مع نهاية
السنة الميلادية، 2014 وقدوم سنة 2015، لم يختلف الحال عن السابق في مستوى المصائب والكوارث والحروب على أمة خير الأنام.. سنة شهد فيها
العالم العربي تغيرات جذرية وتاريخية لم تحصل من قبل، ولم يتوقعها أكبر المتشائمين.. أحداث قد تكون غريبة بالنظر إلى المفارقات العجيبة في مصير ثورات الربيع العربي.
هذا التناقض تجلى بالتحديد في ثورتي
تونس ومصر اللتين كانتا في بدايتهما نموذجيتين بسقوط أنظمة وصعود أخرى بصورة ديمقراطية في سنة 2011، لكن الذي حدث في سنة 2014 كان مفاجئا إلى أبعد الحدود بانقلاب "مسلح" للجيش في
مصر، وآخر ناعم في تونس عبر "دبابة" الإعلام، وعوامل خارجية أخرى..
رغم أن هذه الأخيرة (تونس) كانت أكثر حظا من خلال مصادقة المجلس التأسيسي هناك، بإجماع كبير، على أول دستور للبلاد بعد الثورة، الدستور الجديد جسد توافقا واسعا بين الأحزاب السياسية، وشكل حجرا أساسيا في عملية الانتقال الديمقراطي، وهو ما جعلها نقطة مضيئة ومشعة للعالم العربي في هذا العام.
كما شهدت تونس في تشرين الأول/ أكتوبر 2014 انتخابات برلمانية أظهرت فوز حزب نداء تونس، وسط تشكيك من أنصار حركة النهضة وحلفائها في مصداقية الانتصار، الذي وصفه المحللون بفوز القوى العلمانية ضد الإسلاميين والديمقراطيين المعتدلين، حزب حركة نداء تونس العلماني فاز بستة وثمانين مقعدا في البرلمان الجديد المؤلف من 217 عضوا، في حين حصل حزب حركة النهضة على 69 مقعدا.
وشهدت تونس أيضا انتخابات رئاسية تنافس فيها الباجي قائد السبسي أمام المنصف المرزوقي، لتفرز الانتخابات في النهاية في شهر كانون الأول/ ديسمبر فوز السبسي بولاية مدتها خمس سنوات.
على عكس تونس في مصر حصل انقلاب عسكري بقيادة وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي على حكم الرئيس محمد مرسي، لتشهد مصر فترة عدم استقرار، تمكن فيها السيسي من السيطرة على البلد، ليترشح للرئاسة التي فاز فيها لاحقا، حيث ابتدأ حكمه مباشرة بالحكم بإعدام 529 من أنصار وقيادات الإخوان، وذلك على خلفية اتهامات بالاعتداء على منشآت عامة، وارتفع العدد في نيسان أبريل إلى 683 متهما، وأثارت أحكام الإعدام استنكارا دولياً، وعدّتها الأمم المتحدة "انتهاكا للقانون الدولي الإنساني.
لكن وبالرغم من ذلك فقد جرت الانتخابات المصرية في أيار/ مايو، وأعلنت لجنة الانتخابات المصرية فوز السيسي وزير الدفاع السابق بالانتخابات الرئاسية، وذلك بعد الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي.
في سوريا، تفاقمت الأوضاع لتصل إلى طريق مسدود بين معارضي الأسد ومسانديه، وهو ما جعل سوريا مرتعا وأرضا لصراع ديني وطائفي، جعل منها بؤرة مركزية من بؤر التوتر والإرهاب في منطقة الشرق الأوسط .. ولم تكن اليمن أقل سوءا بسقوط مدوٍ للحكومة والنظام والشارع في أيدي الحوثيين، زادت البلد أزمة، خاصة أن اليمن يعيش فترة اقتصادية حرجة بسبب عدم الاستقرار..
في ليبيا تحول الوضع هناك ليصل إلى حرب شوارع، وصفها المتابعون بالحرب القبلية التي لا حل لها، حيث شهدت طرابلس انقساما سياسيا عميقا بوجود حكومتين ومجلسين تشريعيين هما: مجلس النواب المنتخب، والمؤتمر الوطني العام الذي قرر في نهاية آب/ أغسطس الماضي استئناف نشاطه، واتخذ مجلس النواب الليبي والحكومة المنبثقة عنه من مدينتي طبرق والبيضاء في شرق ليبيا مقرا مؤقتاً..
