الحوثيون سيطروا على صنعاء ثم تمددوا في عدة مدن يمينة - أرشيفية
تعد حركة أنصار الله الحوثية حديثة النشأة مقارنة بالحركات الإسلامية الأخرى، وهي نشأت أساساً بسبب الصراع الذي كان دائراً بين القوات النظامية الحكومية وبين أحد علماء الزيدية الكبار في العام 2004 وهو حسين بدر الدين الحوثي والذي كان يرفع شعار معاداة أمريكا "الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام".
يتأثر تيار حركة أنصار الله سياسياً بالحركات الشيعية العالمية كحزب الله في لبنان والجمهورية الإسلامية في إيران، ويتضح ذلك من أدبياتهم. فهم يتأثرون ثقافياً وسياسياً بطروحات حزب الله في لبنان وخاصة في الشعار الأساسي لديهم الذي يهتفون به بعد صلاة الجمعة وكذلك معظم الأناشيد التي يتغنون بها. تتركز شعبيهم في المحافظات الشمالية وخاصة صعدة والجوف وحجة وعمران وصنعاء والمحويت وذمار.
وللحوثيين نشاط ثقافي وسياسي واسع، وقد استطاعوا السيطرة عسكرياً على كثير من المحافظات الشمالية بما فيها عاصمة اليمن صنعاء.
بالعودة إلى البدايات؛ فقد استغل الرئيس اليمني السابق علي صالح الصراع الدولي القائم بين إيران وأمريكا وحاول الإيحاء للعالم بأن إيران لها ضلع كبير في تجنيد وتدريب مليشات مسلحة على الحدود السعودية - اليمنية من أجل الإضرار بأمن المملكة العربية السعودية، وكان هدفه عصافير كثيرة بحجر واحدة، وهو الحصول على دعم لسلطته والقضاء على خصومه وكسب ود السعودية وأمريكا والتربح عبر شن الحروب التي تدر الكثير من الأموال.
في كواليس السياسية اليمنية في هذه الفترة كان يدور صراع من نوع آخر، إذ كان هناك معلومات متداولة عن نية الرئيس اليمني السابق توريث نجله الأكبر أحمد علي عبدالله صالح السلطة في انتخابات صورية. لكنه جوبه بمعارضة قوية من قبل رجال قبائل كبار أمثال أولاد الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر ومن قِبل أحزاب قوية كحزب الإصلاح وقادة عسكريين كبار أمثال علي محسن صالح الأحمر قائد المنطقة الشمالية الغربية حينها ومستشار الرئيس هادي لشئون الدفاع والأمن حالياً والهارب إلى المملكة العربية السعودية بعد سيطرة أنصار الله على العاصمة صنعاء.
وحسب سياسة صالح المعروفة وجد في دعوة حسين الحوثي، في المنطقة التي تقع تحت نفوذ المنطقة العسكرية لمحسن بمحافظة صعدة منطقة مران، الفرصة المواتية لإخراج قوات الفرقة الأولى مدرع للحرب مع الحوثيين وهو فخ وقع فيه اللواء محسن بسهولة شديدة لأسباب اجتماعية ودينية(1).
فاللواء علي محسن هو متدين سلفي(2) والنقيض الديني لحسين بدر الدين الحوثي الذي يعتنق المذهب الزيدي ودائماً ما كان على صراع مع الفكر السلفي، بالإضافة إلى أن محسن يعتبر من الناحية القبلية محسوبا على قبيلة حاشد التي تمسك بزمام السلطة باليمن بشخص الرئيس صالح وقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية، بينما الحركة الحوثية تنشط في مناطق بكيل وهي القبيلة الكبرى في اليمن وعندها إحساس بالظلم والقهر والإبعاد عن السلطة.
لم يكن يتوقع أحد أن صراعاً في منطقة لا تتجاوز الكيلو متر مربع الواحد (قرية مران) سوف يمتد ليشمل ثمان محافظات يمنية في غضون ست سنوات.
نشأة الحركة الحوثية فكرياً تعتبر قديمة منذ أوساط الثمانيات؛ عندما قرر مجموعة من شباب المذهب الزيدي تكوين تنظيم فكري للدفاع عن الظلم اللاحق بالمذهب الزيدي وعدم تدريس تعاليمه وتهميشه وعدم السماح بطباعة كتبه وتدريسها، وتبلورت هذه الفكرة وخرجت إلى أرض الواقع بعد قيام الوحدة اليمنية في العام 1990، وذلك عبر إنشاء ما سمي حينها بمنتدى الشباب المؤمن والذي كان يقوم بتعليم مبادئ وأسس المذهب الزيدي لأبناء المذهب في دورات صيفية لمدة ثلاثة أشهر في الفترة التي تكون فيها المدارس في حال عطلة رسمية.
