كتب محمود أورفور: ما زالت العملية
الإرهابية الدموية التي حدثت في
فرنسا تهز العالم.
شخصان -مراقَبان من قبل الاستخبارات الفرنسية لمدة طويلة- يقومان في منتصف أحد الأيام بالهجوم على مركز إحدى المجلات، وقتل 12 شخصا.
الغريب في الأمر أن هذين الشخصين قاما بترك هويتهما في السيارة!
والأمر نفسه يقوم به انتحاري في إسطنبول!
نحن نواجه إرهاباً عالمياً تم التخطيط له بمنتهى الدقة، ولكن الأمر المهم هنا هو ليس القبض على هؤلاء الإرهابيين، ولكن هو معرفة أسباب هذه الهجمات.
الحقيقة هي أن البنية التحتية لهذا الإرهاب الذي يسود كلا طرفي العالم -شرقه وغربه- يتم إنشاؤها منذ سنوات طويلة.
ولكي نستطيع رؤية هذه الحقيقة فإن النظر إلى السنوات العشر الأخيرة فقط كافٍ. فالقوى العالمية لا تستطيع تحمل أي مظهر من مظاهر الديمقراطية والحرية؛ خاصة في العالم الإسلامي.
أما في أوروبا فتزيد عداوة المغتربين، ويزيد الحقد على المسلمين بين يدي كتاب نشره "وقف الديمقراطية الاجتماعية" (SODEV) هو "مناهج الديمقراطية الاجتماعية في جدول أعمال العالم"!.
لا أعلم ما إذا كان الديمقراطيون الاجتماعيون في تركيا يقرأونه، ولكن هذا الكتاب الذي قام بتحضيره كل من "آيدن تشنجي" و"محرم آتشيككوز"، ويحتوي على نصوص تم نشرها في ألمانيا عام 2010 تحت عنواني "المجتمع الجديد" و"دفاتر فرانكفورت".
وأحد هذه النصوص يتحدث عن "عداوة الإسلام في أوروبا ونتائجه الاجتماعية"؛ في هذا النص الذي كتبه "كآئي حافظ" يوجد تثبيت مهم يصف حالنا الذي وصلنا إليه اليوم، يقول فيه: "إن المسافة بين النظام السياسي الليبرالي الذي يؤمن بالديمقراطية والمجتمعات الأوروبية المنزعجة من ذلك تكبر يوماً بعد يوم. وهذا الوضع يشكل تهديداً حقيقياً على النظام الليبرالي".
يرى "حافظ" أن هناك مواقف إيجابية تجاه المسلمين في بريطانيا وفرنسا، ولكن في ألمانيا وهولندا يرى الوضع سيئاً للغاية.
هل يمكن أن يكون هذا أحد أسباب اختيار الإرهاب لفرنسا؟
القوى العالمية تقدر الأرضية السياسية التي تعفنت في العالم الإسلامي بشكل جيد، كما أنها تقوم باستعمال الأرضية السياسية الغربية.
المقال الذي كتبه "هشام ملحم" مدير مكتب العربية في واشنطن -قبل أشهر- بعنوان "البربرية داخل حدودنا" يصف الوضع الحالي؛ فبعد أن كتب ملحم: "لا يوجد أي نموذج أو نظرية كافية تستطيع أن توضح ما هو الخطأ الذي يسير في العالم العربي في القرن الأخير"، واصل يقول: "القوميون العرب المتمثلون بالبعث والناصريين، والكثير من الحركات الإسلامية، والاشتراكيون، والاحتكارات التي لا تنتهي وتسببت بتحويل العالم العربي إلى خرابة.. تركوا من خلفهم كسلسلة من الأجيال الضائعة!.. لا يمكن لأي نظرية أن توضح كيف لمصر التي كانت مركز الحضارات، أن تتخلى عن النظام المدني، وتعود لحكم العسكر، وتهمش بعد تاريخها الطويل!".
يلخص السيد "ملحم" كيف أصبحت "داعش" و"القاعدة" منظمتين إرهابيتين، تشكلان سرطان هذه المنطقة لتجرّاها إلى طريق مسدود بقوله: "تناقل البعض كلاماً عن أننا نحمي العالم العربي من البربرة. لقد كان من ضمن هذه البربرة السوفييت والإمبرياليون والصهاينة وتدفقوا حتى حدود بلدنا. لكنهم لم يتكلموا عن البرابرة الذين يسكنون بيننا ويتكلمون لغتنا وينفذون اعتداءات في مدننا..".
بعد الكلام الذي تفضل به السيد "ملحم".. ما رأيكم في أن نعيد النظر من جديد في ما يجري في تركيا ومصر وتونس؟
(عن صحيفة الصباح التركية: ترجمة وتحرير "عربي21")