ركزت حكومة
اليمن الجديدة برئاسة
خالد بحاح، في برنامجها الذي قدمته لمجلس النواب الاثنين الماضي، على ثلاثة ملفات مهمة: وهي "الاستقرار السياسي والأمن والاقتصاد"، لتجاوز تعقيدات الوضع الراهن، وإنجاح ماتبقى من مهام المرحلة الانتقالية في البلاد.
وأكدت الحكومة في برنامجها العام المقدم للبرلمان اليمني أن تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية وغياب الإنفاذ الكامل لمبدأ سيادة القانون، كان له تداعيات على الاقتصاد القومي وموازنة الدولة التي تكبدت خسائر كبيرة، حيث بلغت خسائر الخزينة العامة للدولة ما يقارب تريليون وأربعمائة واثنين وثمانين مليار ريال (سبعة مليارات دولار تقريبا)، نتيجة الاعتداءات المتكررة على خطوط نقل النفط والغاز وشبكات الكهرباء خلال
السنوات الثلاث الماضية، فضلاً عما تكبدته الخزينة العامة من خسائر نتيجة عدم قدرة الحكومة على إنفاذ القوانين المالية بسبب الانفلات الأمني.
وحددت حكومة بحاح قائمة من الأولويات المقرر إنجازها خلال المرحلة الانتقالية منها "تعزيزالأمن والاستقرار السياسي وتوفير البيئة الاقتصادية اللازمة لتحقيق نمو اقتصادي مستدام، وتصحيح الأوضاع الأمنية، بالإضافة إلى استعادة هيبة الدولة على رأس تلك القائمة المقدمة لمجلس النواب".
وتطرق البرنامج العام لحكومة اليمن الجديدة إلى اتساع نطاق الفقر بمفهومه العام إلى 54 بالمئة من إجمالي السكان باليمن، وتفاقم مشكلة البطالة، حيث ارتفعت نسبتها بين الشباب للفئة العمرية (15-24) سنة إلى 33.7 بالمئة من إجمالي السكان.
وأوضح البرنامج الانخفاض الكبير في مستوى النشاط الاقتصادي واقتراب الاقتصاد اليمني من هوة الركود، ما أدى إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي عام 2011 بما نسبته 15.1 بالمئة، ولفت إلى انخفاض قيمة الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لعام 2014 عن مستواه عام 2010 بما نسبته 9.1 بالمئة، مشيرا إلى أن "التراجع الكبير والمستمر في إنتاج النفط الخام المحلي وأسعاره في السوق الدولية"، يقابلها خطورة في استنزاف احتياطيات الجهاز المصرفي - خاصة البنك المركزي- من العملات الأجنبية.
كما حددت الحكومة ترتيب وضع محافظتي مأرب والجوف إدارياً وأمنياً وعسكرياً، وانسحاب جميع المجموعات المسلحة القادمة من خارج المحافظات الثلاث، وتطبيع الأوضاع في محافظة عمران، ومكافحة الإرهاب في جميع مناطق اليمن.
برنامج طموح
ويرى النائب في البرلمان اليمني عبدالعزيز جباري أن البرنامج العام لحكومة رئيس الوزراء اليمني خالد بحاح "طموح، لكن الأهم هو الترجمة الواقعية على الأرض، في ظل صعوبات كبيرة أمام تنفيذ ماجاء في برنامج الحكومة، وخصوصا الملف الأمني والاقتصادي".
وأضاف جباري لــ"عربي21" فيما يخص الملف الأمني أنه "إذا لم تكن هناك خطوات حقيقية لتجاوز الوضع الراهن حيال سيطرة ميليشيا
الحوثي المسلحة على زمام الأمور، فإن حكومة الكفاءات لن تستطيع أن تقدم أي شيء، وذلك لأن الواقع ليس بأيديهم ".
وشدد النائب في البرلمان اليمني، على ضرورة الانسحاب الفوري للمليشيات المسلحة من العاصمة صنعاء ومختلف المدن اليمنية الأخرى .
أما مايتعلق بالملف الاقتصادي الذي يعاني من اتساع نطاق الفقر وعجز في الميزانية أكد جباري أن "الأمر بحاجة الى تكاتف جميع المكونات السياسية في البلاد، وفي مقدمة ذلك الحوثيون، لاسيما بعد اشتراط الدول المانحة عدم تقديم أي مساعدات مالية لليمن، إلا بعد الانسحاب الكامل لمسلحي جماعة الحوثي من العاصمة والمدن اليمنية الأخرى، وتطبيق بنود
اتفاق السلم والشراكة الموقع عليه في 21 من أيلول/ سبتمبر بين الرئاسة وجماعة الحوثي".
استعراض مزيف
وأكد الكاتب والمحلل السياسي عباس الضالعي أن "برنامج الحكومة المقدم للبرلمان، الاثنين الماضي، لم يرتقِ عملياً إلي البرنامج النظري بسبب افتقار الحكومة لوسائل وأدوات الحكم، التي من شأنها تطبيق هذا البرنامج " .
وقال الضالعي لــ"عربي21" إن "حكومة الرئيس اليمني مسلوبة الإرادة ومحكومة من قبل مليشيات مسلحة، لكون مؤسسات الدولة تقع تحت حماية وحراسة مليشيات الحوثي، بما في ذلك الرئيس هادي ورئيس الحكومة وأعضائها، وفي ظل انتهازية غيرمسبوقة عندما تم إخضاع المؤسستين العسكرية والأمنية لصالح ميليشيا الحوثي المسلحة"، على حد قوله.
واعتبر الضالعي برنامج الحكومة استعراضا مزيفا من قبل رئيس الوزراء خالد بحاح، الذي كان الأحرى به "مراعاة الواقع والاعتراف للشعب بأن الرئيس اليمني تحت الإقامة الجبرية، فضلا عن أن وزير الدفاع، لايستطيع دخول مبني الوزارة، إلا بإذن من مسلحي الحوثي الذين منعوا رئيس الأركان الجديد من دخول الوزارة لممارسة عمله".
واعتبر الكاتب اليمني الحديث عن تطبيق السلم والشراكة بالأمر المضحك، خصوصا بعد القضاء على مفهومه وتدمير مضمونه من قبل الرئيس هادي بالدرجة الأولى وجماعة الحوثي بالدرجة الثانية، غير أن جوانب السلم والشراكة منعدمة تماما من المشهد العام، وكل ماهو موجود عمليا على الأرض هو "حرابة" منظمة تشرف عليها القيادة الحالية لليمن، بدعم من السفير الأمريكي بدليل تصاعد الانتهاكات لحقوق الإنسان، على حسب وصفه.
وبحسب الضالعي، فإن "الملف الاقتصادي الذي قدمته الحكومة كان مليئا بالمغالطة والتستر عن حقيقة الوضع الاقتصادي المتردي والمخيف، الذي يواجه مأزقا ماليا صعبا، بسبب هروب رأس المال المحلي والأجنبي، وتوقف الحركة الاستثمارية والتجارية والسياحية نتيجة الإتاوات التي تفرضها لجان الحوثي المسلحة".
ووفقا للائحة الداخلية لمجلس النواب، فإن من المقرر مناقشة برنامج الحكومة من قبل الأعضاء بعد ثلاثة أيام من عرضه على المجلس، ليتم بعد ذلك التصويت على منح الثقة حيث يعدّ عدم حصول الحكومة على تصويت أغلبية أعضاء المجلس بمثابة حجب للثقة.