لم يغلق مجلس النواب الأردني مساء الأربعاء الستار على اتفاقية الغاز المنوي توقيعها بين "إسرائيل" والأردن، لتبقى الكرة في ملعب الحكومة الأردنية بالمضي في الاتفاقية المثيرة للجدل أو إيقافها.
ومن المتوقع أن تقوم الأردن باستيراد الغاز المستخرج من حقل "تمار" الذي تملكه "إسرائيل" تحت سطح البحر الأبيض المتوسط على بعد خمسين ميلاً من شاطئ حيفا بكلفة 15 مليار دولار، لمدة 15 عاما ستحصل "إسرائيل" منها على 8 مليار دينار نظير تزويد الأردن بـ ـ 300 مليون متر مكعب من الغاز يوميا.
وتقول الحكومة الأردنية إن هذه الاتفاقية هي الخيار المتوفر عقب تفجير خط الغاز المصري أكثر من 20 مرة منذ عام 2011، بعد الإطاحة بالرئيس حسني مبارك، حيث كانت مصر تزود الأردن منذ عام 2004 بالغاز لتوليد ما يقرب من 90 بالمائة من الكهرباء في المملكة.
وكانت الأردن تدفع لمصر نحو ستة دولارات عن كل ألف قدم مكعب من الغاز. وقد أدى التوقف بالحكومة الأردنية إلى الاعتماد على الزيت الثقيل في التوليد، ما رفع العجز في ميزانية الدولة بنسبة 30% وبمعدل مليار و800 مليون دينار سنويا.
و انتهت الجلسة النيابية العامة المخصصة لمناقشة الاتفاقية، برفع توصية من مجلس النواب للحكومة بضرورة "عدم إقبال الحكومة على الاتفاقية لأي سبب كان".
وقال الخبير الدستوري الدكتور ليث نصراوين، إنها توصية "لا تغني ولا تسمن من جوع"، وأكد أن "توصيات مجلس النواب أو تصويته ضد اتفاقية الغاز الإسرائيلي لا يلزمان الحكومة الأردنية، كونها اتفاقية بين دولة وشركة، وليست بين دولة ودولة، كما أن الدستور لا ينص في هذه الحالة على موافقة مجلس النواب لكنه يملك ورقة حجب الثقة عن الحكومة".
وأقسم رئيس الحكومة الأردنية عبد الله النسور، ردا على مداخلات أعضاء مجلس النواب، على أنه "لم يطلب أحد من الأردن طرق باب إسرائيل، وأن دولتين فقط تصدران الغاز هما مصر والجزائر". وقال: "إن الحكومة نوت شراء الغاز من الجزائر.. إلا إن الجواب جاء: لا يوجد في الجزائر غاز للبيع".
النائب رولى الحروب، أثارت ضجة تحت القبة عندما شككت بقيمة الاتفاقية البالغة 15 مليار دولار، مؤكدة أن القيمة الفعلية للصفقة حسب أسعار السوق تبلغ 8 مليارات دولار فقط نقلا عن معهد واشنطن للدراسات.
تقول الحروب لـ"عربي21"، إنها تملك نص الدراسة الكاملة التي تثبت أن سعر الصفقة ليس كما تدعي الحكومة، ملمحة إلى وجود شبهة فساد في الاتفاقية.
ودعت الحروب إلى الاستثمار في حقل غاز الريشة (حقل الغاز الوحيد في الأردن)، إذ إن توسعة العمل في الحقل ستوفر 300 مليون متر مكعب يوميا من الغاز.
وفي العودة لنص استراتيجية الطاقة للأعوام (2007- 2020) التي نشرتها وزارة الطاقة والثروة المعدنية الأردنية على موقعها، رصد موقع "عربي21" أنه كان من المتوقع أن ينتج الأردن مع بداية عام 2015 من حقل الريشة، بعد تطويره، 300 مليون متر مكعب يوما وهو نفس الرقم الذي سينفق عليه 15 مليار دولار لاستيراده..
