يستشعر الرئيس
محمود عباس الخطر الذي يقترب منه في رئاساته الثلاث، حركة
فتح ومنظمة التحرير والسلطة
الفلسطينية، لذا باتت تصرفاته عدائية وأصبح يمارس الإقصاء بحق كل من يخالفه من داخل السلطة وحتى من حركة فتح، وازداد الحديث مؤخرا في أوساط الدائرة القريبة منه عن نظرية المؤامرة، رغم أنها قصة قديمة بدأت بالإعلان عن تآمر على الرئيس من بعض أعضاء وفده أثناء توجهه إلى الأمم المتحدة في العام 2011، ثمّ بالحديث عن انقلاب تنفذه "
حماس" وانقلابات ينفذها محمد دحلان وسلام فيّاض وياسر عبد ربه وأعضاء من مركزيّة "فتح". بينما لا تبدو علاقاته الخارجية مع نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السياسي والإمارات العربية بأفضل حالها، ما يشير إلى أن العام القادم 2015 حاسم في الحياة السياسية لرئيس السلطة، في ظل حالة عدم الرضا عن سياساته المتبعة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
الأزمة داخليا
مع تزايد ميول الرئيس محمود عبّاس للتحكم منفردا بالقرار السياسي والإداري للسلطة بات واضحا أن إدارة السلطة أصبحت في يد واحدة في صورة أقرب إلى نهج الراحل ياسر عرفات.
وفي ظل تصاعد الصرعات الداخلية اتخذ عباس سلسلة خطوات هجومية خلال الشهور الثلاثة الأخيرة، ضد من اعتبرهم خصومة، كان من بينها إعلان نقابة "الوظيفة العموميّة" نقابة غير شرعيّة، واعتقال رئيسها بسام زكارنة، إضافة إلى إصدار أمر باعتقال إبراهيم خريشة، أمين عام المجلس التشريعي، لا لشيء، إلا لأنه دعا للاحتجاج على هذا القرار، وطرد مدير قسم الأخبار في تلفزيون فلسطين، أحمد زكي، من دون إنذار، بسبب معارضته لمقابلة مع الإعلامي المصري المثير للجدل توفيق عكاشة.
ثم جاءت حلقة برنامج "حكي على المكشوف" في تلفزيون فلسطين في 4-12-2014 الذي نصّب فيها المذيع ماهر شلبي نفسه ناطقًا باسم الرئيس، وهاجم بعض القادة السابقين والحاليين "منهم ياسر عبد ربه" مشيرا إلى أنهم تآمروا بالتعاون مع دولة عربيّة ضد الرئيس، والتقوا بوزير الخارجيّة الأميركي، ولاحقا جرى الحديث عن قرار جاهز من الرئيس لإقالة عبدربه من منصبه.
لا يمكن إغفال منافسة تياري دحلان وعباس للتسابق نحو المؤتمر السابع، بينما تشي حالة الفوضى والفلتان التي ميزت مؤتمرات فتح الانتخابية بغزة بعمق الصراع.
وكانت ذروة الخلافات والصراعات برزت بشكل جلي خلال حديث أبو مازن أمام المجلس الثوري 12-3-2014 الذي كان مفاجئا للجميع. بفتحه ملف محمد دحلان المليء بالألغام، تلك الاتهامات دفعت دحلان إلى رفع نبرة الخطاب، شانّا هجوما لاذعا على عباس، في برنامج العاشرة مساء الذي يقدمه الإعلامي وائل الأبراشي على قناة "دريم 2"، في 16-3-2014 وبعد «التقذيع» في شخص الرئيس نفسه، رد دحلان بتهم مماثلة تتعلق بالفساد، واستغلال عباس منصبه في عقد صفقات تجارية لأولاده.
ورغم أن الاستعدادات والتحضيرات لا توحي بأن المؤتمر العام السابع لحركة فتح سيعقد في مدينة رام الله في منتصف يناير 2015، كما أعلن الرئيس محمود عباس في جلسة مغلقة لأعضاء اللجنة المركزية، غير أن قادة كبار في الحركة، بمن في ذلك الموالين لأبو مازن نفسه انخرطوا في خلافات داخلية، هدفها التنافس والظفر بلقب قيادي في تلك الانتخابات.
ففي كافة أقاليم الحركة، سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية وكذلك في أقاليم الخارج، تحتدم حالة الخلاف الداخلي بين قيادات حركة فتح، وقد ترجم ذلك على الأرض في قطاع غزة في واقعتين علنيتين، فيما كانت التظاهرة الكبيرة لأنصار دحلان في قطاع غزة 18 ديسمبر الجاري والملصقات التي تطالب برحيلة مؤشرا على الوصول إلى نقطة العودة واتساع رقعة الشرخ والانشقاق بين تياري دحلان وعباس.
