التطورات الأمنية المتسارعة في أكثر من بلد عربي وأجنبي أثارت الكثير من علامات الاستفهام حول الأبعاد الحقيقية لهذه التطورات والنتائج المتوقعة لها سياسيا واستراتيجيا، على صعيد الصراع في المنطقة والعالم، ولا سيما المعركة ضد تنظيم داعش وجبهة النصرة وغيرها من التنظيمات الإسلامية المتشددة.
فبعد الهجوم على مجلة
شارلي إيبدو والتطورات المتسارعة في
فرنسا والتظاهرة الدولية ضد "الإرهاب" الذي يستهدف فرنسا وأوروبا، تسارعت التطورات في
لبنان، فبعد التفجيرين الانتحاريين اللذين استهدفها مقهى في منطقة
جبل محسن القريبة من مدينة طرابلس، سارعت الأجهزة الأمنية اللبنانية إلى شن هجوم سريع ومباغت على المبنى"ب" في
سجن رومية والذي يضم الموقوفين والمسجونين والمحكومين الإسلاميين، وتم نقلهم إلى مبنى آخر ومصادرة ما يملكون من أجهزة هاتفية وكومبيوترات، وأعلنت الحكومة اللبنانية استمرار الحملة ضد المجموعات الإسلامية المتشددة والتي لها علاقة بتنظيمي داعش وجبهة النصرة.
وتتزامن هذه التطورات مع استمرار المعركة في العراق ضد داعش، وكذلك انتقال المعركة إلى الحدود السعودية –العراقية – الأردنية، والحديث العالمي عن تطورات جديدة في المعركة ضد داعش والمجموعات الإسلامية المتشددة.
مصادر إسلامية مطلعة في بيروت تعتبر: أن كل هذه التطورات ليست مجرد أحداث أمنية وعسكرية منفصلة، بل نحن أمام متغيرات سياسية واستراتيجية مهمة قد تمهد لأوضاع جديدة تحت عنوان "مواجهة الإرهاب الإسلامي أو التنظيمات الإسلامية المتشددة".
وتضيف: أن الأحداث الأمنية والعسكرية الأخيرة تزامنت مع عودة المفاوضات الأميركية – الإيرانية حول الملف النووي، وكذلك انطلاق الحوار في موسكو بشأن الأزمة السورية ومتابعة الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله في بيروت، والحديث عن البحث عن حلول لأزمة الانتخابات الرئاسية اللبنانية بين فرنسا والسعودية وإيران بدعم أميركي ودولي، ومع سلسلة تطورات واتصالات سياسية بين عدد من الدول العربية والإسلامية، ولا سيما مصر والعراق وتركيا، والحديث عن حلول سياسية للأزمة السورية والوضع العراقي وإعادة ترتيب أوضاع المنطقة في ظل الخوف العالمي من تمدد وانتشار خطر "التنظيمات الإسلامية المتشددة".
وتتابع هذه المصادر: إنه مع اقتراب التسويات والحلول السياسية لأية أزمة أو مشكلة فلا بد من وجود من يدفع الثمن أو أن تكون الحلول على حسابه، وعادة يكون الطرف الأضعف هو الثمن، وأن الحكومة اللبنانية لم تكن قادرة على اتخاذ هذا القرار السريع بإنهاء ما سمي"إمارة سجن رومية" بدون أية ردود فعل واستيعاب تداعيات انفجاري جبل محسن والتضامن اللبناني الداخلي في مواجهة هذه التفجيرات لولا وجود إرادة دولية وإقليمية داعمة للحكومة اللبنانية ورافضة لأية تطورات أمنية تخرّب الوضع اللبناني في المنطقة.
وتذكّر المصادر الإسلامية بأزمة الرهائن في لبنان في مرحلة الثمانينيات من القرن الماضي والتي كانت تقوم بها تنظيمات إسلامية في لبنان بدعم إيراني وفي ظل الدور السوري الفاعل في لبنان، فهذه الأزمة استمرت عدة سنوات في ظل الصراع الإيراني – الدولي تزامنا مع الحرب العراقية – الإيرانية والأوضاع اللبنانية المتوترةز ولكن بعد توقف الحرب العراقية – الإيرانية وحرب الخليج الثانية بعد دخول صدام حسين الى الكويت وتشكيل تحالف دولي – عربي ضد صدام حسين، شهدنا عدة تطورات لبنانية ومنها اتفاق الطائف وعودة سوريا إلى لعب دور كبير في لبنان، وانتهت قضية الرهائن بأسرع ما يمكن ولم يعد أحد يخطف رهائن أجانب في لبنان ولم نعد نسمع بالتنظيمات الإسلامية التي كانت تتولى الإعلان عن مسؤوليتها خطف الرهائن.
وتختم المصادر الإسلامية: قد يكون صحيحا أن الأوضاع اليوم تختلف عن الأوضاع في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وأن التنظيمات الإسلامية المتشددة المتنشرة اليوم ليس لديها مرجعية محددة، ولكن عندما يكون هناك قرار دولي – إقليمي واضح في ظل البحث عن تسويات سياسية للأزمات القائمة فلا بد من أن يكون هناك ثمن معين، وقد تكون "داعش " وأخواتها هي الثمن المطلوب اليوم.