(نص الاستراتيجية على الرابط: https://www.memr.gov.jo/Portals/0/summary.pdf)
الحكومة الأردنية و على لسان وزير الطاقة والثروة المعدنية محمد حامد، ترى أن الاتفاقية إذا ما وقعت ستحمل "فوائد" للممكلة التي تعاني من أزمة تارخية في الطاقة.
وبرر الوزير الأردني تحت القبة بأن "الهدف من توقيع الاتفاقية هو عدم ديمومة الغاز المصري، وما تتكبده شركة الكهرباء جراء انقطاعه، و أسعار الغاز المستورد من شركة نوبل – الشركة التي تستخرج من إسرائيل- أقل من نصف سعر الغاز المسال من الشركات الأخرى".
ووقعت الحكومة الأردنية مع شركة نوبل للطاقة خطاب نوايا يتضمن قيام "إسرائيل" بتزويد الأردن بما قيمته 500 مليون دولار من الغاز إلى منشأتين صناعيتين أردنيتين بالقرب من البحر الميت، وسيأتي هذا الغاز من حقل "تمار" البحري الذي بدأ بإنتاج الغاز في العام الماضي.
شركة الغاز الطبيعي الأمريكية نوبل للطاقة التي تترأس اتحاد الشركات الذي يخطط لتطوير حقل "ليفياثان" والذي لن يبدأ تشغيله حتى عام 2017، تؤكد أن ثمن الغاز لـ "شركة الكهرباء الوطنية الأردنية" سوف "يستند بصورة أساسية على الربط مع أسعار النفط الدولية ويعتمد على التفاوض على اتفاق ملزم".
ويستورد الأردن – حسب أرقام وزارة الطاقة - ما يقارب الـ 97% من الطاقة من الخارج، أي ما يشكل نسبة 23% من الناتج المحلي الإجمالي. واحتل استيراد الغاز الطبيعي ما نسبته 80% من مجمل الطاقة لاستخدامه في توليد الكهرباء، والحق أن توقف الغاز المصري إثر التفجير المتكرر للأنبوب المغذي للأردن سبب خسائر لموازنة الدولة الأردنية، نظرا للاعتماد على الوقود الثقيل في التوليد وارتفاع كلفته.
ويملك الأردن خيارات أخرى في مجال الطاقة منها الاستثمار في
الطاقة المتجددة، إذ تشير استراتيجية وزارة الطاقة إلى أنه من المتوقع أن ترتفع نسبة الاعتماد على هذا النوع من الطاقة بنسبة 4% في عام 2015،كما أن الأردن يملك احتياطيا كبيرا من الصخر الزيتي يتراوح بين 1400 و3800 مليون دولار سنويا بمخزن يقدره خبراء جيولوجين بـ 40 مليار طن.
وأثارت تصريحات وزير التنمية السياسية خالد الكلالدة (المعارض اليساري السابق) المؤيدة لاتفاقية الغاز الإسرائيلي صخبا على مواقع التواصل، بسبب تحول مواقفه إلى مؤيدة للتطبيع بعد دخوله الحكومة.
وهدد الكلالدة بأن "الشعب هو من يتحمل إلغاء اتفاقية الغاز"، قائلا تحت القبة، إن "عدم إيجاد بديل للغاز سيحمل الأردنيين تبعات كبيرة على قطاع الطاقة، كالقطع المبرمج وارتفاع أسعار تعرفة الكهرباء".
وسبق تصويت مجلس النواب الأردني إشهار ائتلاف شعبي نقابي نيابي لمواجهة صفقة استيراد الغاز من الجانب الإسرائيلي.
رئيس لجنة مقاومة التطبيع النقابية المهندس بادي الرفايعة يرى في حديث لـ"عربي21" أن الأردنيين كانوا سيجدون أنفسهم مجبرين على التطبيع" وعلى دفع النقود لخزينة العدو الذي يقتل أهلنا في فلسطين".
