في مساحة بالكاد تتسع لشخصين وتتكدس فيها
إطارات السيارات البالية مع كتلة من المعاول الحديدية القاطعة وعلب سوائل لاصقة مرصوصة بإهمال، يدير عيسى آدم ورشته التي تشتهر بصناعة
الحذاء السوداني ذائع الصيت "
تموت تخلي".
و"تموت تخلي" عبارة عن حذاء يصنع بأدوات بدائية من إطارات السيارات المستعملة، وينتشر وسط المجتمعات الفقيرة نظرا لثمنه الزهيد.
فتكلفة صناعة الحذاء، كما يقول آدم "بسيطة للغاية ولا تتطلب سوى جمع الإطارات المستعملة، ثم تقطيعها لصناعة (تموت تخلي) الذي يتكون من أرضية فقط مع رباطين لتثبيت القدم".
ورغم ثمن الحذاء الزهيد وتنميطه كمنتج للمجتمعات الفقيرة، إلا أنه يمتاز بالمتانة. ومن هنا جاء اسم "تموت تخلي" بمعنى أنه يموت صاحبه ويبقى الحذاء دون أن يبلى.
ويطلق على الحذاء أيضا "الشِدة" كناية عن صلابته. ونسبة للتصنيف الطبقي للحذاء، فقد تراجع انتشاره خلال العقدين الماضيين مع ازدهار الاقتصاد السوداني، بفعل استخراج النفط وارتفاع مستوى الدخل. لكنه في الآونة الأخيرة عاود سوق "تموت تخلي" الانتعاش مع تدهور الأوضاع الاقتصادية مجددا بسبب فقدان العائدات النفطية.
ففي تموز/ يوليو 2011 خسر السودان 75% من حقول النفط التي كانت تمثل أكثر من 50% من الإيرادات العامة، بسبب انفصال جنوب السودان بموجب استفتاء شعبي أقره اتفاق سلام أبرم في 2005 وأنهى عقودا من الحرب الأهلية.
ويستحضر آدم تلك الأيام التي كان الناس يعزفون فيها عن شراء منتجه قائلا: "كغالبية من كانوا يمتهنون صناعة الحذاء تركوها، ومن تبقى منهم لا يجد زبائن".
وأضاف آدم الذي يصنع منتجه تحت ظل شجرة في ميدان عام مقابل رسوم رمزية يدفعها للسلطات المحلية: "في السابق كنت لا أبيع أكثر من حذائين أو ثلاثة، لكن اليوم أبيع أكثر من عشرة".
ويبلغ سعر الحذاء الواحد 10 جنيهات، أي ما يعادل 1.8 دولار أمريكي، وهو سعر "مناسب" لذوي الدخل المحدود.
ويعمل علي النور في ورشة لصيانة السيارات بالقرب من ورشة آدم ويرتدي حذاء من صنعه.
وبشيء من التعجب، يتساءل النور: "هل بإمكان شخص لا يتجاوز أجره الشهري 750 جنيها (132 دولارا) أن يشتري حذاء ثمنه 200 جنيه (35 دولار)".
وفي حين يتحاشى بعض ذوي الدخل المحدود ارتداء الحذاء بوصفه "عنوانا لفقرهم" كما يقول آدم، إلا أن النور يؤكد أنه وكثيرين غيره "لم يفكروا في الحذاء بهذه الطريقة، لأن الفقر ليس عيبا".
وتقارب نسبة الفقر بالسودان نسبة الـ 50%، وفقا لإحصائيات رسمية، بينما تقول المعارضة إن الرقم أكبر من ذلك بكثير، وتقدره بنحو 90% بناء على معايير الأمم المتحدة.
وبغض النظر عن مدى شيوع هذه النظرة الاجتماعية المتأففة من "تموت تخلي"، يجزم النور بأنه "سيبقى من الخيارات طالما أن الكثير من الأسر لا تستطيع إرسال أبنائها إلى المدارس بأقدام حافية".