استمرت هذه الحركة الفكرية في تصاعد مستمر حتى العام 2001، وهو العام الذي شهد انقساما بين مؤسسي هذا المنتدى لثلاثة أقسام بسبب اختلاف طريقة التعاطي مع الهدف من انشائه فأنفرد حسين بدر الدين بقيادة فروع المنتدى في منطقته مران وأخيه محمد بدر الدين بقيادة فروع المنتدى في ضحيان وأغلب مناطق محافظة صعدة وبعض المحافظات الأخرى، بينما انفرد محمد يحيى عزان وعبدالكريم جدبان بقيادة بعض فروع المنتدى في منطقتهم رازح وبعض المناطق الأخرى(3).
في العام 2002 بدأ حسين بدر الدين بعد عودته من السودان وتركه دراسة مرحلة الماجستير، بدأ يلقي المحاضرات على أتباعه ويركزعلى مركزية أهل البيت في قيادة الأمة وضرورة وجود العَلَم القائد، والعداء لأمريكا وإسرائيل باعتبارهما الشر المطلق في هذا العالم، وسعى لاستنهاض الناس في هذا المجال وإرسال أتباعه للقيام بالهتاف في المساجد بما سمي حينها "الشعار". بالمقابل بدأت أجهزة الأمن اليمنية تلتفت لهذه الظاهرة وتعتقل من يهتف بهذا الشعار في المساجد في أي منطقة كانت.
في العام 2003 جرت انتخابات مجلس النواب اليمني وفاز ثلاثة أعضاء للمجلس النيابي قريبين من حسين بدر الدين وهم شقيقه يحيى بدرالدين وعبدالسلام هشول وعبدالكريم جدبان، مما دفع المتضررين من مشائخ القبائل المحسوبين على الحزب الحاكم من دق ناقوس الخطر لدى دوائر الحكم في صنعاء والإيحاء بان هذه الجماعة سوف تسعى للسيطرة على مقاليد الحكم ليس فقط في صعدة وإنما بكل اليمن.
استمرت الأمور بالتصاعد وأخذت منحى الصراع العسكري بعد أن قررت الحكومة اليمنية إلقاء القبض على حسين بدرالدين وإرسال قوة عسكرية مسلحة لتنفيذ الأمر، فحدث الصدام المسلح الأول في شهر يوليو 2004 وانتهى بقتل زعيم الجماعة حسين الحوثي في سبتمبر من العام نفسه.
أخذت الحرب تأخذ منحى الكر والفر وتطورت مساحةً وشدة، وبدلاً من أن تكون حرباً بين فصيل متمرد وبين قوات نظامية صاحبة شرعية؛ أخذت تأخذ طابع صراع مذهبي وقبلي وإقليمي عبر زج مجاميع من تنظيم القاعدة ومن التيارات السلفية في الحرب، وعبر الاستعانة بقبائل حاشد في المعارك واستحضار إيران من قبل الإعلام الرسمي مما أدى إلى خروج الحرب عن إطارها المحلي وإدخالها في الصراع الإقليمي.
هذه الأسباب أدت إلى تعاطف هائل من قبل أتباع المذهب الزيدي وأبناء قبائل بكيل والتيارات الشيعية في العالم مع قضية الحوثيين، واُعتبر الصراع دينيا وقبليا في الأساس مما حرم السلطة من الحاضن الطبيعي في قيادة المعارك ضد هذا التنظيم وسمح بتقويته، نظراً للحساسية الشديدة بين التيارات السلفية وبين المذهب الزيدي من جهة، وبين قوات القبائل خاصة قبيلة حاشد وبين قبيلة بكيل التي يتشكل منها معظم السكان في محافظة صعدة والمناطق المجاورة لها من جهة أخرى.
كما زاد من حدة الطابع الطائفي والقبلي للصراع اعتماد السلطة سياسة الاستهداف الممنهج لشريحة واسعة من اليمنيين وهم الهاشميين عبر اتهامهم بأنهم حوثيون كون أسرة الحوثي هاشمية، ومن ثم زجهم في المعتقلات.
لقد خلقت أخطاء النظام المبررات لاستمرار التنظيم الحوثي في قتال النظام وتبرير هذا السلوك بسبب الاستهداف غير المنطقي لمكونات واسعة من المواطنين بتهمة الحوثية، إذ وصل عدد المعتقلين في سجون النظام بهذه التهمة في العام 2004 إلى ما يقارب 1500 في سجون صنعاء فقط.
توجت الحروب بتدخل سعودي مباشر في مسار المعارك عبر دخول القوات المسلحة السعودية في حرب مباشرة ضد الحركة، وذلك بشن حرب برية وقصف جوي بدعوى أن الحوثيين اعتدوا على أراضي المملكة. استطاع الحوثيون الصمود في وجه الجيشين اليمني والسعودي مما أدى لانسحاب الجيش السعودي من المعارك بعد أسر عدد من جنوده واستيلاء الحوثيين على مناطق عسكرية بداخل المملكة كقرية الجابري(4).