كما شهدت ليبيا قيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر جيشا انقلابيا، ضرب خلاله كل من يدعم حكومة الإخوان متبعا خطى رفيقه السيسي، وهو ما خلق غذاء لحرب قد لا نعرف توقيت نهايتها.. وتاريخ إيقافها قد تطال استقرار دول الجوار (تونس والجزائر).
وفي ذات السياق، واصل جنرالات الجزائر تحكمهم في الأوضاع بالبلد بمنح الرئيس "المقعد" عبد العزيز بوتفليقة ولاية جديدة عبر وعود سياسية وهمية لشعب اعتاد حكم الرجل الواحد منذ اغتيال الرئيس الراحل هواري بومدين.
في العراق، كان الوضع أكثر تعقيدا، حيث سيطرت قوات تنظيم "الدولة الإسلامية" التي تعرف بداعش والمدعومة بلعبة استخباراتية من واشنطن وحلفائها، حيث احتلت خلالها مدينة "الفلوجة" لتمتد لاحقا لمحافظة الأنبار الاستراتيجية التي تمثل همزة وصل بين شمال غرب بغداد وبين مطارها وصولا إلى كربلاء جنوبا، وهو ما أدى إلى شلل تام للحركة الاقتصادية في بلاد الرافدين لتتطور الأوضاع في حزيران/ يونيو (جوان) حتى تتمكن قوات تنظيم الدولة الإسلامية من السيطرة على مدينة الموصل في شمال العراق، وكذلك على منشآت حيوية في المدينة من أهمها مبنى محافظة نينوى، والمطار، ومناطق حيوية أخرى.
في
فلسطين الحبيبة، استقبل الشرفاء هناك سنة 2014 بحرب ضروس على قطاع غزة، دأبت فيها إسرائيل هجوما واسعا على قطاع غزة، كان الهدف هو وقف إطلاق الصواريخ من القطاع ،كما أعلنت السلطات الإسرائيلية، استمرت الحرب 50 يوما، وأدت إلى استشهاد 2100 فلسطيني، ومقتل 70 صهيونيا، وتدمير ما يزيد عن 20 ألف بيت للفلسطينيين في غزة.
لكن وبالرغم من ذلك فقد انتصرت المقاومة في أول حرب جدية لها في وجه العدو الصهيوني، ما اضطر هذا الأخير لوقف الحرب والاستسلام أمام كتائب عز الدين القسام المقاومة لتشهد فلسطين بعد ذلك حكومة الوفاق الوطني، التي كانت أول حكومة فلسطينية تشكلت في شهر حزيران/ يونيو 2014، بعد مشاورات مع كافة الفصائل الفلسطينية، وترأسها الدكتور رامي الحمد الله، وذلك لرأب الصدع في الواقع السياسي الفلسطيني.
وتشهد نهاية السنة بداية اعتراف من بعض الدول بدولة فلسطين على غرار مشروع القرار في البرلمان الفرنسي وآخر داخل دواليب الأمم المتحدة، ومن المنتظر أن تكون السنة المقبلة سنة الاستقلال لدولة فلسطين.
في الخليج تواصل في سنة 2014 التسابق على أشده على السيطرة ولعب الأدوار السياسية الأولى داخل دول الربيع العربي، وهنا نتحدث أساسا وبالأخص عن الإمارات وقطر اللتين كانتا تتسابقان في تمويل الإخوان وأضدادهم من الأنظمة القديمة (التجمع في تونس ومبارك في مصر)، وهو ما خلف صراعا دائما وتوترا في العلاقات داخل مجلس التعاون الخليجي الذي وضع قطر في الزاوية، قبل أن ترضخ هذه الأخيرة للضغوطات وتعود للسرب، بعد أن سقط الإخوان في كل من تونس ومصر، وتغير هذه الأخيرة منهجها في التعامل مع الأحداث.
عموما كانت سنة 2014 سنة كارثية بامتياز للعرب، في هذا السياق يأمل أبرز النقاد والمتابعين للوضع العام داخل الوطن العربي في سنة 2015 أن تتحسن الأوضاع على الأقل أمنيا، في انتظار تحسنها اقتصاديا في قادم الأيام، عبر إصلاح البوصلة للحكام الجدد في المنطقة، وهو سيمثل رهانا رئيسيا لكل الدول في المنطقة والعالم أجمع.
نسأل الله السلامة لأمتنا العربية، وندعو الله العزيز بإصلاح الحال، والرحمة بأمة محمد جمعاء.