ورفض الرفايعة "مبدأ التطبيع مع العدو الصهيوني تحت أي مبررات"، واصفا هذه الاتفاقيات بأنها "علاقات مشبوهة تعطي شرعية للكيان الصهيوني".
وقال الرفايعة لـ"عربي21": "لن نقبل بأن نكون شركاء في عمليات القتل وممولين لخزينة العدو الصهيوني، كما أنه من غير الممكن أن نقبل بأن يرتبط أمن الطاقة في الأردن بالعدو الصهيوني، ليتحكم في غازنا وكهربائنا. هنالك بدائل أخرى في ملف الطاقة، كاستخراج الصخر الزيتي والاستثمار في الطاقة المتجددة، واستيراد الغاز من دول أخرى كالجزائر وقطر ومصر على الأقل. يجب أن نحفظ كرامتنا. كيف لنا أن نشتري غازا من عدو يحتل أرضنا؟".
ورغم المزاج النيابي الرافض للاتفاقية، إلا إنها تجد لها مؤيدين، النائب علي الخلايلة عضو لجنة الطاقة في مجلس النواب الأردني يؤيد الاتفاقية مبررا ذلك بأن الحكومة ستوقع الاتفاقية مع شركة "نوبل" الأمريكية، وسيتم تنفيذها بعد عام 2018 الأمر الذي سيسرع من تخفيض عبء فاتورة الطاقة التي تكلف الخزينة حوالي مليار و800 مليون دينار سنويا".
يقول النائب لـ"عربي21": "لا يستطيع أحد المزاودة على مواقف الأردن والشعب الأردني من مناصرة القضية الفلسطينية، لكن هذه الشركة الأمريكية تملك أكثر من 70% من الأسهم كما إنها ستورد الغاز لمصر والسلطة الفلسطينية، لذا مصلحة الأردن العليا توجب علي كنائب أكون معها".
يواصل النائب تبريره بالقول، إن "فاتورة الطاقة تراكمت لعدة سنوات، كما أن خدمة الدين بسبب فواتير الطاقة. والحكومات الأردنية السابقة كانت تنفذ الأمور الآنية ولم تكن تستشعر الخطر القادم. أما الحكومة الحالية فقد استشعرت خطر فاتورة الطاقة القادم، لذا فإنها تبحث عن أي فرصة للتحفيف من هذه الفاتورة"..
رئيس لجنة الطاقة في مجلس النواب جمال جموه، يعد الحديث عن كون الاتفاقية موقعة مع الشركة الأمريكة وليس "إسرائيل" عملية تجميل، قائلا لـ"عربي21" إن هذه الاتفاقية ستضخ 8 مليارات دولار في خزينة العدو الصهيوني خلال 15 سنة. وهذا سيساهم بشكل أو بآخر في ازدياد عدوانية إسرائيل واعتدائها مرة أخرى على شعبنا في فلسطين، بالإضافة لتحكمها بغازنا والكهرباء. فعند تعارض المصالح مع العدو ستقوم بقطع الكهرباء، لأن هذه الدولة لا تحترم مواثيق أو عهودا، وخير مثال اتفاقية وادي عربة ومحاولتها تهويد وتدمير المقدسات الإسلامية في القدس".
ويشير معهد وشنطن للدراسات المقرب من الجمهوريين، إن العاهل الأردني الملك عبد الله متردد في المضي حول المضي قدمًا في إبرام المزيد من صفقات الغاز مع "إسرائيل" خوفا من ردود فعل محلية عنيفة.
وفي 24 شباط/ فبراير ، وصف حزب "جبهة العمل الإسلامي" الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين الأردنية، الاتفاق مع
الكيان الصهيوني بأنه "إجرامي" و"يتعارض مع أفضل مصالح الأردن"، ويشكل "هجوما على القضية الفلسطينية".
لكنّ انخفاض وتيرة الاحتجاجات في الأردن، واعتقال بعض قادة الجماعة، ربما يكون ممهدا للطريق أمام الاتفاقية.