نشأ جيل شاب في
السعودية يطمح في التحكم بمسيرة حياته بنفسه، وبمقدوره أن يتخذ القرارات المتعلقة بتعليمه وعمله وحتى زواجه.
هذا ما جاء في تقرير نشرته صحيفة "إندبندنت" البريطانية، التي قالت إن الظاهرة تثير حالة من عدم الارتياح بين الطبقة الدينية، التي ترى فيها تحديا للتقاليد التي تقوم عليها المملكة.
ويشير التقرير إلى عدد من الحالات التي استطلعت آراؤها، ومنها آنا الفطاني، التي تحلم بمسيرة وظيفية باهرة وحياة مختلفة عن حياة
المرأة السعودية التي يمثلها جيل والدتها ممن تزوجن مبكرا وبزواج تقليدي.
وتحلم الطالبة، التي تدرس في مرحلة الماجستير في جامعة "جورج تاون"، أن تصبح وزيرة سعودية للعمل، وهي جزء، كما يقول التقرير، من ظاهرة متزايدة بين الفتيات السعوديات اللاتي اخترن عدم
الزواج في سن العشرين أو الثلاثين، مفضلات متابعة الدراسة وتحقيق باقي الطموحات، وفق التقرير.
وتنقل الصحيفة عن الفطاني قولها: "أنا وصديقاتي وصلنا إلى نقطة محددة حول ما نريده". وأضافت: "أريد شخصا أثق به. إذا أردت عمل أمر فسأجد المساعدة منه أو أمضي به وحدي".
ويبين التقرير أن المرأة السعودية تقف وسط محور مجتمعي، بين دفع الحكومة نحو دور للمرأة وتعليمها وحقها في
العمل، وبين قوانين تقول إن المرأة لا يمكنها السفر أو الدراسة في الخارج، أو الزواج أو العلاج دون إذن من وكيلها (والدها أو زوجها، وفي غيابهما أحد إخوتها).
ويضيف التقرير أن العدد المتزايد بين الفتيات غير المتزوجات قد أثار قلقا بين شيوخ الدين، الذين ردوا بالدفع باتجاه تشجيع الزواج المبكر، وحذروا من مخاطر ومضار "العنوسة"، ما قد يقود إلى ارتكاب الرذيلة.
وتوضح "إندبندنت" أن الفتاة في السعودية تتزوج في بداية العشرينيات من عمرها. ولكن إحصائية قامت بها وزارة التخطيط الاقتصادي أظهرت عام 2011 أن 1.5 مليون امرأة سعودية فوق الثلاثين لم تتزوج.
وتشير أرقام الحكومة إلى أن هناك 3.3 مليون إمراة في سن الـ30، في دولة عدد سكانها يزيد على 20 مليون نسمة. وفي حال عدم تغير أرقام وزارة التخطيط الاقتصادي فإن نسبة 45% من النساء السعوديات سيكن عازبات. وفي الوقت الذي تتفق فيه الناشطات السعوديات المدافعات عن حقوق المرأة مع هذه الأرقام، فإن بعضهن يشككن في دقة أرقام الحكومة، بحسب الصحيفة.
وتذكر الصحيفة أن المرأة السعودية تؤدي دورا مهما في الحياة العامة، خاصة في قطاع التعليم، وتقول وزارة العمل إن هناك أكثر من 400 ألف امرأة عاملة في السعودية، مقارنة بـ 55 ألفا أو أقل في عام 2009. وتزيد نسبة الطالبات على الطلاب في الجامعات السعودية.
ويرى التقرير أن التعليم يؤثر على موقف المرأة من الزواج. وتقول أستاذة دراسات تاريخ المرأة السعودية، هتون الفاسي: "لم يعد بإمكانك التحكم بمواقفهن".
وتلفت الصحيفة إلى أن الفتيات يتحدّين القواعد المعمول بها في الزواج ومقابلة عريس المستقبل. فبحسب التقاليد السعودية، تقوم العائلة بترتيب لقاء (شوفة) بين الفتاة والشاب بحضور عائلته، ودون أن تضع الفتاة النقاب على وجهها، الذي تلبسه المرأة في الأماكن العامة. وفي بعض الحالات لا ينظر الرجل لزوجته إلا عندما يتزوجها. لكن هناك قصصا تتحدث عن لقاءات بين الشباب والفتيات بعيدا عن أعين العائلة، ما يعني تمردا للجيل الشاب على طرق ترتيب الزواج.
ويفيد التقرير بأن وسائل التواصل الاجتماعي توفر وسيلة للتواصل بين الفتاة والشاب. وتقول فتاة إنها قضت أشهرا وهي تتحدث مع شاب عبر الإنترنت، قبل أن يقررا اللقاء في متجر، حيث بدءا بإرسال الرسائل الهاتفية من بين ممرات المتجر. ولم يتقابلا وجها لوجه، إلا بعد أن جاء لبيت والدها، وطلب يدها رسميا.
وترى المدونة تماضر اليامي أن الإنترنت قد تفوق على التقاليد، فقد منحت غرف الحوار ووسائل التواصل الاجتماعي السعوديين والسعوديات الفضاء لإقامة علاقات والتعبير عن استقلالية، بحسب الصحيفة.
وتختم "إندبندنت" تقريرها بالإشارة إلى أن بعض المعلقين السعوديين، مثل داود الشريان والمحللة النفسية فوزية الهاني، قد انضموا للشيوخ الذين حذروا من مخاطر
العزوبية. وخصص الشريان حلقة خاصة من برنامجه، الذي يقدمه على قناة عربية، لمناقشة الوضع. وحمل هو والهاني الحكومة مسؤولية هذه الظاهرة، حيث قالا إن الشبان لم يعد بإمكانهم الزواج بسبب المهر الكبير.