بورتريه

حياة بومدين.. كأن المجهول قد ابتلعها! (بورتريه)

حياة بومدين بورتريه
نظراتها الحزينة قبل النقاب تعكس الألم الذي طبع حياة هذه الفتاة الهشة، الجزائرية الأصل، فيما تؤكد وسائل إعلام جزائرية أنها مغربية الأصل. 

شعر كستنائي ووجه طفولي الملامح لا يوحي بأن صاحبته ستتحول بين ليلة وضحاها إلى "المطلوب رقم واحد" للسلطات الفرنسية.

 فرنسية المولد والنشأة والحياة، كانت تعيش حياة عادية مستقرة، ووصفت هي وزوجها بأنهما "هادئا الطباع"، "لا يتعاملان مع محيطهما"، و"لا يحتكان بأحد" و تظهر عليهما "مظاهر التدين الواضح".

شوهدت آخر مرة في شوارع مدينة إسطنبول بتركيا، قبل أن يبتلعها المجهول.

 وسجلت كاميرات المراقبة في مطار مدريد الإسباني في الثاني من كانون الثاني/ يناير الجاري، صورا لها وهي تستعد للركوب في طائرة متوجهة إلى إسطنبول.

 وفي مطار إسطنبول التقطت كاميرات المراقبة صورا لها بينما كانت تقف هادئة مع رفيق لها أمام موظف الجوازات الذي كان يستعد لختم جواز سفرها. وتقول تركيا إنه كان بحوزتها تذكرة للعودة إلى مدريد يوم 9 كانون الثاني/ يناير الحالي.

 السلطات التركية وضعتهما تحت المراقبة بسبب الرجل المرافق وليس بسببها هي، وأرسلت بياناتهما إلى الشرطة الفرنسية، ووفقا لصحيفة "قارشي" التركية فهي لم تصل إلى تركيا بمفردها، بل إنها وصلت برفقة أربعة أشخاص آخرين.

 وتعتقد تركيا أن السيدة استطاعت الإفلات من الاعتقال بسبب عدم إبلاغ فرنسا عنها، كما يقول وزير الداخلية التركي إفقان علاء.

 أجهزة الأمن التركية داهمت وبحثت في كل الأماكن التي يشتبه بأنها أقامت فيها قبل أن تتابع سيرها باتجاه سوريا، حيث يقال إنها قطعت الحدود بين سوريا وتركيا عند تل الأبيض بشكل غير شرعي، في اليوم نفسه الذي استهدف فيه زوجها أحمدي كوليبالي (32 عاما) الشرطية الفرنسية، بعد قيام الأخوين شريف وسعيد كواشي بهجوم على صحيفة "شارلي إيبدو" الفرنسية.

وتؤكد الشرطة الفرنسية أنه بات من المستبعد إلقاء القبض في القريب العاجل على حياة بومدين زوجة كوليبالي الذي لقي حتفه على يد قوات الأمن الفرنسي، بعد مداهمة مركز تجاري يهودي كان يُحتجز فيه عدد من الأشخاص.

 وتنحدر حياة بومدين، المولودة عام 1988 من أبوين فقيرين أنهكتهما إعالة أطفالهما السبعة، وتوفيت أمها عام 1994، وهي في سن الثامنة أو التاسعة، وكان على الأب، عامل التوصيل، ملء الفراغ الذي اتسع. ولم ينجح الأب في رتق الفتق، ووضعت حياة في مؤسسة اجتماعية لمساعدة الأطفال مع أشقاء وشقيقات لها.

لم تنقطع صلتها بوالدها خلال السنوات التالية، وكانت تلتقي به من حين لآخر. وتعرف الأب على زوج المستقبل، لكنه لم يتوقع هذه النهاية، فحين استجوبته الشرطة بعد الأحداث الأخيرة قال إن الأخبار التي ترددت بشان ابنته "صعبة التصديق". 

وباتت بومدين "المطلوب الخطر" لفرنسا بعد مقتل الشبان الثلاثة الذين نفذوا الهجمات. ورغم أن وسائل إعلام فرنسية محلية زعمت أن بومدين كانت مع زوجها لحظة إطلاقه النار على الشرطية الفرنسية، وأنها ساعدته في عملية احتجاز الرهائن، فإن المصادر الأمنية الفرنسية أجمعت لاحقا على أن بومدين لم تكن موجودة في فرنسا أثناء الهجمات التي بدأت على أسبوعية "شارلي إيبدو"، وأودت بحياة 17 شخصا في باريس على مدى الأيام القليلة الماضية.

 ولا تستبعد معظم الروايات أن تكون قد ساهمت في الإعداد لهجمات باريس قبل سفرها نحو سوريا التي يُسيطر "تنظيم الدولة" و"جبهة النصرة" على مناطق واسعة منها.

