بدأت الولايات المتحدة الأمريكية عدوانها على أفغانستان في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2001، متذرعة بهجمات الـحادي عشر من أيلول/سبتمبر، وكان من المفترض أن تنتهي تلك العملية باعتقال "أسامة بن لادن"، وتصفية حركة "طالبان" والقوى الأخرى، وذلك وفق سياسة "مكافحة الإرهاب" التي وضعها "جورج بوش" الأب -الذي كان يتولى رئاسة الولايات المتحدة في تلك الفترة- على أن يؤدي ذلك، وفق الخطة ذاتها، إلى تحقيق الأمن واستتبابه في أفغانستان.
ولقد دأبت الولايات المتحدة، وبريطانيا، وقوات حلف شمال الأطلسي "الناتو" على إرسال الجنود إلى أفغانستان، وعقب ذلك أعلنت واشنطن للعالم أجمع، أنها ستبقي جنودها هناك لتشعر الآخرين بوجودها، من أجل تحقيق السلام الدائم في أفغانستان.
وبعد 13 عاماً ستحول قوات التحالف المرتبطة بـ"الناتو"-المكونة من قوات عسكرية من أكثر من 50 دولة- مهمة مكافحة "القاعدة" و"طالبان"، إلى مهمة جديدة اعتباراً من الأول من الشهر الحالي.
سيبقى في أفغانستان 13 ألف جندي فقط من تلك القوات البالغ تعدادها 140 ألف جندي، وذلك من أجل تقديم المشورات العسكرية المختلفة للقوات الأفغانية، أما الولايات المتحدة فستقدم الدعم الجوي لتلك القوات.
.. بعد 13 عاماً اضطر حلف شمال الأطلسي لترك أفغانستان، وهو يجر وراءه أذيال الفشل في مواجهة الإرهاب، تاركاً كثيراً من الجراح الغائرة في جسد الأمة الأفغانية، جراحاً غائرة لدرجة يصعب معها التئامها.
وهكذا ينهي الأمريكان والبريطانيون مغامرتهم الأفغانية بهزيمة نكراء، شأنهم في ذلك شأن روسيا التي سبق أن خاضت نفس التجربة.
وإذا ما طالعنا الماضي المرير لتلك الدولة – أي أفغانستان البالغ عدد سكانها 25 مليون نسمة- لوجدناها مستمرة منذ 25 عاماً في مواجهة الاحتلال والحروب الداخلية، وهي مغروسة في مستنقع من الفقر والفساد المالي والإداري.
الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي أنفقوا حتى اليوم 61 مليار دولارٍ من أجل تدريب 350 ألف جندي أفغاني، فضلاً عن أن آلافاً من الشعب الأفغاني ما بين مدنيين وعسكريين، لقوا حتفهم دون أي ذنب يُذكر. هذا كله أمام أعين حكومة "المافيا" الأفغانية، والبرلمان الدُمية، ووسط انتخابات غير ديمقراطية، وفساد مالي وإداري حتى النخاع. وبعد كل هذا يخرج التحالف الدولي من المعركة خاوي الوفاض بعد آماله العراض، ودون أن يحقق أياً من الأهداف التي بدأ من أجلها الحرب في أفغانستان.
شهدت هذه الحرب مقتل 4600 جندي أفغاني، خلال 13 عاماً، بينما مات من قوات التحالف 2224 أمريكا، و3500 جندي آخر من جنسيات مختلفة. وتذكر تقارير الأمم المتحدة أن الجيش الأفغاني لا يمكنه الصمود أمام "طالبان" والتنظيمات الأخرى دون الحصول على الدعم اللازم من حلف شمال الأطلسي، الذي يذكرنا بانسحابه اليوم من مستنقع أفغانستان بالانسحاب الروسي من المستنقع ذاته.
لكن لا ننسى أن الحلف سينسحب من البلاد مخلفاً ورائه جملة كبيرة من الشبهات حول ارتكابه انتهاكات بالجملة لحقوق الإنسان بحق الأفغان. فهناك المئات من المدنيين الذين لقوا حتفهم في قصف تم عن طريق الخطأ للمنازل، والمدارس، والجوامع، والمستشفيات واقتصر رد فعل تلك القوات حيال ذلك على إصدار بيانات اعتذار فقط.
وثمة تقارير تشير إلى أن الجنود المشاركين في تلك الحرب قاموا بعمليات تعذيب في ثكناتهم وفي القواعد العسكرية بحق مواطنين أفغان.. انتهاكات بالجملة لحقوق الإنسان يندى لها الجبين، ولا يمكن للإنسانية أو التاريخ أن ينساها مطلقاً.
وذكرت تقارير مستقلة حول عدد الوفيات من المدنيين في أفغانستان طيلة تلك الفترة أن عدداً من المدنيين يتراوح بين 3700 شخص و5 آلاف شخص لقوا حتفهم نتيجة القصف الأمريكي. فضلاً عن الحالات الأخرى التي نجت، لكن بها عاهات مختلفة، وهؤلاء مسكوت عنهم.
ما أشبه اليوم الذي يخرج فيه "الناتو" وأمريكا يجرون أذيال الخزي والعار بالبارحة التي تجرعت فيها روسيا نفس مرارة الهزيمة.
فالولايات المتحدة التي كانت سبباً في دخول تلك القوات لأفغانستان، اضطرت في نهاية المطاف إلى الهرب بعد هزيمتها النكراء، تاركة خلفها حالة أكبر من الفوضى وعدم الاستقرار، وانتهاكات لحقوق الإنسان كما قلت.
وأدلة الجريمة التي تدين الولايات المتحدة، هي ما تركته خلفها من حالات قتل، وتعذيب، وعاهات في صفوف المدنيين.. أمور مؤلمة تقتضي على محكمة حقوق الإنسان الدولية، والحقوقيين المستقلين، فتح ملف الجرائم الإنسانية التي خلفتها وراءها أمريكا وهي تهرب.
• ترجمة وتحرير- تركيا بوست.
• خاص بموقع (عربي21).