخابات الرّئاسية؟.
ومباشرة، بعد إزاحة حكومة التّرويكا وتنصيب حكومة التّكنوقراط، رأينا في عديد من القنوات و"البلاتوهات" غياب الكثير من الوجوه التي جنّدت لمحاربة الشّعب وتكريهه في كلّ ما يمتّ بصلة للثّورة والتّغيير، وقد بقي العديد من سحرة الإعلام بدون شغل، والبعض الآخر منهم تنقّل إلى قنوات أخرى وأبرمت معهم عقود ليخدموا أسيادا جددا، وبرامج جديدة، فهم سحرة تحت الطلب.
و بعد الفوز الذي حقّقه نداء تونس لا شكّ أنّ الكثير من السّحرة في المشهد الإعلامي سيتمّ الاستغناء عن خدماتهم، إن عاجلا أم آجلا، فقد تحقّقت الأهداف التي وجدوا وجنّدوا من أجلها، وقد زالت الحاجة إلى خدماتهم، وسوف يلقي بهم كما يلقي بالفضلات في المزابل وسلاّت المهملات، لأنّ المنظومة الجديدة التي ستحكم مستقبلا لن تستعمل الوجوه ذاتها التي كانت في المشهد الإعلامي زمن حكم بن علي ومدّة الفترة الانتقالية، فلا بدّ من تغيير الوجوه لأنّ الأسياد في حاجة إلى صناعة مشهد إعلامي جديد يلزمه شخوص ووجوه جديدة، لأنّهم يعرفون جيّدا أنّ الشّعب سئم من "مناظرهم" وألاعيبهم وقد مجّهم وكرههم.
و للتّذكير، فعندما أزاح بن علي بورقيبة سنة 1987، اقتلع معه الوجوه التي كانت في المشهد الإعلامي، وخاصة رموز المنظومة الدّعائية في قسم الأخبار على القناة الوطنية، ولا شكّ أنّ من حقّقوا الفوز بالتآمر والألاعيب في انتخابات مجلس الشّعب الذي كان لسحرة الإعلام الدّور الكبير فيه، حيث إنّهم كانوا رأس الحربة في التآمر و"التكمبين"، فلا شكّ أنّهم سوف يفعلون فيهم ما فعله سيّدهم بن علي مع أمثالهم من سحرة الإعلام تحت النّظام البورقيبي منذ الأشهر الأولى من استلامه الحكم.
ومن المفارقات العجيبة والغريبة أنّ سحرة فرعون انقلبوا على سيّدهم وهو مازال يحكم، واتّبعوا موسى وآمنوا بما جاء به من الحق، أمّا سحرة منظومة بن علي الإعلاميّة، رغم إزاحة سيّدهم و"معبودهم"، واصلوا وتمادوا على النّمط نفسه والنسق ذاته والسلوك، ولم يتوبوا ولم يؤوبوا ولم يعودوا إلى الجادّة، ولم تتحرّك فيهم وخزات الضّمير، وقد ذكر الله في كتابه الكريم توبة سحرة فرعون بعد مشاهدتهم المناظرة التي قدّمها موسى يوم الزّينة وقد قالوا: ((قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا))، وقد قالوا في سورة أخرى: ((قالوا إنّا إلى ربنا منقلبون، وما تنقم منّا إلا أن آمنّا بآيات ربّنا لمّا جاءتنا، ربّنا أفرغ علينا صبرا وتوفّنا مسلمين))، أمّا سحرة فراعنة تونس عندنا واصلوا في غيّهم وتعنتهم ولم يعبأوا بالشّعب الثائر والتّحولات والتغيّرات التي شهدتها السّاحة السّياسية، ولكن وإن حقّقوا لأسيادهم من الداخل والخارج بعض الانتصارات الآنية والوقتيّة، فعليهم أن يعلموا أنّ أوضاع المشهد الإعلامي لن تتواصل على هذه الحالة من الرّداءة، وفي النّهاية سيلعنهم التّاريخ، وسيجدون أنفسهم مبعدين ومهمّشين، لأن المنظومة في المستقبل القريب سوف تستغني عن خدماتهم، وستعوّضهم بوجوه أخرى، لأنّه مطلوب تغيير المشهد الإعلامي، وإن بطريقة تزويقيّة ممكيجة.
و في آخر المطاف لا شكّ أنّهم سيندمون على ما فعلوه من أفاعيل في الشّعب والوطن، وسيتحسّرون على خيبتهم، وعلى ما قدّموه من خدمات دنيئة لأسيادهم الذين سيرمونهم رمي الكلاب، فسحرة الفراعنة عندنا لا وفاء عندهم ولا ضمير، فهم رغم كلّ ما حصل منذ 17 ديسمبر 2010 إلى اليوم لم يعتبروا، بل تمادوا في غيّهم وألاعيبهم خدمة لأسيادهم من بارونات السّياسة وفراعنة المال والإعلام، ولا ريب أنّ سحرة الإعلام سينالون حسابهم، إن لم يكن في الدنيا فسيكون في الآخرة، فالكلمة مسؤولية ورسالة وأمانة.
و ها هي المؤشّرات بدأت تظهر، وها قد بدأنا نشاهد وجوها جديدة على الشّاشات، ومن المؤكد أنّ أغلب الوجوه القديمة ستغرب وتغيب من المشهد الإعلامي المزري والمنحطّ، وعندها لن ينفعهم تمترسهم وراء المنظومة القديمة التي جنّدتهم من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من البقية الباقية من "السيستام" القديم "سيستام" الفساد والاستبداد.
نائب سابق وكاتب وناشط سياسي تونسي
romdhane.taoufik@yahoo.fr