 وكعادة الإعلام الغربي، فقد كانت بومدين المادة الأكثر إثارة وغموضا لدى وسائل الإعلام الفرنسية، وقد نشرت الصحف الفرنسية صورا لها  وهي تتمرن على الرماية بقاذفة تقليدية في إحدى غابات مقاطعة الكانتال وسط البلاد عام 2010.

 ودأبت بومدين وزوجها على زيارة إسلامي وصف بـ"المتشدد" يدعى جمال بيغال، ويخضع الآن للإقامة الجبرية في تلك المنطقة، وهو بمثابة مرشد روحي لكوليبالي وشريف كواشي بعدما تعرف عليهما بالسجن في العقد الماضي.

 وتزوجت بومدين عام 2009 بالفرنسي من أصل سنغالي أحمدي كوليبالي، مكرسة بذلك تحولا في حياتها، إذ إن الأمر تزامن مع ارتدائها النقاب وتخليها عن عملها أمينة صندوق في أحد المراكز التجارية. وهجرت منذ ذلك الوقت كل نزوات الشباب. وفي إحدى الصور التي وزعتها الشرطة تبدو بومدين غير محجبة.

وزعمت صحيفة "لوموند" الفرنسية، أن بومدين كانت على اتصال دائم مع زوجة أحد الشقيقين كواشي، إلى درجة أنها اتصلت بها هاتفيا 500 مرة العام الماضي. كما إنها كانت صديقة لكوليبالي قبل أن يتسرب إليه "التطرف" وفقا للصحيفة الفرنسية.

 وكان كوليبالي تعرف في 2005 إلى الشقيقين كواشي في سجن أمضى فيه عقوبة عن سرقة
ارتكبها، وبعدها في 2010 قبض عليه وأدين بالسجن أربعة أعوام لمحاولته تهريب سجناء اتهموا في عام 2005 بتنفيذ هجمات "مترو باريس". 

كوليبالي كان رجلا يحب الترحال، سافر إلى ماليزيا وجمهورية الدومنيكان وإسبانيا.

 وقالت بومدين عنه: "إنه كان يحب الاستمتاع بالحياة والتنقل، وليس شديد التدين، فقد كان يترك بعض الصلوات، لكنه كان يجتهد في الوقت ذاته".

 وبعد خروجه من السجن في عام 2014، انتقل للعيش مع بومدين في شقة واحدة، وتزوجا زواجا دينيا فقط، ثم قاما بزيارة الفرنسي من أصل جزائري، جمال بيغال، عضو "القاعدة" المدان في 2005 بأعمال "إرهابية " ارتكبها في جنوب فرنسا، وهناك في مقر إقامته الجبرية التقطوا صوراً.
 
"لوموند" ذكرت أيضاً أن الشرطة سألت بومدين فيما بعد عن سبب وجودها في مقر إقامة بيغال، فأخبرت أنها كانت تتدرب على رياضة سلاح القوس، وقالت للمحققين إن تلك الزيارة كانت "للقيام بنزهة ولتغيير المنظر".

 وذكرت بومدين للشرطة أيضا أنها تأثرت بزوجها وبآخرين، وبدأت تدرس الدين وما في العالم من نزاعات وحروب متأثرة بمجرياتها، وزعم موقع "ديلي بيست" الإخباري الأمريكي، أن بومدين قالت: "حين أرى المجازر بحق الفلسطينيين، وفي العراق والشيشان وأفغانستان، وفي أي مكان يرسل إليه الأمريكيون طائراتهم، أليس هذا إرهابا؟". لكن الموقع لم يذكر لمن قالت هذه العبارات أو متى؟

 صحيفة "ديلي ميل" البريطانية انضمت إلى الصف الطويل من الصحف الغربية التي أدلت بدلوها حول تفاصيل حياة بومدين؛ فقد قالت إن هناك معلومات، ولكن من دون مصدر، تقول إن بومدين قامت بتغيير اسم عائلتها "ليبدو لفظه فرنسيا أكثر".

 تجوال بومدين في ثلاث عواصم، هي باريس ومدريد وإسطنبول، ثم دخولها إلى سوريا يؤكد أن ثمة فشلا استخباراتيا وقعت فيه فرنسا تحديدا. ووفقا  لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، فإن منفذي الهجمات في باريس كانوا معروفين لدى أجهزة الأمن ومرصودين وخاضعين للمراقبة، ورغم ذلك فإنهم نجحوا في تنفيذ الهجوم الذي استهدف صحيفة "شارلي إيبدو". 

وهو ما أكده رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالز بقوله: "طبعا كان هناك فشل".

 وصول بومدين إلى سوريا يشكل فشلا فرنسيا من العيار الثقيل، وهو يفتح الباب واسعا أمام سيل كبير من الأسئلة التي ستبقى معلقة إلى حين ظهور حياة بومدين، مهددة بالانتقام.