التحقت حركة أنصار الله بالحراك الثوري الشبابي في العام 2011 في وقت مبكر بسبب العداء المستحكم بين نظام علي صالح وبين الحركة التي شهدت ستة حروب متواصلة، فكان من الطبيعي أن تستغل الحركة فرصة الحراك الثوري وتدخل على خط المواجهة المبكرة مع السلطة لإسقاطها باعتبارها الخصم الأول في حربها معهم على مدى ست سنوات.
أسقطت الحركة الحوثية محافظة صعدة وأخرجتها عن سيطرة القوات الحكومية في وقت مبكر بعد اندلاع أحداث 2011(5). كما ساهمت في اسقاط محافظة الجوف بالشراكة مع قوات موالية لحركة الإخوان المسلمين وخروجها عن سيطرة القوات الحكومية (6).
جاءت المبادرة الخليجية لتمثل المظلة السياسية للواقع اليمني وتم عقد مؤتمر للحوار الوطني شاركت فيه كافة الأطراف خلال انعقاده. اتسعت خريطة المعارك بين تجمع الإصلاح (إخوان اليمن) وبين الحوثيين فكانت الصراعات العسكرية تجري على أشدها، فتم ضرب حصار خانق على محافظة صعدة المعقل الرئيسي لأنصار الله من جميع الاتجاهات، فمن منطقة حرض عبر قبليين قريبين من اللواء محسن، ومن منطقة كتاف عبر قادة ينتمون لتنظيم القاعدة مقربين من اللواء محسن والشيخ الزنداني، بينما منطقة خمر عبر الشيخ حسين بن عبدالله الأحمر المقرب من قطر حينها، و من منطقة أرحب عبر الشيخ منصور الحنق المقرب من اللواء محسن والقيادي في تجمع الإصلاح وبدعم مالي من قبل رجل الأعمال القيادي في تجمع الإصلاح حميد الأحمر.
إلا أن الحوثيين استطاعوا كسر الحصار من جميع الاتجاهات ونقل المعارك إلى عقر دار مشائخ حاشد وتم اقتحام كامل محافظة عمران وتفجير منازل أولاد الشيخ عبدالله الأحمر وإخراجهم من المنطقة بصمت واضح من قبل كبار مشائخ حاشد (آل أبو شوارب، وآل عاطف، وآل جليدان) وهم من حلفاء الرئيس السابق صالح.
كما تمت السيطرة على منطقة كتاف، المركز الرئيسي للسلفيين في شمال اليمن، وتفجير دار الحديث فيها وإخراج شيخ السلفية في اليمن الشيخ يحيى الحجوري من منطقة دماج ونقله إلى صنعاء، واستطاعت الحركة أخيراً السيطرة على العاصمة صنعاء في الحادي والعشرين من سبتمبر الماضي.
في الواقع يمكن القول، إن نشأة الحركة واستمرار الصراع كان بسبب مجموعة معقّدة من الهويات الطائفية المتنافسة ونقص التنمية الإقليمي، والشكاوى الاجتماعية والاقتصادية المتصوّرة، والتظلمات التاريخية. وما فاقم من الصراع هو التوترات بين السكان الأصليين لبعض المناطق الشمالية من الشيعة الزيديين والأصوليين السلفيين السنّة الذين جرى نقلهم إلى المنطقة. كما أن التناحر القبلي عقد الأمور بصورة أكبر (7).
*الدكتور عبد الملك عيسى/ باحث في علم الاجتماع السياسي
هوامش:
(1) الأحصب، أحمد علي، ما الذي يجعل الأمر مختلفاً في ربيع اليمن، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات، الدوحة، 2012، ص4(www.dohainstitute.org ).
(2) القروي، هشام، ثورة اليمن استبدال علي عبدالله صالح أم استبدال مؤسسات مفوتة؟، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات، الدوحة، 2011، ص9(www.dohainstitute.org ).
(3) موقع جريدة الشرق الأوسط السعودية (https://www.aawsat.com/details.asp?issueno=10261&article=408660 ) المقال بعنوان اليمن قصة تمرد للصحفي عرفات مدابش.
(4) موقع المصدر أون لاين (https://www.almasdaronline.com/?page=news&news_id=3601 ).
(5) موقع صحيفة الغد (https://www.alghadyem.net/index.php?action=showNews&id=2247 ).
(6) موقع صحيفة الوطن (https://www.alwatanye.net/65954.htm ).
(7) بوتشيك، كريستوفر، الحرب في صعدة : من تمرّدٍ محلّي إلى تحدٍّ وطني، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 2010، ص 8.