في هذه الأثناء ظهرت سلسلة من الشائعات جاءت من داخل البيت الفتحاوي، لتعبر عن حالة من توتر وعدم ثقة في المستقبل، وتركزت الشائعات حول تدهور صحة الرئيس أبو مازن وخلافه مع رئيس الوزراء رامي الحمد الله وعضو اللجنة المركزية عزام الأحمد، وتوفيق الطيراوي.
الأزمة مع أطراف عربية
علاقات عباس غير المستقرة امتدت لتشمل عددا من الدول العربية، وعلى رأسها مصر، ورغم تصريحات أبو مازن بارتياحه لتولي عبد الفتاح السيسي سدة الحكم، إلا أن ذلك الارتياح لم يدم طويلا، وبدت العلاقة باردة بين الاثنين، لظهور القيادي السابق في حركة "فتح" محمد دحلان، الخصم اللدود لعباس، في المشهد، وسرعان ما حظي دحلان بعلاقة أقوى بالسيسي، وبات زائرا شبه مقيم في القاهرة، بعيدا عن أضواء الإعلام.
وكانت مصادر مصرية "وثيقة الاطلاع"، قد أكدت في مارس 2014 وفق ما أوردت مصادر صحفية، أن العلاقات المصرية مع الرئيس محمود عباس "متوترة على أرضية خلاف الأخير مع خصمه محمد دحلان مسؤول الأمن الوقائي الأسبق".
وقد بلغت الخلافات أوجها بين عباس والسيسي، بعد رفض الأول التصالح مع دحلان المقيم في الإمارات، وأحد عرابي الانقلاب العسكري في مصر، وأدى إصرار عباس على موقفه إلى خسارته دولة الإمارات كذلك، كونها تحتضن دحلان الذي تجمعه بها علاقات أمنية واقتصادية.
أمام التطورات الأخيرة والحديث حول المؤامرات والانقلابات، خصوصا عندما يكون المتّهمون فيها بلدانا عربيّة وأجنبيّة وفصائلَ وشخصياتٍ قياديّة سابقة وحاليّة، يمكن أن يكون الأمر محاولة من أبو مازن لافتعال صراع داخلي وانعكاس للأزمة الداخليّة العميقة الناجمة عن فشل الخيارات السياسية المعتمدة وتداعياتها على كل المستويات، ومحاولة لتخويف وقمع المعارضين والمنتقدين والمتنافسين عشيّة عقد مؤتمر "فتح" ومع بدء الصراع على خلافة أبو مازن.
كما أن خصوم عباس المحليون لا يقتصرون على حركة فتح، فهو لازال يستعدي حركة حماس من خلال عدم تطبيق بنود اتفاق الشاطئ، وتخليه عن قطاع غزة بعدم تفعيل حكومة الوفاق فيها، وتأخير الإعمار.
وفي محيط الرئيس يبدو اللاعبون المؤثرون أكثر من فريق، فمن ناحية تلعب أجنحة فتح المتصارعة، وعلى رأسها تيار دحلان، دورا قويا في المشهد السياسي رغم إقصائه، بينما رجال المال والأعمال يقفون متأهبين ويتحكمون بجزء كبير من أوراق اللعبة السياسية على اعتبار أن من يملك المال يملك القرار.
في زاوية غير بعيدة يبدو الجنرالات ورجال الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية، وعلى رأسهم اللواء ماجد فرج مدير المخابرات العامة، يستحوذون على الدور الأهم، لكن خلف الكواليس في مقر المقاطعة كثرت التكهنات مؤخرا حول دور فرج وإمكانية أن يصبح رئيس السلطة المقبل.
لذا فإن العام القادم 2015 حاسم في الحياة السياسية لرئيس السلطة، خاصة في ظل حالة عدم الرضا عن سياساته المتبعة على الصعيدين المحلي والدولي، ما يجعل السلطة وحركة فتح مرشحتين لأي متغيرات مفاجئة وسريعة تتعلق بموقع أبو مازن في ظل التطورات سالفة الذكر.
ويبدو أنه سيكون على حماس تحديد مواقفها من الأطراف المتصارعة داخل السلطة وفتح؛ لأنها مضطرة أن تعيد صياغة علاقتها المستقبلية مع خصومها السياسيين وشركائها في الحكم.
فيما تستدعي المخاطر المحدقة بالقضية الفلسطينية تشكيل جبهة صد من الفصائل ومؤسسات المجتمع المدني وأجنحة المقاومة لمواجهة لواجهة أدوار إسرائيلية وأمريكية وإقليمية، لتحضير قيادة بديلة لأبو مازن تقوم بدور وظيفي لا يخدم القضية.