لم يعد أمام
اليمن سوى واحد من خيارين: إما التوافق أو السيناريو الليبي لا سمح الله. هكذا لخص الناطق باسم الحكومة اليمنية الوضع في بلاده بعدما بات الرئيس محاصرا ومدير مكتبه مختطفا ورئيس الوزراء شبه محتجز مع استمرار المعارك والتفجيرات حول مقراتهما.
وضع من الصعب على أي دولة جديرة بالحد الأدنى مما تتطلبه هذه الصفة أن تقبل به ولكنها سلسلة التنازلات التي قدمها الرئيس عبد ربه منصور هادي التي فتحت شهية «أنصار الله». و كما قال أحد المحللين اليمنيين، فإنه كان ينبغي على الرئيس أن يعلم أنه «حين سقطت صعدة أن صنعاء ستسقط، و أنه حين سقطت صنعاء فإن دار الرئاسة ستسقط (..) فنقطة ضعفه الأكبر الآن هي أنه في صنعاء التي هي تحت رحمة الحوثيين».
«لم نعد قادرين على السيطرة على البلاد»… هكذا اعترفت بكل صراحة وزيرة الإعلام اليمنية نادية السقاف التي سبق لها أن وصفت ما حدث من تطورات خطيرة في بلادها في اليومين الماضيين بأنه «محاولة انقلاب»، فيما رآه المحلل السياسي اليمني عبد الملك اليوسفي بأنه خطوة أخرى في إطارما وصفه بـ «الانقلاب بالتقسيط» ذلك أن تحالف الحوثيين مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح يتبنى «مشروعا يقوم على التصعيد والتحرك بذكاء لاختطاف الدولة واسترجاع السلطة والثروة التي لم تصل لها ثورة 11 سيتمبر/ أيلول» التي أطاحت بصالح في نهاية المطاف وإن بصيغة مشوهة ما زال اليمن يدفع ثمنها إلى الآن.
المشكلة الكبرى أن البلاد تبدو الآن أقرب إلى «السيناريو الليبي» منها إلى صيغة توافقية ما، مع أن الأطراف الليبية نفسها، و قد أنهكها القتال العبثي، صارت تبحث عن توافقات استطاع اليمنيون تحصيلها قبلهم لكنهم سائرون على ما يبدو للتخلص منها للذهاب إلى القتال المفتوح الذي لا طائل من ورائه. الأمرّ أن هناك من اليمنيين من يرى أن طبيعة الصراع في البلاد لا يمكن أن تحسم إلا بالقوة ، على غرار الكاتب محمد جميح الذي يعتقد أن البلد «أمام مشروعين مختلفين تماما، مشروع جماعة مسلحة لم تنخرط في عمل سياسي و إنما تريد أن تغير الوقائع على الأرض بالقوة، ومشروع آخر، مهما كان عليه من مؤاخذات أو ملاحظات، فهو مشروع دولة لا تزال تحظى بشرعية دولية و شعبية، و بالتالي لا يمكن أن يصل هذان المشروعان إلى نقطة التقاء أبدا».
ورغم كل ما يقوم به
الحوثيون الآن من تنكر للاتفاقات الموقعة مع الحكومة واستقواء على الدولة لإذلالها تمهيدا لإخضاعها، فإن كل المتحدثين باسمهم باتوا بارعين في الحديث الخالط للأوراق ومحاولة الظهور بمظهر الضحية . هم أولا لم يعودوا يتحدثون عن أية مرجعية عدا «ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر» الذي لا تعدو أن تكون تاريخ دخولهم صنعاء و السيطرة على مبانيها الرسمية. هم أيضا لا يملون هذا الحديث المتواصل عن «اللجان الشعبية» كفاعل أساسي في الأحداث الأخيرة يختبئون وراءه مع أن هذه اللجان ليست سوى المليشيات الحوثية لا أكثر ولا أقل. هناك أيضا تكرار لكلمة الفساد الذي يحاربونه دونما تحديد لمظاهره ومواقعه في حين أن تحالفهم مع علي عبد الله صالح وأنصاره، الذين باتوا ينادونه بالمناسبة بـ «الزعيم» هو وضع اليد في اليد مع قوى الفساد الأصلية والأصيلة في حين أن السلطة الجديدة أو القوى المشاركة في حكومة التوافق لم تجد بعد الوقت لتفسد كما فسد من ظل في السلطة لثلاثين عاما. هم أيضا لا يملون من الحديث عن اتفاق السلم و الشراكة الموقع في 21 سبتمبر الماضي مع أنهم أول من خرقه بدخولهم العاصمة و برفضهم المتواصل تسليم سلاحهم و هو من أبرز بنود الاتفاق الداعي إلى سلاح واحد هو سلاح الدولة. هذا فضلا عن الحديث عن محاربتهم للقاعدة في اليمن ومن يصفونهم بالتكفيريين في حين أن هؤلاء لم ينتعشوا أصلا في الفترة الأخيرة إلا بتغول جماعة «أنصار الله» التي لا تخفى علاقتها بإيران و التي لطهران ألف حساب وحساب من وراء دعمها.
وعلى ذكر إيران، فمن المفيد مثلا الإطلاع على ما كتبه سيد جعفر قنادباشي في وكالة «فارس» الإيرانية بعنوان «مرتكز اليمن للتخلص من سيطرة السعودية» فمما جاء فيه أن «وقوف اليمن إلى جانب إيران يعني تشكل جبهة في المنطقة تعارض الكيان الصهيوني (هي موجودة أصلا ؟!) والتي تضم حاليا لبنان وسوريا و الحكومة العراقية الحالية» (هكذا!!). فضلا عن أن «اليمن يمتلك إمكانيات سياحية جيدة فهو مكان مناسب للسياحة الإسلامية (!!) و قيمة المنتجات الإيرانية أقل من قيمة المنتجات الأوروبية وهي بذلك تناسب اليمن الذي بإمكانه الاستفادة من الشركات الإيرانية في مجال التنمية»(!!).
(نقلا عن صحيفة القدس العربي)