انتشرت في الآونة الأخيرة مقولة مفادها أنّ "الانخفاض في أسعار
النفط العالمية أدّى إلى وفر اقتصادي في
تركيا بلغ حوالي 40 مليار دولار خلال 6 أشهر، أي ما يعادل ما أنفقته أنقرة على استضافة الشعب السوري المنكوب حوالي 10 أضعاف"، كما تقول المعلمومة المتداولة، التي نشرتها أيضاً بعض المواقع الإخبارية الإلكترونية.
والحقيقة أنّ هذه المعلومة خاطئة جملة وتفصيلاً، كما سنبيّن.
وفقاً للأرقام الرسمية المنشورة، فإنّ فاتورة تركيا من مصادر الطاقة المستوردة ارتفعت من حوالي 39 مليار دولار في العام 2008 إلى حوالي 60 ملياراً في العام 2012، ويعود ذلك بشكل أساسي إلى
النمو المطّرد الذي شهده
الاقتصاد التركي خلال الفترة الماضية، الذي انعكس نمواً في الطلب على الطاقة بنسبة حوالي 6% تقريباً، مترافقاً مع ارتفاع أسعار النفط والغاز خلال السنوات القليلة الماضية.
وتستورد تركيا معظم حاجاتها من الطاقة من الخارج (99% من الغاز وأكثر من 90% من النفط الخام)، ولذلك فهي تعاني دوماً من عجز في الحساب الجاري نتيجة ارتفاع فاتورة وارداتها من النفط.
وعليه، لا شك أنّ انخفاض أسعار النفط سيؤدي إلى خفض في هذا العجز، حيث تشير بعض التوقعات الحكومية إلى تراجعه بمقدار حوالي 4.5 مليار دولار لكل 10 دولارات، انخفاض في أسعار النفط تحت سقف الـ100 دولار.
وفقاً لتقديرات علي باباجان، نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، فإن كل تراجع لأسعار النفط الخام بقيمة 10 دولارات، سيكون له أيضاً انعكاس على انخفاض حجم التضخم في البلاد بنسبة 0.5%، وكذلك ارتفاع في حجم النمو بنسبة 0.3%.
بناءً على هذه المعادلة، إذا ما عدنا إلى المقولة الأولى التي تدّعي توفير تركيا لحوالي 40 مليار دولار نتيجة انخفاض أسعار النفط، فهذا الادعاء يفترض حقيقة أن تنخفض الأسعار بمقدار 90 دولاراً، أي أن يصبح سعر برميل النفط 10 دولارات، وأن تكون أسعار صرف الليرة التركية خلال الفترة نفسها ثابتة، وهو أمر مناف للمنطق طبعاً، ولم يحصل.
صحيح أنّ الانخفاض في أسعار النفط قد حقق بعض الوفر في فاتورة الطاقة التركية، وخفّف من العجز في الحساب الجاري، لكن مقابل هذا الجانب الإيجابي هناك عدد من السلبيات.
في مقال نشرته مؤخراً تحت عنوان "أخبار جيّدة للاقتصاد التركي"، ذكرت أن انخفاض أسعار النفط يحمل معه من دون شك أخباراً جيدة للاقتصاد التركي، لكني ذكرت في السطر الأخير من المقال أنّ "الانخفاض في أسعار النفط قد لا يبقى طويلاً، ناهيك عن أن حجم الاستفادة من هذا الانخفاض تعتمد أيضاً على سعر العملة التركية خلال مرحلة الانخفاض".
في 15 كانون الأول/ ديسمبر من الشهر الماضي، انخفضت قيمة العملة التركية الليرة إلى مستوى قياسي أمام
الدولار، حيث وصل الدولار إلى حوالي 2.39 ليرة. وعلى الرغم من تحسن سعر الصرف قليلاً الآن، إلا أنّه لا يزال منخفضاً مقارنة بالأشهر التي سبقت انخفاض أسعار النفط.
بمعنى آخر، إن الانخفاض في أسعار النفط جاء مصاحباً أيضاً لانخفاض في سعر صرف العملة، وبما أنّ تركيا تدفع ثمن وارداتها من الطاقة بالعملة الصعبة "الدولار"، فهذا يعني أن على تركيا أن تصرف المزيد من الليرات لتحصل على الدولارات التي ستدفعها مقابل وارداتها من الطاقة، ولا شك أنّ هذا سيحد أيضاً من الأرباح التي من الممكن أن تحققها نتيجة انخفاض أسعار النفط.
ليس هذا فحسب، بل هناك عامل أكثر أهمية أيضاً، لم يشر إليه كثير من المحللين عند حديثهم عن الأرباح التركية المتأتيّة من انخفاض أسعار النفط: تحتل الدول التي تعتمد بشكل أساسي على عوائد النفط والغاز موقعاً متقدماً في قائمة أكبر الدول المستوردة للسلع التركية.
على سبيل المثال، العراق يحتل المركز الثاني، وروسيا تحتل المركز الثالث، وهناك ثلاث دول من أصل خمس في قائمة أكبر الدول المستوردة للسلع التركية، وهي دول تعتمد بشكل أساسي ورئيسي على عوائد النفط والغاز.
لا شك أنّ انخفاض أسعار النفط بهذا الشكل سيؤثر على ميزانيات هذه الدول، وقد يدفعها ذلك إلى تقليص النفقات، وأيضاً تخفيض حجم الواردات، وهو الأمر الذي سيؤثر سلباً على الصادرات التركية إلى هذه الدول، حيث من المتوقع أن ينخفض حجم هذه الصادرات، وبالتالي أن يسجل ذلك في باب الخسائر التركية.
ناهيك عن أنّ انهيار سعر صرف العملة الروسية "الروبل" جرّاء العقوبات التي فرضت على موسكو، وتردي الوضع الاقتصادي، أثّر سلباً على تركيا، ولا بد أنّ ذلك سينعكس على مستوى حجم التجارة الخارجية في البلاد، وبالتالي على المستوى الاقتصادي أيضاً.